الجوف: منى العبدلي

"رغبات سخيفة".

"يارب أستودعتك عقل بناتي من التفاهة".

"أبسط حقوقها يترك عمله ويستأذن عشان تروق مزاجها بكوفي".

"مستحيل أترك المدينة وأرضى أعيش معاه بالديرة".

"أنصدمت، يشرب القهوة بدون سكر، وأنا سكر زيادة، وين الخلق اللي يخليني أسوي مرتين قهوة".

"والله البلاء أن بعض البنات ينظرن للزواج على أنه سفر وكماليات وتصوير وبهرجة. أما الهدف الأساسي فقد أصبح مُغيب للأسف. ما تدري هو بسبب عدم التوجيه من الأمهات أو بسبب الانفتاح الإجتماعي الحاصل!".

"إش صار في عقلية بناتنا عشان سفر وسكن الديره صار متخلف!!. طيب قولي ما يناسبني تفكيره.. ودي لو أشوف الشاب وأقول تراها دعوة أمك لك بالتوفيق إنها تركتك.. للأسف أغلب بناتنا وعيالنا صاروا سطحيين مره مره.. مُحزن".

كانت هذه عينات من ردود مختلفة أثارها منشور عبر منصة (x)، أدلى عبرها عدد من المستخدمين بأرائهم، وبدا كأن أكثرهم يتفق على أن السطحية والهشاسة في التفكير باتت طابعا شاملا لفتيات كثيرات، تفضح ما يفكرن به حيال الزواج، وكيف يتعاملن معه، ومع تكوين الأسرة.

وأرجع مراقبون انتشار مثل هذه السطحية واتساع مداها إلى مدى التأثر بما يبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك إلى التقليد الأعمى.

ويتساءل كثيرون: لماذا اختلف التفكير بالقواعد الهامة لنجاح الزواج؟، ولماذا تم استبدالها بالقشور والسطحية؟، وماذا عن الزواج والأسرة التي هي نواة للمجتمع؟.

معضلة حقيقية

ترى شذا سعيد المسجن، وهي مدربة معتمدة في العلاقات الأسرية والتوجيه الزواجي أننا أمام معضلة تهدد المجتمع، وتقول "نحنُ أمام معضلة حقيقية قد تضرب نواة المجتمع وهي الأسرة التي تسلم من أن تهز رياح العبث أركانها حال وجد التناغم بين الزوجين، خاصة في الأمور الأساسية مثل التقدير وتقديس الحياة الزوجية وعدم الالتفات إلى أمور يمكن تجاوزها".

وتابعت "من المخجل أن نسمع أنه يمكن تقرير إنهاء الحياة الزوجية لقشور غير مهمة، وببساطة متناهية ولمبررات واهية".

انتصار كاذب

تعيد المسجن ما نراه اليوم من كثير من الشباب والشابات في تعاملهم مع الحياة الزوجية إلى طريقة وأسلوب تنشئتهم، وتقول "ثقافة الحياة الزوجية وتقديرها تقع بالدرجة الأولى على التربية من قبل الأبوين، وعدم الخضوع للتقليد الأعمى الذي يجرف الشباب فينهون العلاقة وينعمون بنشوة انتصار كاذب لفترة معينة، بعدها يقعون في الندم".

ترميم الخلل

تشدد المسجن على أنه مقابل كل هذا الانفلات في تقدير المسؤولية، والاهتمام ببناء الأسرة والمحافظة على روابط الزواج نحتاج إلى مزيد من التوعية والتثقيف، وعلى المهتمين تكثيف البرامج والمحاضرات التي تنمي عند الشباب الحس بالمسؤولية، خاصة المقبلين منهم على الزواج".

واستطردت "هل من الممكن أن يقف الأبوين في صمت مطبق عندما تنتهي علاقة ابنهم أو ابنتهم لسبب تافه؟".

وأجابت "بالتأكيد تعتمد الإجابة على مدى وعي الأبوين لخطورة الأمر، ومدة مشاركتهم في اتخاذ القرار".

تفهم الاحتياج

من جانبها، تركز مزينة عوض السيد، وهي مختصة بالتوجيه والإصلاح الأسري، مستشارة أسرية على المسؤولية المشتركة لطرفي العلاقة الزوجية في دوامها واستمرارها، وقبل ذلك في اكتمال مشروع الزواج، وتقول إن "استقرار الحياة الزوجية يعتمد على الزوجين معا، ولكليهما احتياجات وحقوق، لكن كل الأشياء تستقر بالتعاون والاتفاق".

وتابعت "لا بد أن يكون كل منهما متفهما لاحتياجات الآخر ومدى قدرته وامكانياته، ولا بد أن يلتمس كل منهما للآخر العذر".

وواصلت "المشكلة أن السطحية في هذا الجيل طغت على بعض الزيجات حيث أصبح التفكير محصورا فقط في كيفية الحصول على الترفيه مثل السفر والارتياد المستمر للمطاعم والكافيهات، وحتى النفور من السكن في المدن الصغيرة".

واستطردت "حين تسيطر مثل هذه الأفكار التافهة على تفكير أحد الزوجين، فإن هذا يترك أثره على الأسرة والأبناء، وحيث يحتل الاهتمام بالقشور وسطحية التفكير الواجهة، فإنه يطغى على الدور الأساس للزوجين وهو تكوين أسرة، ومن ثم يبدأ التخلي التدريجي عن الأساسيات".

توجيه وإرشاد

تعتقد السيد أن "التوجيه مطلب في مثل هذه الحالة، خاصة من قبل الأهل بالنصح والإرشاد وتوضيح الدور الأساس من الزواج".

وتابعت "لا يمكن كذلك أن ننكر هنا دور المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والمختصين ووسائل الإعلام، حيث عليهم الالتفات إلى هذا الأمر بشكل أكثر جدية لما له من آثار نفسية واجتماعية وثقافية على المجتمع، مع التركيز على الأمور والمتطلبات الأساسية لنجاح الزواج، والبعد عن المتطلبات غير الهامة وما تُحدثه من شروخ في الحياة الزوجية وتكون سببا في رفع نسب الطلاق في المجتمع".

أسس راسخة

بدورها، توضح هند برجس الغنامي، وهي متخصصة في علم الاجتماع أن "الزواج الناجح يبنى على أسس متينة وراسخة، وكثير من حالات الانفصال التي تنتشر في بعض المجتمعات تعود إلى أسباب تافهة، فمن المحزن جدا أن يتطور خلاف بين الزوجين من أجل سبب تافه إلى حالة طلاق دونما وعي بما يعقبه من أمور سيئة قد يتأثر بها المجتمع بأكمله، وتنتشر مثل هذه الحالات الآن بين الأسر ليتدخل التقليد الأعمى وزيرد من انتشارها".

وتابعت "الزواج حالة من الاستقرار التي تضمن استقرار المجتمع بأكمله، كونه السبيل لنشأة الأسرة التي هي نواة هذا المجتمع".

وختمت "الكل مسؤول في هذه الحالة، خاصة عند ما يثار الأمر ونرى عددا لا يستهان به من المؤيدين من فئة الشباب غير المبالين بعواقب الأمر، والذين يتبارون في استعراض تجاربهم في إنهاء العلاقة لأسباب أقل ما يمكن وصفها فيه هو السطحية".

دلال زائد

تتحدث أم مشعل عن تجربتها مع ابنتها التي لم تتجاوز العشرين من العمر عندما قررت الانفصال عن زوجها بسبب عدم قدرته على السفر.

وقالت "لا أنكر أن الدلال الزائد قد يكون من الأسباب التي تدفع نحو هذا الأمر، وذلك لأن الفتاة ربما اعتادت على تلبية طلباتها من الأهل، وعندما تنتقل إلى بيت زوجها تعتقد بأنها طلباتها التي لا تحتمل الرفض ستنتقل معها إلى بيتها الجديد".

واعترفت "على الأبوين التعامل مع الأبناء بوسطية، فالاعتدال مطلب والدلال الزائد قد يفسد حياة بأكملها خاصة إن غاب التوجيه قبيل فترة الزواج للطرفين".