نجران: قاسم الكستبان

لا تكاد جهة عمل، عامة كانت أو خاصة، تخلو من موظف أو أكثر ممن دأبوا على سرقة جهود زملائهم وأفكارهم، حيث يتولون تسويقها للمسؤول على أنها أفكارهم الخاصة، طمعًا في ترقية أو منصب أو حظوة، وحرصًا على الظهور ـ ادعاء وزيفًا ـ بمظهر المشغول بالشأن العام على حساب المصلحة الخاصة.

ويتقن هؤلاء تمثيل أدوارهم على نحو متقن، وينتهزون الفرص لينسبوا لأنفسهم أفكار وجهد بقية زملائهم دون أي إحساس بالذنب، فيوهمون رؤسائهم وأرباب أعمالهم أنهم الأفضل، وأنهم الأكثر كفاءة والأجدر بالثقة.

ارتقاء بطرق ملتوية

يشير المستشار بالموارد البشرية والثقافة العمالية فهد بن يحيى الكستبان إلى وجود ظاهرة تعرف بظاهرة الموظف المتسلق وهو ذاك الذي يسعى إلى الارتقاء الوظيفي على أكتاف بقية الموظفين بطرق انتهازية، وقال «الموظف المتسلق هو موظف تحركه دوافع عدة منها الرغبة بالحصول على الترقية والترفيع في المستوى الوظيفي، وزيادة النفوذ والسلطة والمكانة الاجتماعية داخل المنشأة، والرغبة بأن يبرز عن باقي زملائه، والسعي للحصول على مكاسب شخصية ومزايا».

وأضاف «يرى هؤلاء في الترقية والتفوق على الآخرين وسيلة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، غير مكترثين بأن تصرفاتهم تحبط الآخرين، وتؤدي عادة إلى تدهور بيئة العمل وتدني الأداء العام للمنشأة».

تعزيز النزاهة

بيّن الكستبان أن الدراسات أثبتت أن الموظف المتسلق يسبب أضرارًا ومشاكل لزملاء العمل وللمنشأة، حيث توصلت دراسة «The Toxic Employee: Evidence from Personnel Data» نشرت في مجلة «Management Science» إلى أن الموظفين المتسلقين يمكن أن يسببوا خسائر مالية كبيرة للمنشآت.

وأشار إلى أن دراسة «The Impact of Negative Employees on Co-Workers: Evidence from the Laboratory and the Field» - حللت تأثير الموظفين السلبيين على زملائهم في العمل، وتوصلت إلى أن وجود موظف سلبي في الفريق يؤدي إلى تدهور المزاج والأداء لدى زملائه.

وأوضح أن من جملة المشاكل التي يمكن أن يأتي بها الموظفون المتسلقون تقليل مكانة زملائهم في العمل، وعرقلة تقدم زملاء العمل، وتحقيق المتسلقون للنجاح عن طريق منع بقية الموظفين من الوصول إلى المشاريع المهمة أو فرص الترقية، وكل هذا إلى جانب سرقتهم لأفكار وإنجازات زملائهم وتقديمها على أنه جهدهم الخاص دون الاعتراف للأشخاص الأصليين بأحقيتهم فيها أو بأنها أفكار وحلول ومبادرات تعود إلى هؤلاء الآخرين.

وقال «مثل هذه السلوكيات من الموظف المتسلق تسبب مع الوقت توترًا وصراعًا داخل فريق العمل، وتخلق مناخًا غير صحي قد يقسم الفريق، ويقود إلى تدني الروح المعنوية لدى زملائه في العمل، حيث يشعرون بالإحباط والتقهقر، ناهيك عن مشاكل أخرى قد تكون ذات صلة بالحالة النفسية مثل القلق والاكتئاب والإجهاد».

حقوق واحتيال

يرى المحامي، المستشار القانوني أحمد هريدي البنداري أن النظر إلى الحقوق والاحتيال يعد موضوعًا حساسًا يشمل تناقضًا فلسفيًا بين حقوق الأفراد والمؤسسات، وبين السعي الذي يتخذه البعض لتحقيق أهدافهم على حساب الآخرين، وقال «التلاعب والاحتيال لتحقيق النجاح أو الحصول على مكاسب شخصية على حساب الآخرين أمر غير مقبول ويناقض قواعد المجتمع العادل والأخلاق السليمة».

وأضاف «ظاهرة الموظف المتسلق مثيرة للجدل، ولها تأثير سلبي على المجتمع، لأن استخدام الاحتيال وأساليب الخداع والتلاعب لتحقيق أهداف شخصية على حساب الآخرين أمر مرفوض وينعكس سلبًا على الدائرة المحيطة بالموظف المتسلق».

وتابع «يتضرر الأفراد وكذلك المؤسسات من تصرفات الموظف المتسلق، حيث يتجاوز على حقوق الآخرين، ويسلبهم فرصهم المهمة في النجاح والترقي».

وأكمل «بالرغم من أن الاحتيال قد يبدو وسيلة سهلة لتحقيق الأهداف في اللحظة، فإن تبعاته السلبية تظل عالقة لفترة طويلة. فعندما يتأثر الآخرون بفعل الاحتيال، يترك ذلك تأثيرًا سلبيًا على الثقة والعدالة في المجتمع. يعود ذلك إلى أنه يفتح الباب أمام الفوضى والاضطراب، وينقض قيّم المجتمع العادل والاحترام المتبادل».

تعزيز العدالة

ختم البنداري «التسلق والانتهازية على حساب حقوق الآخرين أمران غير مقبولان، وهما مدانين في المجتمعات العادلة، وهذا يُلزم المجتمعات والمؤسسات والأفراد العمل سويًا لمكافحة هذه الظاهرة السلبية وتعزيز العدالة والنزاهة».

نجاح مزيف

ترى خلود القحطاني، المدير التنفيذي لطلاب المنح بجامعة الأمير سطام، أن الموظف المتسلق يتصف بالحب الشديد للذات، وبأنه يعمل على الارتقاء على أكتاف الغير ويستغل مجهودهم لبلوغ أهدافه، ويركز على أن ينسب النجاح أو العمل لشخصه، لكنه لا يكترث أن ذلك نجاح مزيف، وأنه لم يأت ثمرة لجهد حقيقي وصادق.

وقالت «وجود هؤلاء في أي منشأة يضعف الروح المعنوية للعاملين، ويخلق جوًا متوترًا بين الموظفين».

وأضافت «أمثال هؤلاء يجب أن يتم إيقافهم، ومتابعة أعمالهم ومراقبة حضورهم وانصرافهم وتسليمهم للأعمال، وكذلك المعرفة المفصلة بمهامهم وأعمالهم حتى لا يتدخلوا بشؤون غيرهم، وإفهامهم بكل الطرق المتاحة أهمية التعاون مع الزملاء وتبيان أن تسلقهم بلا جدوى، مع تركيز الإدارة على العمل الرسمي وإثبات إنجاز المهام بالتواصل الرسمي كالبريد الإلكتروني، وعمل ورش أو دورات بأهمية العمل الجماعي وأهميه العلاقات داخل بيئه العمل».

سرقة الحقوق الفكرية

يشدد عبدالهادي حسن المهدي على كثرة الموظفين المتسلقين، ويجزم أنهم موجودون في كل منشأة حكومية خاصة وفي كل دائرة وقسم، وقال «إنهم هؤلاء الذين يبحثون عن الوصول إلى التودد وكسب ثقة المسؤول أو المدير أو من بيده الأمر والسلطة حتى لو كان ذلك عن طريق سرقة جهود الآخرين وسرقة أفكارهم ومقترحاتهم، وبالتالي ينالون الرضا والقبول عبر تعمدهم الظهور بالصورة والتحدث عن أي منجز أو مشروع أو عمل قائم بكل ثقة وكأنهم هم الذين اجتهدوا وتعبوا وخططوا ورسموا لتحقيقه، فيما هم في حقيقة الأمر استغلوا ربما طيبة وثقة زميل لهم أطلعهم على ما قام به، أو ما يفكر فيه أو يعتزم اقتراحه فسبقوه بنقله والشرح عنه للمدير والمسؤول وكأنهم أصحاب الفكرة، دون أن يذكروا شيئًا عن صاحب المجهود الرئيس، وبالتالي يجعلون من أنفسهم أصحاب فكر ثاقب ورؤية شاملة».

وتابع «ينجح هذا الأمر مرات عدة، لكنه يبقى حسب اعتقادي حالة وقتية تستمر لفترة محدودة، إذ لا بد في النهاية من انكشاف الأمور، وحين يشيع الأمر ويعرف لا بد أن مصير المتسلق سيكون سيئًا حيث قد يصبح منبوذًا بين زملائه، وسيحرص الجميع لاحقا على ألا يعرضوا عليه وأمامه أيا من أفكارهم بعدما تلمسوا وأيقنوا أنه يسلب حقوقهم ويحاول التسلق على أكتافهم ويسرق حقوقهم الفكرية والعملية ويتعمد إهدار جهودهم».

ولا يخرج أمر الموظف المتسلق عن كونه شخص ينسب جهود الآخرين لنفسه أو يجير نجاحاتهم إلى حسابه، وفي الغالب هو شخص يبحث عن السمعة والترقية والمصلحة الخاصة، وعادة ما يفشل في التحديات لأنه لم يعتد عليها، لكنه بارع في إيهام من حوله، وإيهام مسؤوليه أنه الموظف الاستثنائي الذي أنجز العمل وقام بالمهمة، وغالبًا ما يكون قوي العلاقة مع المسؤولين فيخشى زملاؤه الإبلاغ عنه، وقوة العلاقة هذه تترجم في الغالية بحصوله على تقديرات جيدة في تقييم الأداء السنوي، أو بحصوله على مكافأة كبيرة بالرغم من أنه لا يستحقها، أو بارتقائه الأسرع في الترقيات.