لو قدّر لك أن تزور أحد معارض الكتاب الكبرى أو بعض المكتبات الضخمة، ربما أنك رصدت ظاهرة لفتت انتباهك وتتمثل في أن البعض تأبط كمية ضخمة من الكتب، وربما استخدم عربة التسوق لحمل تلك العناوين المتنوعة. ولعل فضولك دفعك للتساؤل أين سيجد الوقت لقراءة ما استحوذت عليه يداه؟ ولكن في الواقع الأمر أنك قد تجد نفسك أمام حالة من حالات الاضطراب النفسي أو ما يسمى بمتلازمة (هوس الكتب) (Bibliomania). فأنت هنا أمام شهية مفتوحة وشراهة لا متناهية، وحالة متطرفة لاقتناء أي كتاب سواء المفيد أو غير ذلك. وربما يقتني هذا الإنسان الكتاب من خلال غلاف جذاب دون أن يعير العنوان أو الكاتب أي اهتمام، وقد يقتني أكثر من نسخة للعنوان نفسه، والحالة هنا تتشكل معها علاقة طردية، فكلما زادت مقتنياته من الكتب زادت سعادته وأشبعت رغبته النهمة. والعلاقة في هذا الوضع قطعًا ليست سوية.. فالعلاقة المثلى تأتي ما بين إنسان محب للقراءة والثقافة، يتطلع من خلال كتاب اقتناه إلى إشباع فضاءات وُجدت في عقله وروحه ووجدانه، تترك أثرا إيجابيا في مسيرته المعرفية والإبداعية، وهنا تحدث القراءة الناجحة والتي معها يأتي فن واحترافية انتقاء الكتاب المناسب في المرحلة المناسبة، ولهدف مرسوم بدقة. فالأكثر شيوعا لدى الأشخاص الناجحين هو القراءة الناجحة والمثمرة. هذا النوع من القراءة له مساهمة كبرى في الذكاء العام للإنسان، ويؤدي إلى تراكم المعرفة والتجارب والخبرات، وتوسيع الأفق وزيادة معتبرة في المفردات التي لا تشعر بدخولها لمخزونك العقلي الباطني ولكنها تظهر في الموعد المناسب عند استحضارك وحاجتك إليها. كما أن القراءة الناجحة تزيد من فرص الإبداع وزيادة التفاعل مع محيطك الاجتماعي، وتؤدي إلى امتلاك شخصية خاصة متفردة، وترتفع معها ولادة معززة لاحترام الذات. شخصت أول حالة من (البايبلومانيا) عام 1861 على يد طبيب بريطاني، وفي القرن التاسع عشر أيضًا كتب الإنجليزي (توماس فروجنال) عن هذا الاضطراب الذي عانى منه شخصيًا كتاب (Bibliomania).
ولكي نُؤصل البداية الحقيقية لظهور هذا الاضطراب لا بد أن نعود إلى العام 1440م حيث تم اختراع الطباعة الحديثة، وصار اقتناء الكتب معها أيسر، ولتظهر في أوربا هواية جمع الكتب خصوصا بين النبلاء والأغنياء، وشكّلت تلك العادة واجهة اجتماعية مهمة لهم. ومع مرور الزمن وتسارع دوران عجلة الطباعة وتقدم تقنياتها متواكبة مع النهضة العلمية والثقافية، وبالتالي ظهور العدد الهائل من الكتب والعناوين في كل المجالات وبكل اللغات، زادت وتيرة اضطراب الهوس بالكتب. هذا الهوس غالبا يبدأ من الصغر حيث يشعر المصاب بالسعادة في بحثه واقتنائه أي كتاب تحت أي ذريعة، بغض النظر عن نوعه وأهميته بالنسبة إليه، ومع مرور الوقت تتراكم تلك الكتب وهي في الغالب لا تحظى بأي نصيب في قراءتها مع أنها تستهلك قدرًا غير بسيط من ميزانيته، وربما في بعض الأوقات يصل حد الهوس إلى السرقة دون أي شعور بالذنب وهذا ما حصل مع المواطن الأمريكي (ستيفن بلومبرج) الذي سرق 24.000 كتاب تقدر قيمتها بحوالي 5.000.000 دولار، وقبله سرق لويس بشلر الذي كان يعمل أمين المكتبة الملكية في سانت بطرسبرغ بروسيا في القرن التاسع عشر أكثر من 4500 عنوان من المكتبة.
هذا النوع من الهوس المنحرف يسمى Bibliokleptomania. والكثير ممن يسرقون الكتب لا يعترفون غالبا بجرمهم بل يبررون فعلهم أنه أتى من باب تقديرهم لقيمة هذه الكتب وقدرتهم على الحفاظ عليها أكثر من غيرهم.. كما ظهرت باليابان في القرن التاسع عشر ظاهرة مشابهة تسمى (توسو ان دوكو)، وتعني اقتناء الكثير من الكتب، وتختلف عن البايبلومانيا أن من يقتني الكتب في هذه الحالة لديهم نية حقيقية لقراءتها ولكنهم لظروف معينة لم يتمكنوا من قراءتها.
لكن هل تعتبر حالة هوس الكتب اضطرابًا أو مرضًا نفسيا؟ وهل صنفت كحالة وسواس قهري؟ وهل يحتاج من أصيب به علاجا سلوكيا ودوائيا؟ في الدليل التشخيصي والإحصاء للاضطرابات النفسية في نسخته الخامسة والأخيرة (DSM-5) وهو المرجعية الأعلى والأكثر وثوقًا في الأمراض والاضطرابات النفسية لم يصنف هوس الكتب كاضطراب نفسي أو حالة قهرية، حيث إن تضمين أي حالة اضطراب أو مرض نفسي في هذا الدليل يتطلب وجود معايير سلوكية وعوامل محددة مرضية وبيئية، حيث يتم تبني تلك القاعدة المعلوماتية من قبل باحثين معتبرين والذين ينشرون بدورهم مرئياتهم عبر نشرات ودوريات علمية عالمية وموثوقة، وتقديمها في مؤتمرات وحلقات نقاش عالمية. وإذا مضى الأمر نحو الاقتناع بهذه الحيثيات ورسوخ أركانها تدرج ضمن هذا الدليل كاضطراب أو مرض نفسي، له أدلته التشخيصية والعلاجية كما حدث مع عادة إدمان القمار التي أصبحت مصنفة، وإدمان ألعاب الإنترنت التي هي في طريقها للتصنيف.
ولكن يمكن وضع هوس الكتب مع حالات أخرى كحالات إدمان سلوكي Behavioral addictions disorders كإدمان الألعاب الإلكترونية وتناول الوجبات السريعة وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي وحتى إدمان التسوق لدى النساء.
ولكن من وجهة نظر متواضعة أرى أن اضطراب هوس الكتب قد استوجب معايير تصنيفه كوسواس قهري من حيث إن من يعانيه يشعر بالسعادة في ممارسة هذه العادة، كما أنه يستهلك جزءًا كبيرًا من ميزانية صاحبه ويهمل أولويات حياتية في سبيل اقتناء الكتب، كما أنه يشغل حيزًا كبيرًا من المنزل لرص تلك الكتب، وهذه بلا شك أصبحت حالة قهرية يتعامل معها الطبيب المعالج كحالة وسواس قهري، يعالج معها بالعلاج السلوكي والدوائي نفسه، والنتائج مشجعة إلى حد كبير. يقول الدكتور أحمد خالد توفيق (يومًا ما سأقرأ كل هذه الكتب وعندها أصبح رائعًا.. المشكلة أن هذا اليوم لم يأت بعد).
ولكي نُؤصل البداية الحقيقية لظهور هذا الاضطراب لا بد أن نعود إلى العام 1440م حيث تم اختراع الطباعة الحديثة، وصار اقتناء الكتب معها أيسر، ولتظهر في أوربا هواية جمع الكتب خصوصا بين النبلاء والأغنياء، وشكّلت تلك العادة واجهة اجتماعية مهمة لهم. ومع مرور الزمن وتسارع دوران عجلة الطباعة وتقدم تقنياتها متواكبة مع النهضة العلمية والثقافية، وبالتالي ظهور العدد الهائل من الكتب والعناوين في كل المجالات وبكل اللغات، زادت وتيرة اضطراب الهوس بالكتب. هذا الهوس غالبا يبدأ من الصغر حيث يشعر المصاب بالسعادة في بحثه واقتنائه أي كتاب تحت أي ذريعة، بغض النظر عن نوعه وأهميته بالنسبة إليه، ومع مرور الوقت تتراكم تلك الكتب وهي في الغالب لا تحظى بأي نصيب في قراءتها مع أنها تستهلك قدرًا غير بسيط من ميزانيته، وربما في بعض الأوقات يصل حد الهوس إلى السرقة دون أي شعور بالذنب وهذا ما حصل مع المواطن الأمريكي (ستيفن بلومبرج) الذي سرق 24.000 كتاب تقدر قيمتها بحوالي 5.000.000 دولار، وقبله سرق لويس بشلر الذي كان يعمل أمين المكتبة الملكية في سانت بطرسبرغ بروسيا في القرن التاسع عشر أكثر من 4500 عنوان من المكتبة.
هذا النوع من الهوس المنحرف يسمى Bibliokleptomania. والكثير ممن يسرقون الكتب لا يعترفون غالبا بجرمهم بل يبررون فعلهم أنه أتى من باب تقديرهم لقيمة هذه الكتب وقدرتهم على الحفاظ عليها أكثر من غيرهم.. كما ظهرت باليابان في القرن التاسع عشر ظاهرة مشابهة تسمى (توسو ان دوكو)، وتعني اقتناء الكثير من الكتب، وتختلف عن البايبلومانيا أن من يقتني الكتب في هذه الحالة لديهم نية حقيقية لقراءتها ولكنهم لظروف معينة لم يتمكنوا من قراءتها.
لكن هل تعتبر حالة هوس الكتب اضطرابًا أو مرضًا نفسيا؟ وهل صنفت كحالة وسواس قهري؟ وهل يحتاج من أصيب به علاجا سلوكيا ودوائيا؟ في الدليل التشخيصي والإحصاء للاضطرابات النفسية في نسخته الخامسة والأخيرة (DSM-5) وهو المرجعية الأعلى والأكثر وثوقًا في الأمراض والاضطرابات النفسية لم يصنف هوس الكتب كاضطراب نفسي أو حالة قهرية، حيث إن تضمين أي حالة اضطراب أو مرض نفسي في هذا الدليل يتطلب وجود معايير سلوكية وعوامل محددة مرضية وبيئية، حيث يتم تبني تلك القاعدة المعلوماتية من قبل باحثين معتبرين والذين ينشرون بدورهم مرئياتهم عبر نشرات ودوريات علمية عالمية وموثوقة، وتقديمها في مؤتمرات وحلقات نقاش عالمية. وإذا مضى الأمر نحو الاقتناع بهذه الحيثيات ورسوخ أركانها تدرج ضمن هذا الدليل كاضطراب أو مرض نفسي، له أدلته التشخيصية والعلاجية كما حدث مع عادة إدمان القمار التي أصبحت مصنفة، وإدمان ألعاب الإنترنت التي هي في طريقها للتصنيف.
ولكن يمكن وضع هوس الكتب مع حالات أخرى كحالات إدمان سلوكي Behavioral addictions disorders كإدمان الألعاب الإلكترونية وتناول الوجبات السريعة وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي وحتى إدمان التسوق لدى النساء.
ولكن من وجهة نظر متواضعة أرى أن اضطراب هوس الكتب قد استوجب معايير تصنيفه كوسواس قهري من حيث إن من يعانيه يشعر بالسعادة في ممارسة هذه العادة، كما أنه يستهلك جزءًا كبيرًا من ميزانية صاحبه ويهمل أولويات حياتية في سبيل اقتناء الكتب، كما أنه يشغل حيزًا كبيرًا من المنزل لرص تلك الكتب، وهذه بلا شك أصبحت حالة قهرية يتعامل معها الطبيب المعالج كحالة وسواس قهري، يعالج معها بالعلاج السلوكي والدوائي نفسه، والنتائج مشجعة إلى حد كبير. يقول الدكتور أحمد خالد توفيق (يومًا ما سأقرأ كل هذه الكتب وعندها أصبح رائعًا.. المشكلة أن هذا اليوم لم يأت بعد).