محمد عبدالله الغامدي

هناك خلل في الوجدان العربي حيث إنه اختطف بقضية فلسطين منذ 1948، ثم اختطف بقضية «المظلومية» منذ 1979، وإن لم يصحح هذا المفهوم سيستمر في حالة «التوهان» التي يعيشها.

قضية فلسطين لا تحتاج إلى شعارات، بل تحتاج إلى عمل، ولعل أهم عمل غيّر وجهة نظر العالم هو انتفاضة «أطفال الحجارة» الذين وجهوا الرأي العام نحو قضيتهم، وغيروا كثيرًا من قناعات الشعوب الغربية المتماهية خلف إعلامها وساستها، وخلف «مظلومية» إسرائيل المتمثلة في «الهولوكوست». ثم جاءت هذه السنة «غزوة غزة» ليكون تأثيرها العملي أقوى من ألف خطاب شعوبي عاطفي تم تداوله على مدى أكثر من 70 سنة.

التحوّل الذي حدث في أجندة شعوب العالم أجمع لم تصنعه الآلة الإعلامية، بل الآلة الحربية، التي أخرجت أسوأ ما في المحتل، وجعلته يتمادى في العنف، الذي لم تكن تراه من قبل، وهذا ما جعل الحكومات المؤيدة لإسرائيل تتراجع في خطابها التعبوي الذي أطلقته بداية الحرب على غزة.

وهذا العمل كشف فكرة «المظلومية» التي استغلها الفرس بكل اقتدار على مدى أكثر من أربعين سنة، منذ هبوط الخميني إلى طهران، مما جعل موقف الشعوب العربية والإسلامية تغيّر قناعاتها تجاه هذا الخطاب الذي كان يستدر العواطف ويعصف بالعقول بعيدًا عن مصالحها، ويوجهها باتجاه الماضي، بل إن الشعارات التي عمد إليها تجاه فلسطين، هي التي أبعدت بعض الشعوب العربية عن القضية الفلسطينية وشغلتها بمظلومية فاشية كاذبة مخادعة منذ أكثر من 1400 سنة، وبخلاف هذا الإبعاد هيأت للإمبريالية حضورها في منطقتنا العربية، لتهددها من كل حدب وصوب، بعد أن كانت القضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل لكل العرب، فكان الانقسام الذي شتت الأمة العربية بمساندة «مسكونية» الإخوان المسلمين، الذين يعتقدون أنهم سيحققون توحيد الأمة بإسقاط الحكام العرب، ورغم انكشاف خدعة الغرب أمامهم، إلا أنهم ما زالوا يتماهون في هذه «المسكونية» إلى اليوم، ويتماهون أيضًا مع المكون الخميني ويعضدونه، منتظرين أنه هو الذي سيسندهم، على الرغم من وضوح الرؤية بعد دمار بعض الدول العربية على يد هذه «المظلومية»، بل احتلال بعضها عيانًا بيانًا كالعراق وسوريا واليمن ولبنان، وبعد حرب غزة والتي اتضح من خلالها أن الفرس لا همّ لهم إلا استعادة إمبراطوريتهم، ويتم ذلك عن طريق رجال «المسكونية» ورجال «المظلومية».

إن على القارئ للحدث اليوم أن يفكك هذه المسألة بكل جدية فهي التي أوصلت العالم العربي إلى هذا الشتات، وهي التي أبعدته عن قضية كانت في الوجدان العربي، ولكنها بدأت تضمحل، مع هذا الدمار الذي حل بها، ومع محاولات السيطرة من الإمبريالية على هذه المنطقة الغنية بشجاعة رجالها أولًا ثم بمكوناتها الطبيعية والدينية العميقة، والتاريخية الأصيلة.

إن هذه العملية حتى وإن كانت تنطوي على خبث غربي وإسرائيلي إلا أنها استطاعت أن تقدم صورة للوجدان العربي، وأن همّه الوحيد هو إخراج المحتل من أرض عربية اغتصبها له أناس يريدون إبعاد خطر هذه الفئة عن دولها، حيث إن الإسرائيليين حيثما حلوّا يحل الدمار بالدول.