حظي كلب الصيد السلوقي بمكانة رفيعة لدى العرب منذ أعماق التاريخ حيث أعطوه قدرا كبيرا من الرعاية والتدليل والمكانة الرفيعة، كونه الكلب الذكي والمطيع الوفي والصياد الماهر، حتى أنه كان جزءا مهما في حياة العرب اليومية والشريك في الخيام والطعام لدى رجل البادية، ولازم الأمراء والصيادين والرعاة لما يتميز به من مقاومة لأشد ظروف البيئة.
وعرف السلوقي بأنه مقاتل شرس لا يهاب، ومصارع شرس لا يخاف من أي طريدة يتعقبها ولو كانت وحشا كاسرا، وثبت أن أنثاه أسرع من الذكر في التعلم، وهي تعمر وتعيش أطول منه.
وحسب الرئيس التنفيذي، المستشار فهد بن معتوق بن سالم بن فرحان الفرحان، مالك ومؤسس المركز العالمي للسلوقي العربي الأصيل، فإن تاريخ السلوقي العربي الأصيل يعود إلى أكثر من 31 ألف سنة مضت، ويكمن جمال الكلاب السلوقية في أنها السلالة الأولى والوحيدة بين كلاب الصيد التي تمتلك كثيرا من المواصفات الذهنية والجسدية، وأهمها الإقدام.
في أعماق التاريخ
ثمة علاقة مبكرة بين الإنسان والكلاب أكدتها نقوش على طوابع بريدية مؤرخة بين 4000 و3700 سنة قبل الميلاد في منطقة تيبي غاورا ببلاد الرافدين، وتظهر فيها كلاب صيد تشبه الكلاب السلوقية الحالية.
وتتأكد هذه العلاقة باكتشاف مقبرة سومرية في العراق في موقع مدينة إريدو القديمة تعود إلى 3600 سنة قبل الميلاد.
كما تظهر الكلاب الشبيهة بسلالة الكلاب السلوقية في أعمال فنية مصرية فرعونية ترجع إلى ما قبل 3000 سنة قبل الميلاد، كما كانت تحنط وتطلى بالذهب وتوضع في المدافن المصرية القديمة مع المومياوات وتصنع لها تماثيل من الذهب وتوضع في مقدمة سفن الفراعنة كفأل حسن.
وظهرت الكلاب السلوقية في مشاهد صيد على الأواني اليونانية منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وتظهر أيضا في مشاهد صيد المرسومة بالفسيفساء الرومانية شمال إفريقيا وآسيا الصغرى، وتظهر في الصين.
ظهور في جزيرة العرب
ظهر الكلب السلوقي في شبه الجزيرة العربية، وموطنه الأصلي مضارب مدينة سلوق باليمن، وقد نسب العرب كلاب الصيد السلوقية في كتبهم القديمة إلى سلوق التي اشتهرت منذ القدم بتربية كلاب الصيد الجيدة، ولهم خبرة واسعة بطبائعها، وعرفت سلالاتها منذ أكثر من 7000 إلى 6000 سنة قبل الميلاد في أنحاء اليمن التي اشتهر ملوكها بالحرص على اقتناء تلك الكلاب وتوارثوا تلك السلالات بينهم كرمز من رموز المُلك والسلطان والثراء.
وظهر في حاضرة سلوق نوع نادر وعريق للسلالة من الكلاب السريعة الرفيعة القوام الذكية، وهي من كلاب الصيد ومن أحسنها صيدا وأخفها عدوا، ولحب أهل مدينة سلوق للصيد واصطحابهم لهذا الكلب في غدوهم وترحالهم، أطلق على هذا الكلب اسم سلوقي ونسبه العرب إليهم.
خلط في التاريخ
شاع لدى من يجهلون التاريخ العربي وأنساب العرب وترحالهم، أن الكلاب السلوقية تعود إلى منطقة تسمى سلوق في ليبيا، وهذا غير صحيح، وسبب تسمية تلك المنطقة بهذا الاسم يعود إلى أن العرب الفاتحين لها خلال فترة الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا كانت جلّ الكتائب والجند من القبائل اليمنية في العهد الأموي تطلق الأسماء على المناطق المفتوحة بمسميات مشابهة لأسماء مدنهم الأصلية في جزيرة العرب من حيث جاءوا.
حضارة المقر
عرف السلوقي العربي الأصيل في أواسط شبه الجزيرة العربية قبل الميلاد في حضارة قديمة سميت بحضارة المقر، وتقع في منطقة متوسطة بين محافظة تثليث ومحافظة وادي الدواسر، وجل قاطنيها ينحدرون من القبائل العربية التي انحدرت من جهة اليمن.
كما عرف كذلك في موقعي الشويمس والجوبة شمال غرب المملكة.
شغف بالصيد
شغف العرب بحب الصيد والقنص وانهمكوا بتدريب وتعليم حيواناتهم المستخدمة لهذا الغرض من خيل وصقور وكلاب سلوقية كانت تعرف بالجزيرية والفهود العربية.
ورياضة الصيد عند العرب في الجزيرة العربية دواء للروح وغذاء للأجسام والعقول، لذا أطلقوا عليها مسمى «اللذة» لأن لذتها عندهم تفوق كل اللذات.
ويذكر العرب أن الحارث بن معاوية بن ثور الكندي كان من أوائل الذين صادوا بالصقور والكلاب السلوقية، وكان خبيرا في تربيتها وتضريتها وتدريبها، كما اشتهر كذلك وائل بن ربيعة بن الحارث التغلبي شيخ تغلب الذي كان مولعًا بالصيد ودائمًا على يده صقره ويرافقه كلبه السلوقي الضاري، وقد اشتهر باسم «كليب» الذي غلب عليه، حتى عرف باسم «كليب بن ربيعة بن الحارث التغلبي» وقصته معروفة، وقد اشتهرت في قصة الزير سالم وحرب البسوس.
تسلية وترفيه
في وقت متأخر بعد ظهور الإسلام تحول الصيد بالسلوقي العربي الأصيل إلى متعة، وصار مظهرا للتسلية والترفيه وإبراز القدرات والمهارات لدى علية القوم من الأمراء والنبلاء والارستقراطيين.
وقد أباح الإسلام للمسلم استخدام كلاب الصيد السلوقية المدربة وكلاب حراسة الماشية والمزارع والبيوت، أما ما عدا ذلك فهي محرمة شرعًا عند المذاهب الإسلامية، وجاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَال «مَنْ اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم».
وفي العهدين الأموي والعباسي صار الصيد والقنص علمًا يدرس في دواوين الخلفاء والملوك والأمراء ونبلاء العرب، وصار لهذا العلم رجاله وأصحابه المتخصصون بكل ما له علاقة بشؤونه وملحقاته، وأصبح اسم هذا الفن أو العلم هو «البزدرة» أو «البيزرة» أو «البزيرة»، وهي تسميات ذات أصل فارسي آتية من «باز دار» أي دار الباز، والباز طير جارح مثل الصقر كان يستخدم للصيد عند الأكاسرة ملوك الفرس، بينما المفضل عند العرب عندما كانوا في جزيرتهم قبل أن يتحضروا هو الصقر، وأصبح مسمى الصياد والمعلم المختص في شؤون البيزرة أو البزدرة هو بازياد أو بيزار أو باز داري، وكانت لهم دار خاصة مجهزة ومزودة بكل ما يحتاجونه لشؤون وظيفتهم، ولهم رئيس يسمى «كبير البازدارية أو كبير البيازره» يشرف على أمور البزدرة ويراجع السلطان في موضوع الصيد والقنص ومواعيده.
ويتناول علم البيزرة البحث في فن رياضة الصيد والقنص بالطيور الجوارح وطريقة علاجها وتربيتها وتدريبها، ويتناول بالبحث والدراسة كل الأمور ذات الصلة بالصيد وما يرافقه من حيوانات ومعدات وتعليمات، وكان أهم رفيق مع الصقر هو السلوقي العربي الأصيل الذي كان يجيد المواءمة مع الصقر والخيل المدربة للقنص أثناء عدوها وخبوبها وهرولتها.
مصنفات أدبية
ألّف العرب كتبا كثيرة تتعلق بفن البيزرة، منها كتاب «الجمهرة في البيزرة» لعيسى بن حسان الأسدي، وكتاب «الكافي في البيزرة» لعبدالرحمن البلدي، وكتاب «أنس الملا بوحش الغلا» لمنكلي، وكتاب «المصايد والمطارد» لكشاجم، وأقدم كتاب عربي في موضوع الصيد والقنص هو مخطوط «ضواري الطير» للغطريف بن قدامه الغساني وهو صاحب صيد الخليفة هشام بن عبدالملك الأموي، ولعل أعظم المصنفات الأدبية التي عرفها المسلمون والعرب هو ما خطه محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام، أبو بكر المحولي المتوفى عام 309هـ «فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب»، وفيه يسرد خصائل وشمائل وفاء الكلاب الذي فاقت به البشر من قصص ووقائع حقيقية حدثت في تاريخ العرب.
وذاع صيت الكلاب السلوقية في الصيد والقنص لدرجة التغني بها في الأهازيج، وهي تمتاز عن بقية الكلاب بسرعتها الفائقة وحركتها الرشيقة، وتكون آذانها طويلة متدلية، وتتميز بضمور البطن وأناقة الشكل وشدة الأنفة والعزة لديها فلا تقبل الضيم والإهانة.
وتردد اسم هذه الكلاب الممدوحة بالصيد والنبل والوقار في دواوين الملوك والأمراء والنبلاء من خلال الشعر والأدب العربي.
ويصف الجاحظ الكناني وهو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري في كتاب «الحيوان» كيفية مطاردة الكلاب السلوقية للطريدة عند العرب قائلا «على أن للكلب في تتبع الدراج والإصماد خلف الأرنب في الجبل الشاهق من المرفق وحسن الاهتداء والتأني ما لا يخفى مكانه على البيازره والكلابين يوم كان الصيد بواسطة الكلب كانت الأرانب تملأ البراري».
شهرة
تذكر كتب السير أن الخليفة الأموي الوليد الثاني بن يزيد الثاني «ت 360 هـ» والخليفة العباسي محمد المهدي «ت 300هـ» من المشهورين بحب وممارسة هواية الصيد والقنص بواسطة الصقر والسلوقي العربي الأصيل معًا، وكانا يصرفان عليها أموالا طائلة، وتجالسهم في مجالس السمر وعند خروجهم بين الأمصار متفقدين وفي حروبهم وغزواتهم.
فحالما يشاهد الخليفة الطريدة إن كان غزالا أو أرنبا أو حبارى كامنة على الأرض، فإنه يطلق كلبه السلوقي عليها لإثارتها من مكمنها فهو امتاز أثناء الصيد أن تصل سرعته عند مطاردته لفريسته أو أثناء السباقات إلى 75 كم/س بينما يقوم ذيله الطويل بدور الدفة حيث يسمح له بالمناورة السهلة مع سرعته العالية، وحالما تتحرك هاربة منه فإن الخليفة يطلق صقره عليها، لأنها عندما تتحرك يراها الصقر فتثير غريزة الصيد عنده فينطلق من كفه متعقبًا الطريدة كالسهم السريع القاتل ويؤكد البازدارية في علم البزدرة أن الصقور لا تلحظ الفريسة الكامنة إلا عندما تتحرك، لذلك فإن وظيفة الكلب السلوقي الصياد هو تحريك الطريدة ليلاحظها الصقر ويصطادها، علما أن الصقر يرى على بعد 64 كلم، وعندما ينقض على الطريدة فإنه يضربها ببراثنه ويكون مكان الضرب على الرأس وعلى العيون خاصة، فيشل حركتها ويصيبها بضربات قاتلة مربكة، فتسقط على الأرض، ويوكر عليها ينهش لحمها حتى يدركها بيازرة الخليفة، فيخلصونها منه وهي حية فيذبحونها لتصبح حلالا، وفي أغلب الأحيان كان للسلوقي الضاري المدرب فائدة مهمة، فهو قد يصل قبل البيازرة إلى مكان الطريدة ويخطفها من تحت الصقر ويجلبها للخليفة فورا قبل أن تموت ليذبحها، وفي بعض الأحيان قد يتمكن السلوقي من اصطياد الطريدة كالأرنب وغيرها قبل أن يصطادها الصقر.
ملاحظات المستشرقين
مع مرور الزمن وظهور ما يعرف بالاستشراق ذكر بعض المستشرقين والرحالة الغربيين الذين زاروا شبه الجزيرة العربية وعاشوا مع قبائلها وتجولوا في ديارها، أن كثيرا من شيوخ هذه القبائل ورجالها كانوا يصطادون بواسطة الصقور والكلاب السلوقية الأصيلة، وزينوا مؤلفاتهم بصور مرسومة أو فتوغرافية لها وهي راكبة خلف أصحابها «ردفًا لهم» على صهوات الخيل أو الهجن أو تجد صورها واقفة بجانب أصحابها، مما يعكس اعتزاز الرجل العربي بها لكونهما يعتمدان على بعضهما بعضا في التعايش مع البيئة القاسية.
وهناك قبائل وأسر نبيلة تهتم بحفظ نسب ونسل تلك السلالات الأصيلة من الكلاب السلوقية، ويتضح لنا في كثير من كتب البيزرة أن العرب أول من اكتشف وتبين له من خلال التجربة أن التنسيل من سلالات لا تمت بصلة قرابة يقوي النسل والصفات ويزيد المناعة ضد الأمراض مما جعلهم يجتهدون في حلهم وترحالهم في إيجاد الإناث أو الفحول الجيدة لإنتاج سلالات صافية من العيوب و الأمراض.
سلالات عربية في الغرب
توجد سلالات للكلاب السلوقية العربية في الغرب، تم أخذها من شبه الجزيرة العربية في سبعينات القرن العشرين، وقد تم إغفال ذكر ملاكها الأصليين من القبائل العربية إلا في بعض كتب ورسائل بعض الرحالة والمستكشفين والمستشرقين ممن لديهم الأمانة الأدبية في نقل المعلومة.
وعرف السلوقي بأنه مقاتل شرس لا يهاب، ومصارع شرس لا يخاف من أي طريدة يتعقبها ولو كانت وحشا كاسرا، وثبت أن أنثاه أسرع من الذكر في التعلم، وهي تعمر وتعيش أطول منه.
وحسب الرئيس التنفيذي، المستشار فهد بن معتوق بن سالم بن فرحان الفرحان، مالك ومؤسس المركز العالمي للسلوقي العربي الأصيل، فإن تاريخ السلوقي العربي الأصيل يعود إلى أكثر من 31 ألف سنة مضت، ويكمن جمال الكلاب السلوقية في أنها السلالة الأولى والوحيدة بين كلاب الصيد التي تمتلك كثيرا من المواصفات الذهنية والجسدية، وأهمها الإقدام.
في أعماق التاريخ
ثمة علاقة مبكرة بين الإنسان والكلاب أكدتها نقوش على طوابع بريدية مؤرخة بين 4000 و3700 سنة قبل الميلاد في منطقة تيبي غاورا ببلاد الرافدين، وتظهر فيها كلاب صيد تشبه الكلاب السلوقية الحالية.
وتتأكد هذه العلاقة باكتشاف مقبرة سومرية في العراق في موقع مدينة إريدو القديمة تعود إلى 3600 سنة قبل الميلاد.
كما تظهر الكلاب الشبيهة بسلالة الكلاب السلوقية في أعمال فنية مصرية فرعونية ترجع إلى ما قبل 3000 سنة قبل الميلاد، كما كانت تحنط وتطلى بالذهب وتوضع في المدافن المصرية القديمة مع المومياوات وتصنع لها تماثيل من الذهب وتوضع في مقدمة سفن الفراعنة كفأل حسن.
وظهرت الكلاب السلوقية في مشاهد صيد على الأواني اليونانية منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وتظهر أيضا في مشاهد صيد المرسومة بالفسيفساء الرومانية شمال إفريقيا وآسيا الصغرى، وتظهر في الصين.
ظهور في جزيرة العرب
ظهر الكلب السلوقي في شبه الجزيرة العربية، وموطنه الأصلي مضارب مدينة سلوق باليمن، وقد نسب العرب كلاب الصيد السلوقية في كتبهم القديمة إلى سلوق التي اشتهرت منذ القدم بتربية كلاب الصيد الجيدة، ولهم خبرة واسعة بطبائعها، وعرفت سلالاتها منذ أكثر من 7000 إلى 6000 سنة قبل الميلاد في أنحاء اليمن التي اشتهر ملوكها بالحرص على اقتناء تلك الكلاب وتوارثوا تلك السلالات بينهم كرمز من رموز المُلك والسلطان والثراء.
وظهر في حاضرة سلوق نوع نادر وعريق للسلالة من الكلاب السريعة الرفيعة القوام الذكية، وهي من كلاب الصيد ومن أحسنها صيدا وأخفها عدوا، ولحب أهل مدينة سلوق للصيد واصطحابهم لهذا الكلب في غدوهم وترحالهم، أطلق على هذا الكلب اسم سلوقي ونسبه العرب إليهم.
خلط في التاريخ
شاع لدى من يجهلون التاريخ العربي وأنساب العرب وترحالهم، أن الكلاب السلوقية تعود إلى منطقة تسمى سلوق في ليبيا، وهذا غير صحيح، وسبب تسمية تلك المنطقة بهذا الاسم يعود إلى أن العرب الفاتحين لها خلال فترة الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا كانت جلّ الكتائب والجند من القبائل اليمنية في العهد الأموي تطلق الأسماء على المناطق المفتوحة بمسميات مشابهة لأسماء مدنهم الأصلية في جزيرة العرب من حيث جاءوا.
حضارة المقر
عرف السلوقي العربي الأصيل في أواسط شبه الجزيرة العربية قبل الميلاد في حضارة قديمة سميت بحضارة المقر، وتقع في منطقة متوسطة بين محافظة تثليث ومحافظة وادي الدواسر، وجل قاطنيها ينحدرون من القبائل العربية التي انحدرت من جهة اليمن.
كما عرف كذلك في موقعي الشويمس والجوبة شمال غرب المملكة.
شغف بالصيد
شغف العرب بحب الصيد والقنص وانهمكوا بتدريب وتعليم حيواناتهم المستخدمة لهذا الغرض من خيل وصقور وكلاب سلوقية كانت تعرف بالجزيرية والفهود العربية.
ورياضة الصيد عند العرب في الجزيرة العربية دواء للروح وغذاء للأجسام والعقول، لذا أطلقوا عليها مسمى «اللذة» لأن لذتها عندهم تفوق كل اللذات.
ويذكر العرب أن الحارث بن معاوية بن ثور الكندي كان من أوائل الذين صادوا بالصقور والكلاب السلوقية، وكان خبيرا في تربيتها وتضريتها وتدريبها، كما اشتهر كذلك وائل بن ربيعة بن الحارث التغلبي شيخ تغلب الذي كان مولعًا بالصيد ودائمًا على يده صقره ويرافقه كلبه السلوقي الضاري، وقد اشتهر باسم «كليب» الذي غلب عليه، حتى عرف باسم «كليب بن ربيعة بن الحارث التغلبي» وقصته معروفة، وقد اشتهرت في قصة الزير سالم وحرب البسوس.
تسلية وترفيه
في وقت متأخر بعد ظهور الإسلام تحول الصيد بالسلوقي العربي الأصيل إلى متعة، وصار مظهرا للتسلية والترفيه وإبراز القدرات والمهارات لدى علية القوم من الأمراء والنبلاء والارستقراطيين.
وقد أباح الإسلام للمسلم استخدام كلاب الصيد السلوقية المدربة وكلاب حراسة الماشية والمزارع والبيوت، أما ما عدا ذلك فهي محرمة شرعًا عند المذاهب الإسلامية، وجاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَال «مَنْ اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم».
وفي العهدين الأموي والعباسي صار الصيد والقنص علمًا يدرس في دواوين الخلفاء والملوك والأمراء ونبلاء العرب، وصار لهذا العلم رجاله وأصحابه المتخصصون بكل ما له علاقة بشؤونه وملحقاته، وأصبح اسم هذا الفن أو العلم هو «البزدرة» أو «البيزرة» أو «البزيرة»، وهي تسميات ذات أصل فارسي آتية من «باز دار» أي دار الباز، والباز طير جارح مثل الصقر كان يستخدم للصيد عند الأكاسرة ملوك الفرس، بينما المفضل عند العرب عندما كانوا في جزيرتهم قبل أن يتحضروا هو الصقر، وأصبح مسمى الصياد والمعلم المختص في شؤون البيزرة أو البزدرة هو بازياد أو بيزار أو باز داري، وكانت لهم دار خاصة مجهزة ومزودة بكل ما يحتاجونه لشؤون وظيفتهم، ولهم رئيس يسمى «كبير البازدارية أو كبير البيازره» يشرف على أمور البزدرة ويراجع السلطان في موضوع الصيد والقنص ومواعيده.
ويتناول علم البيزرة البحث في فن رياضة الصيد والقنص بالطيور الجوارح وطريقة علاجها وتربيتها وتدريبها، ويتناول بالبحث والدراسة كل الأمور ذات الصلة بالصيد وما يرافقه من حيوانات ومعدات وتعليمات، وكان أهم رفيق مع الصقر هو السلوقي العربي الأصيل الذي كان يجيد المواءمة مع الصقر والخيل المدربة للقنص أثناء عدوها وخبوبها وهرولتها.
مصنفات أدبية
ألّف العرب كتبا كثيرة تتعلق بفن البيزرة، منها كتاب «الجمهرة في البيزرة» لعيسى بن حسان الأسدي، وكتاب «الكافي في البيزرة» لعبدالرحمن البلدي، وكتاب «أنس الملا بوحش الغلا» لمنكلي، وكتاب «المصايد والمطارد» لكشاجم، وأقدم كتاب عربي في موضوع الصيد والقنص هو مخطوط «ضواري الطير» للغطريف بن قدامه الغساني وهو صاحب صيد الخليفة هشام بن عبدالملك الأموي، ولعل أعظم المصنفات الأدبية التي عرفها المسلمون والعرب هو ما خطه محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام، أبو بكر المحولي المتوفى عام 309هـ «فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب»، وفيه يسرد خصائل وشمائل وفاء الكلاب الذي فاقت به البشر من قصص ووقائع حقيقية حدثت في تاريخ العرب.
وذاع صيت الكلاب السلوقية في الصيد والقنص لدرجة التغني بها في الأهازيج، وهي تمتاز عن بقية الكلاب بسرعتها الفائقة وحركتها الرشيقة، وتكون آذانها طويلة متدلية، وتتميز بضمور البطن وأناقة الشكل وشدة الأنفة والعزة لديها فلا تقبل الضيم والإهانة.
وتردد اسم هذه الكلاب الممدوحة بالصيد والنبل والوقار في دواوين الملوك والأمراء والنبلاء من خلال الشعر والأدب العربي.
ويصف الجاحظ الكناني وهو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري في كتاب «الحيوان» كيفية مطاردة الكلاب السلوقية للطريدة عند العرب قائلا «على أن للكلب في تتبع الدراج والإصماد خلف الأرنب في الجبل الشاهق من المرفق وحسن الاهتداء والتأني ما لا يخفى مكانه على البيازره والكلابين يوم كان الصيد بواسطة الكلب كانت الأرانب تملأ البراري».
شهرة
تذكر كتب السير أن الخليفة الأموي الوليد الثاني بن يزيد الثاني «ت 360 هـ» والخليفة العباسي محمد المهدي «ت 300هـ» من المشهورين بحب وممارسة هواية الصيد والقنص بواسطة الصقر والسلوقي العربي الأصيل معًا، وكانا يصرفان عليها أموالا طائلة، وتجالسهم في مجالس السمر وعند خروجهم بين الأمصار متفقدين وفي حروبهم وغزواتهم.
فحالما يشاهد الخليفة الطريدة إن كان غزالا أو أرنبا أو حبارى كامنة على الأرض، فإنه يطلق كلبه السلوقي عليها لإثارتها من مكمنها فهو امتاز أثناء الصيد أن تصل سرعته عند مطاردته لفريسته أو أثناء السباقات إلى 75 كم/س بينما يقوم ذيله الطويل بدور الدفة حيث يسمح له بالمناورة السهلة مع سرعته العالية، وحالما تتحرك هاربة منه فإن الخليفة يطلق صقره عليها، لأنها عندما تتحرك يراها الصقر فتثير غريزة الصيد عنده فينطلق من كفه متعقبًا الطريدة كالسهم السريع القاتل ويؤكد البازدارية في علم البزدرة أن الصقور لا تلحظ الفريسة الكامنة إلا عندما تتحرك، لذلك فإن وظيفة الكلب السلوقي الصياد هو تحريك الطريدة ليلاحظها الصقر ويصطادها، علما أن الصقر يرى على بعد 64 كلم، وعندما ينقض على الطريدة فإنه يضربها ببراثنه ويكون مكان الضرب على الرأس وعلى العيون خاصة، فيشل حركتها ويصيبها بضربات قاتلة مربكة، فتسقط على الأرض، ويوكر عليها ينهش لحمها حتى يدركها بيازرة الخليفة، فيخلصونها منه وهي حية فيذبحونها لتصبح حلالا، وفي أغلب الأحيان كان للسلوقي الضاري المدرب فائدة مهمة، فهو قد يصل قبل البيازرة إلى مكان الطريدة ويخطفها من تحت الصقر ويجلبها للخليفة فورا قبل أن تموت ليذبحها، وفي بعض الأحيان قد يتمكن السلوقي من اصطياد الطريدة كالأرنب وغيرها قبل أن يصطادها الصقر.
ملاحظات المستشرقين
مع مرور الزمن وظهور ما يعرف بالاستشراق ذكر بعض المستشرقين والرحالة الغربيين الذين زاروا شبه الجزيرة العربية وعاشوا مع قبائلها وتجولوا في ديارها، أن كثيرا من شيوخ هذه القبائل ورجالها كانوا يصطادون بواسطة الصقور والكلاب السلوقية الأصيلة، وزينوا مؤلفاتهم بصور مرسومة أو فتوغرافية لها وهي راكبة خلف أصحابها «ردفًا لهم» على صهوات الخيل أو الهجن أو تجد صورها واقفة بجانب أصحابها، مما يعكس اعتزاز الرجل العربي بها لكونهما يعتمدان على بعضهما بعضا في التعايش مع البيئة القاسية.
وهناك قبائل وأسر نبيلة تهتم بحفظ نسب ونسل تلك السلالات الأصيلة من الكلاب السلوقية، ويتضح لنا في كثير من كتب البيزرة أن العرب أول من اكتشف وتبين له من خلال التجربة أن التنسيل من سلالات لا تمت بصلة قرابة يقوي النسل والصفات ويزيد المناعة ضد الأمراض مما جعلهم يجتهدون في حلهم وترحالهم في إيجاد الإناث أو الفحول الجيدة لإنتاج سلالات صافية من العيوب و الأمراض.
سلالات عربية في الغرب
توجد سلالات للكلاب السلوقية العربية في الغرب، تم أخذها من شبه الجزيرة العربية في سبعينات القرن العشرين، وقد تم إغفال ذكر ملاكها الأصليين من القبائل العربية إلا في بعض كتب ورسائل بعض الرحالة والمستكشفين والمستشرقين ممن لديهم الأمانة الأدبية في نقل المعلومة.