لن أموت وأذوي كورقة يابسة من ثورة الزوابع، الأمل الشادي سوف يتثاءب من جفوني ليصحو ويكون ما نريد..
لا يا رياح، يا زفرة الشياطين الكاسرة، وشواظ الإرهاب الأليم.. أنا.. «تامار» فراشة الوادي.. وغادة يافا.. أنا من خجلت من عيني بالأمس زرقة البحر، لا أيتها الأعاصير الحانقة باستمرار، أنت يا من طويت في ضلوعي رفات الحنين.. وحطمت سراجي الشاكي على جبهتي الصماء.
وتقلصت حبات الكرز العملية.. خجلا أمام نهدي الفج.. لا لقد ضاع مني كل شيء.. ورودي في الجنان السكرى.. محمولة على نعش الخريف، والأكواخ المبعثرة، بين عرائس الصفصاف الخجول.. أضحت ذكريات جارحة.. في تاريخي وتاريخ شعبي.. لقد هجرت بلادي، كنوز الخير والجمال، ولكن بالسياط.. السياط الجائعة، تدفعني إلى الهلاك، والرحيل الأعم.. بين الشوارع والأدغال کخفاش مسئول.. أرهقه التجوال.. أرهقه التجوال والظلمأ فراح يأكل من جناحيه الممزقين.
لقد ضاع كل أمل، ومات كل شعاع، هكذا والخيام تبني.. وحيدة أنا.. بين الأساطير والحقائق..أمي! حطام يابسة تشاجر المصير الخفي.. وابنتي المنتزعة من حضني الملتاع.. زمردة غالية.. على شاطئ نزق، تجيبها حقائب اللصوص.. أبحث عنها فلا أجد سوى الوحدة والفراغ والضلال، فإلى متى والشمس توشك أن تذوب، ونغرق في جرح الأصيل؟ وحرارتها المكفتة بالسحاب المجنون، تفضح مرارة التشرد في حلقي الجاف.
ليتها تبقى مصلوبة في قلب السماء، خالدة لا تغيب، فلربما احترقت من هجيرها الكاوي، وغدوت رمادًا صامتًا، تحمله العاصفة.. إلى «أحبابي».. الحطام اليابسة، والزمردة الضائعة إلى مزرعتي في الجنوب، حيث أبراجي القرميدية، أضحت قبورًا لخاماتي البيضاء!، ولكن يا إلهي! ماذا أرى الشمس ترتعش على مقصلة الغروب، والبحر الهائج المربع، يهتف بضراوة وكبرياء: إلى أيتها الدائرة المشتعلة.
لقد طال غيابك في النهار، وفي أعماقي، كنز عظيم، زمردة ضائعة تسبح في قوقعة من الدموع دموع أم حنون، ضلت الطريق أم مقصوصة الجناح.. فهل معنى ذلك النشيد النافر من لمات البحر.. الفناء والضمور؟ هل سأدور حول نفسي إلى الأبد؟ يملأ فمي الغبار، وجسدي ينزلق في وحول التشرد والاغتراب، كتابوت أملس، يؤذن بالمصير.. لا.. لا! كيف ذلك؟ ولي رسالة في العودة الكبرى، إلى الينبوع الأزرق الصافي، بين صخور «يافا»
إلى المعاصر الخمرية في ظلال الورد والزيتون.. وابنتي الصغيرة، سأقبلها بعنف وحنان بشفاهي البرتقالية الظامئة. وأغرسها بين التفاحتين العاريتين في صدري الحار.. أمي، الحطام اليابسة، ترى هل تورق من جديد؟، وتتفتح البراعم المقتولة على اللحاء الأخضر، ليسكر صدري من شذاها.. هل ترف الخصلات الكسلى على جبيني الشاحب عن قريب، من نسيمات ربيعنا الأكبر؟ وأنا ما زلت قنيصة حلوة المذاق، تنهشها ذئاب الخريف.. لا لن أموت وأذوي كورقة يابسة من ثورة الزوابع، الأمل الشادي سوف يتثاءب من جفوني ليصحو ويكون ما نريد.. لن أموت كبعوضة في حلق تمساح.. أنا «تامار».. غادة يافا.. ابنة الصراع، وفراشة الوادي، ورمح الانتقام، فسأرفع من أشلاء روحي المعنى، نجمة حمراء تضع السواد، وتهشم المستحيل؛ لتكون ضوئي وهدايتي، في الدرب البعيد، والليل الطويل.
1953*
* كاتب وشاعر ومسرحي سوري «1934 - 2006»
لا يا رياح، يا زفرة الشياطين الكاسرة، وشواظ الإرهاب الأليم.. أنا.. «تامار» فراشة الوادي.. وغادة يافا.. أنا من خجلت من عيني بالأمس زرقة البحر، لا أيتها الأعاصير الحانقة باستمرار، أنت يا من طويت في ضلوعي رفات الحنين.. وحطمت سراجي الشاكي على جبهتي الصماء.
وتقلصت حبات الكرز العملية.. خجلا أمام نهدي الفج.. لا لقد ضاع مني كل شيء.. ورودي في الجنان السكرى.. محمولة على نعش الخريف، والأكواخ المبعثرة، بين عرائس الصفصاف الخجول.. أضحت ذكريات جارحة.. في تاريخي وتاريخ شعبي.. لقد هجرت بلادي، كنوز الخير والجمال، ولكن بالسياط.. السياط الجائعة، تدفعني إلى الهلاك، والرحيل الأعم.. بين الشوارع والأدغال کخفاش مسئول.. أرهقه التجوال.. أرهقه التجوال والظلمأ فراح يأكل من جناحيه الممزقين.
لقد ضاع كل أمل، ومات كل شعاع، هكذا والخيام تبني.. وحيدة أنا.. بين الأساطير والحقائق..أمي! حطام يابسة تشاجر المصير الخفي.. وابنتي المنتزعة من حضني الملتاع.. زمردة غالية.. على شاطئ نزق، تجيبها حقائب اللصوص.. أبحث عنها فلا أجد سوى الوحدة والفراغ والضلال، فإلى متى والشمس توشك أن تذوب، ونغرق في جرح الأصيل؟ وحرارتها المكفتة بالسحاب المجنون، تفضح مرارة التشرد في حلقي الجاف.
ليتها تبقى مصلوبة في قلب السماء، خالدة لا تغيب، فلربما احترقت من هجيرها الكاوي، وغدوت رمادًا صامتًا، تحمله العاصفة.. إلى «أحبابي».. الحطام اليابسة، والزمردة الضائعة إلى مزرعتي في الجنوب، حيث أبراجي القرميدية، أضحت قبورًا لخاماتي البيضاء!، ولكن يا إلهي! ماذا أرى الشمس ترتعش على مقصلة الغروب، والبحر الهائج المربع، يهتف بضراوة وكبرياء: إلى أيتها الدائرة المشتعلة.
لقد طال غيابك في النهار، وفي أعماقي، كنز عظيم، زمردة ضائعة تسبح في قوقعة من الدموع دموع أم حنون، ضلت الطريق أم مقصوصة الجناح.. فهل معنى ذلك النشيد النافر من لمات البحر.. الفناء والضمور؟ هل سأدور حول نفسي إلى الأبد؟ يملأ فمي الغبار، وجسدي ينزلق في وحول التشرد والاغتراب، كتابوت أملس، يؤذن بالمصير.. لا.. لا! كيف ذلك؟ ولي رسالة في العودة الكبرى، إلى الينبوع الأزرق الصافي، بين صخور «يافا»
إلى المعاصر الخمرية في ظلال الورد والزيتون.. وابنتي الصغيرة، سأقبلها بعنف وحنان بشفاهي البرتقالية الظامئة. وأغرسها بين التفاحتين العاريتين في صدري الحار.. أمي، الحطام اليابسة، ترى هل تورق من جديد؟، وتتفتح البراعم المقتولة على اللحاء الأخضر، ليسكر صدري من شذاها.. هل ترف الخصلات الكسلى على جبيني الشاحب عن قريب، من نسيمات ربيعنا الأكبر؟ وأنا ما زلت قنيصة حلوة المذاق، تنهشها ذئاب الخريف.. لا لن أموت وأذوي كورقة يابسة من ثورة الزوابع، الأمل الشادي سوف يتثاءب من جفوني ليصحو ويكون ما نريد.. لن أموت كبعوضة في حلق تمساح.. أنا «تامار».. غادة يافا.. ابنة الصراع، وفراشة الوادي، ورمح الانتقام، فسأرفع من أشلاء روحي المعنى، نجمة حمراء تضع السواد، وتهشم المستحيل؛ لتكون ضوئي وهدايتي، في الدرب البعيد، والليل الطويل.
1953*
* كاتب وشاعر ومسرحي سوري «1934 - 2006»