في حين كان رفض أوكرانيا التسوية مع موسكو أمرا لا جدال فيه، يسعى الخبراء الآن إلى التسوية ووقف الحرب، وذلك بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني، حيث يسيطر الآن ادعاء أن الحرب عبارة عن طريق مسدود لا يستطيع أي من الطرفين الفوز فيه.
لهذا السبب، فقد حان الوقت لتجميد الصراع على نحو أشبه بإنهاء الحرب الكورية عن طريق التفاوض. وتم اقتراح هذه الفكرة للمرة الأولى على التيار الرئيسي في مايو 2023 بمقال في صحيفة «بوليتيكو». والآن، بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني، تتم مناقشة هذا الأمر مرة أخرى. في حين يرى آخرون أن تجميد الحرب الروسية - الأوكرانية من خلال نهج «القتال والحديث» قد يكون أكثر صعوبة، ولا يمكن تطبيقه.
زوال التفاؤل
وقبل بضعة أشهر، أصدر تشاتام هاوس تقريرا يسلط الضوء على الإجماع المتشدد بشأن الحرب الروسية - الأوكرانية: لا تسوية مع موسكو.. يجب هزيمتها ومعاقبتها بشكل سليم، والآن يبدو أن التفاؤل بالحرب الذي اجتاح وسائل الإعلام الغربية خلال 2022 قد اختفى، حيث يناقش عدد متزايد احتمالات وقف إطلاق النار، ويتعرض زيلينسكي نفسه لضغوط، لبدء المفاوضات مع روسيا، بينما الخبراء أنفسهم الذين توقعوا بجرأة هزيمة روسيا الضعيفة وغير الكفؤة يغيرون أسلوبهم في التكتيك.
السلام الكوري المجمد
كان تجميد الحرب الكورية يعتمد على ثلاثة عوامل:
العامل الأول:
كان الجمود العسكري المتمثل في حرب المواقع وحرب الاستنزاف على طول خط العرض الثامن والثلاثين، وهو الحدود الأصلية بين الشمال والجنوب قبل الحرب. وهنا، جرت مفاوضات وقف إطلاق النار بالتوازي مع الهجمات العسكرية المستمرة التي لم يحقق فيها أي من الطرفين مكاسب كبيرة، ولم يلحق خسائر كافية لإرهاق خصمه.
العامل الثاني:
اتفاق القوى العظمى (الصين والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة) على أن إنهاء الحرب يصب في مصلحتها، ويمكن لكل جانب أن يقدم مطالبات، لحفظ ماء الوجه.
العامل الثالث:
كان أيديولوجيًا، حيث إن إحدى العقبات الرئيسية في المفاوضات هي تبادل أسرى الحرب. وكانت كوريا الشمالية والصين مصرتين على إعادة السجناء إلى وطنهما، في حين طالب كثيرون في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بإطلاق سراحهم، والسماح لهم بالاختيار بين العودة أو الانشقاق.
مسار حرب أوكرانيا
يجادل الكثير من الخبراء بأنه لماذا لا يمكن تجميد حرب أوكرانيا حتى الآن؟. وتبعا لشروط كوريا المسبقة الثلاثة، فهي لا تنطبق حاليا على الحرب في أوكرانيا، وفقا لماثيو بلاكبيرن، الباحث الأول في مجموعة أبحاث روسيا وآسيا والتجارة الدولية التابعة للمعهد النرويجي للشؤون الدولية، الذي فسرها كالتالي:
أولا:
من الخطأ وصف الحرب بأنها حالة من الجمود استنادا فقط إلى ملاحظة مفادها أن هناك القليل من الأراضي التي تم أخذها. ففي حرب الاستنزاف، الهدف هو إنهاك العدو، وإجباره على الموافقة على الشروط. لذا، فالأراضي المكتسبة بعيدة كل البعد عن المؤشر الرئيسي للنجاح، ويمكن أيضًا قياس الإنجاز العسكري بكمية الرجال والمواد المدمرة. في هذا الصدد، تخلت أوكرانيا للتو عن هجوم فاشل أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
بينما القوى العاملة الأوكرانية تتضاءل، ويفكر زيلينسكي في تعبئة جديدة من شأنها بالتأكيد أن ترهق القدرة الاقتصادية والروح المعنوية للبلاد.
كما يواجه المدنيون في أوكرانيا شتاءً قاسيا، ومن المؤكد أن روسيا ستستهدف خلاله نظام الطاقة مرة أخرى.
علاوة على ذلك، فإن الداعمين الغربيين لأوكرانيا يكافحون من أجل مواكبة إمدادات الذخيرة العادية، بالإضافة إلى مواد أخرى مثل الطائرات بدون طيار والمركبات المدرعة. ومن المرجح أن يتعطل الدعم الأمريكي بسبب انهيار الدعم الحزبي للتمويل والمطالب الجديدة في الشرق الأوسط.
في الوقت نفسه، فإن الإنتاج العسكري الروسي من المدفعية والطائرات بدون طيار، اللتين تشكلان خبز هذه الحرب، ليس كافيا فحسب، بل تكمله أيضا مشتريات الطائرات بدون طيار الإيرانية والقذائف الكورية الشمالية.
ثانيا:
شرط موافقة القوى العظمى، حيث لم تعد أوكرانيا تقاتل وكيلا لروسيا، كما فعلت بين عامي 2014 و2022، بل تواجه روسيا وجها لوجه. ومن غير الواضح ما إذا كانت الصين قادرة على إقناع روسيا بالتوصل إلى اتفاق، لأن تحالف روسيا مع الصين لا يشبه اعتماد كوريا الشمالية على الاتحاد السوفيتي، فلدى موسكو مساحة أكبر بكثير للعمل المستقل. وربما يضغط الغرب على أوكرانيا لحملها على التفاوض، ولكن من المرجح أن تقاوم كييف ذلك.
ثالثا:
هل الغرب قادرعلى تقديم ضمانة أمنية مقبولة لروسيا لأوكرانيا؟. فمن ناحية، عارضت موسكو بشدة عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكان هدفها المركزي في الحرب هو «تجريد» البلاد من السلاح، وهو ما يعني عدم نشر أي قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي أو أسلحة ثقيلة في البلاد. من ناحية أخرى، كانت موسكو مستعدة للموافقة على حياد أوكرانيا إلى جانب «الضمانات الأمنية» على غرار الناتو في مفاوضات مارس 2022.
وفي كل الأحوال، فإن روسيا، التي لها اليد العليا عسكريا، لن توافق أبدا على خطة كييف للسلام المكونة من عشر نقاط، وسوف تنتظر واشنطن حتى تحث أوكرانيا على اتخاذ موقف مختلف يقبل شكلا من أشكال نزع السلاح والحياد، وهي النتيجة التي قد تؤجلها إدارة بايدن إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.
ماذا يأتي بعد ذلك؟
ونظرا لعدم وجود شروط مسبقة لتجميد السلام، وعدم بدء المفاوضات بعد، فمن المرجح حدوث دورة أخرى من التصعيد العسكري. بالنسبة لأوكرانيا، يعني هذا تسليم أصول القوة الجوية، وحملة تعبئة يائسة أخرى. وبالنسبة لروسيا، قد يعني هذا تعبئة مضادة أو ببساطة استكمال توسعها العسكري المخطط له من خلال الوسائل القياسية حتى نهاية 2024.
لهذا السبب، فقد حان الوقت لتجميد الصراع على نحو أشبه بإنهاء الحرب الكورية عن طريق التفاوض. وتم اقتراح هذه الفكرة للمرة الأولى على التيار الرئيسي في مايو 2023 بمقال في صحيفة «بوليتيكو». والآن، بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني، تتم مناقشة هذا الأمر مرة أخرى. في حين يرى آخرون أن تجميد الحرب الروسية - الأوكرانية من خلال نهج «القتال والحديث» قد يكون أكثر صعوبة، ولا يمكن تطبيقه.
زوال التفاؤل
وقبل بضعة أشهر، أصدر تشاتام هاوس تقريرا يسلط الضوء على الإجماع المتشدد بشأن الحرب الروسية - الأوكرانية: لا تسوية مع موسكو.. يجب هزيمتها ومعاقبتها بشكل سليم، والآن يبدو أن التفاؤل بالحرب الذي اجتاح وسائل الإعلام الغربية خلال 2022 قد اختفى، حيث يناقش عدد متزايد احتمالات وقف إطلاق النار، ويتعرض زيلينسكي نفسه لضغوط، لبدء المفاوضات مع روسيا، بينما الخبراء أنفسهم الذين توقعوا بجرأة هزيمة روسيا الضعيفة وغير الكفؤة يغيرون أسلوبهم في التكتيك.
السلام الكوري المجمد
كان تجميد الحرب الكورية يعتمد على ثلاثة عوامل:
العامل الأول:
كان الجمود العسكري المتمثل في حرب المواقع وحرب الاستنزاف على طول خط العرض الثامن والثلاثين، وهو الحدود الأصلية بين الشمال والجنوب قبل الحرب. وهنا، جرت مفاوضات وقف إطلاق النار بالتوازي مع الهجمات العسكرية المستمرة التي لم يحقق فيها أي من الطرفين مكاسب كبيرة، ولم يلحق خسائر كافية لإرهاق خصمه.
العامل الثاني:
اتفاق القوى العظمى (الصين والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة) على أن إنهاء الحرب يصب في مصلحتها، ويمكن لكل جانب أن يقدم مطالبات، لحفظ ماء الوجه.
العامل الثالث:
كان أيديولوجيًا، حيث إن إحدى العقبات الرئيسية في المفاوضات هي تبادل أسرى الحرب. وكانت كوريا الشمالية والصين مصرتين على إعادة السجناء إلى وطنهما، في حين طالب كثيرون في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بإطلاق سراحهم، والسماح لهم بالاختيار بين العودة أو الانشقاق.
مسار حرب أوكرانيا
يجادل الكثير من الخبراء بأنه لماذا لا يمكن تجميد حرب أوكرانيا حتى الآن؟. وتبعا لشروط كوريا المسبقة الثلاثة، فهي لا تنطبق حاليا على الحرب في أوكرانيا، وفقا لماثيو بلاكبيرن، الباحث الأول في مجموعة أبحاث روسيا وآسيا والتجارة الدولية التابعة للمعهد النرويجي للشؤون الدولية، الذي فسرها كالتالي:
أولا:
من الخطأ وصف الحرب بأنها حالة من الجمود استنادا فقط إلى ملاحظة مفادها أن هناك القليل من الأراضي التي تم أخذها. ففي حرب الاستنزاف، الهدف هو إنهاك العدو، وإجباره على الموافقة على الشروط. لذا، فالأراضي المكتسبة بعيدة كل البعد عن المؤشر الرئيسي للنجاح، ويمكن أيضًا قياس الإنجاز العسكري بكمية الرجال والمواد المدمرة. في هذا الصدد، تخلت أوكرانيا للتو عن هجوم فاشل أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
بينما القوى العاملة الأوكرانية تتضاءل، ويفكر زيلينسكي في تعبئة جديدة من شأنها بالتأكيد أن ترهق القدرة الاقتصادية والروح المعنوية للبلاد.
كما يواجه المدنيون في أوكرانيا شتاءً قاسيا، ومن المؤكد أن روسيا ستستهدف خلاله نظام الطاقة مرة أخرى.
علاوة على ذلك، فإن الداعمين الغربيين لأوكرانيا يكافحون من أجل مواكبة إمدادات الذخيرة العادية، بالإضافة إلى مواد أخرى مثل الطائرات بدون طيار والمركبات المدرعة. ومن المرجح أن يتعطل الدعم الأمريكي بسبب انهيار الدعم الحزبي للتمويل والمطالب الجديدة في الشرق الأوسط.
في الوقت نفسه، فإن الإنتاج العسكري الروسي من المدفعية والطائرات بدون طيار، اللتين تشكلان خبز هذه الحرب، ليس كافيا فحسب، بل تكمله أيضا مشتريات الطائرات بدون طيار الإيرانية والقذائف الكورية الشمالية.
ثانيا:
شرط موافقة القوى العظمى، حيث لم تعد أوكرانيا تقاتل وكيلا لروسيا، كما فعلت بين عامي 2014 و2022، بل تواجه روسيا وجها لوجه. ومن غير الواضح ما إذا كانت الصين قادرة على إقناع روسيا بالتوصل إلى اتفاق، لأن تحالف روسيا مع الصين لا يشبه اعتماد كوريا الشمالية على الاتحاد السوفيتي، فلدى موسكو مساحة أكبر بكثير للعمل المستقل. وربما يضغط الغرب على أوكرانيا لحملها على التفاوض، ولكن من المرجح أن تقاوم كييف ذلك.
ثالثا:
هل الغرب قادرعلى تقديم ضمانة أمنية مقبولة لروسيا لأوكرانيا؟. فمن ناحية، عارضت موسكو بشدة عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكان هدفها المركزي في الحرب هو «تجريد» البلاد من السلاح، وهو ما يعني عدم نشر أي قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي أو أسلحة ثقيلة في البلاد. من ناحية أخرى، كانت موسكو مستعدة للموافقة على حياد أوكرانيا إلى جانب «الضمانات الأمنية» على غرار الناتو في مفاوضات مارس 2022.
وفي كل الأحوال، فإن روسيا، التي لها اليد العليا عسكريا، لن توافق أبدا على خطة كييف للسلام المكونة من عشر نقاط، وسوف تنتظر واشنطن حتى تحث أوكرانيا على اتخاذ موقف مختلف يقبل شكلا من أشكال نزع السلاح والحياد، وهي النتيجة التي قد تؤجلها إدارة بايدن إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.
ماذا يأتي بعد ذلك؟
ونظرا لعدم وجود شروط مسبقة لتجميد السلام، وعدم بدء المفاوضات بعد، فمن المرجح حدوث دورة أخرى من التصعيد العسكري. بالنسبة لأوكرانيا، يعني هذا تسليم أصول القوة الجوية، وحملة تعبئة يائسة أخرى. وبالنسبة لروسيا، قد يعني هذا تعبئة مضادة أو ببساطة استكمال توسعها العسكري المخطط له من خلال الوسائل القياسية حتى نهاية 2024.