أبها: الوطن

في الساعة الواحدة من بعد ظهر 24 أغسطس 2023 بالتوقيت المحلي، بدأ تصريف المياه الملوثة نوويا التي كانت مخزنة في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية في اليابان لأكثر من 12 سنة.

التصريف تم عمدا في المحيط الهادئ، عن طريق نفق تحت سطح البحر يبلغ طوله كيلومترا.

في صورة التقطت من الجو للموقع، يظهر أن التصريف جعل مياه البحر بلونين مختلفين.

تم تجاهل الشكوك الواسعة والمعارضة القوية من المجتمع الدولي، وبدأ تصريف المياه الملوثة الناجمة عن حادث فوكوشيما النووي إلى البحر.

هذه أيضا المرة الأولى في تاريخ البشرية التي تقوم فيها دولة تعرضت لحادث نووي كبير، بتصريف مياه ملوثة نوويا في البحر.

الأمر ينقل خطر التلوث النووي إلى العالم، وهو تصرف وصف بأنه أناني للغاية وغير مسؤول.

حادث عام عالمي خطير

بعد زلزال عام 2011، انصهر المفاعل النووي في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية وتسربت المواد المشعة في أعلى مستوى من مستويات الحوادث النووية.

من أجل منع خطر أكبر للتسرب النووي بسبب ارتفاع درجة حرارة المفاعل النووي، كان لا بد من إضافة الماء بشكل مستمر لتبريدها. مياه البحر التي تم حقنها في المفاعل، مع سائل التبريد الأصلي في المفاعل والمياه الجوفية ومياه الأمطار التي تسربت إلى المفاعل، أصبحت مصدر المشكلة التي استمرت لأكثر من 10 سنوات؛ المياه الملوثة نوويا بفوكوشيما.

تحتوي المياه الملوثة نوويا في فوكوشيما على 64 نوعا من العناصر المشعة النووية.

وعندما وقعت الكارثة، لم تكن لدى اليابان قدرة كافية على التعامل مع هذا الجزء من المياه الملوثة نوويا، لذلك تبنت فقط طريقة تعليبها وإغلاقها، وتم بناء خزانات خاصة للمياه الملوثة نوويا حول محطة الطاقة النووية.

منذ حدوث التسرب النووي عام 2011، تراكم 1.34 مليون طن من المياه الملوثة نوويا بمرور الوقت، وهو ما يمثل 98% من السعة الإجمالية لأكثر من ألف خزان، ولم تعد هناك مساحة مفتوحة لبناء عدد أكبر من خزانات المياه.

قلق متنام

لم تتعامل شركة طوكيو للطاقة الكهربائية المسؤولة بشكل مباشر عن محطة فوكوشيما للطاقة النووية كما يجب مع الأمر، والشركة مسؤولة عن سدس سوق الطاقة الكهربائية في اليابان، وهي تمتلك وتدير 17 مفاعلا نوويا.

في عام 2011، عندما تعرضت محطة فوكوشيما للطاقة النووية لموجات مد بحري عنيفة (تسونامي)، ظلت الشركة متكتمة ورفضت التعامل بشكل كامل مع المشكلة، وأهدر تقاعسها أفضل فرصة للسيطرة على الوضع، مما أدى إلى بقاء قضية معالجة المياه الملوثة نوويا حتى اليوم.

اختلافات جوهرية

عقدت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية مؤتمرا صحفيا صباح 24 أغسطس 2023، وأعلنت عن خطة تصريف المياه الملوثة نوويا في البحر، وذكرت أنه سيتم تصريف الدفعة الأولى من المياه الملوثة نوويا في البحر بحجم يبلغ حوالي 7800 طن يوميا.

تشير التقديرات إلى أنه سيتم تصريف 31200 طن في عام 2023، وسيستمر التصريف الكامل للمياه الملوثة نوويا في البحر لمدة 30 عاما على الأقل، مما سيؤثر على المحيط الهادئ بأكمله وحتى المياه العالمية.

نظرا للمدة الزمنية الطويلة ونطاق التأثير الواسع، أثار القرار على الفور معارضة من الأطراف العالمية بمجرد الإعلان عنه. من أجل إقناع المجتمع الدولي بأن تصريف «المياه الملوثة نوويا» في البحر آمن، حاول المعنيون في اليابان الخلط بين مفهومي «مياه الصرف النووية» و«المياه الملوثة نوويا». لكن مياه الصرف النووية لا تساوي المياه الملوثة نوويا. فالفرق بين الكلمتين كبير للغاية.

يقصد بمياه الصرف النووية المياه التي تنتجها محطات الطاقة النووية في العالم حاليا أثناء التشغيل، والتي لا تتلامس مع المواد المشعة في المفاعلات النووية، لذا فهي ذات مستوى منخفض من النشاط الإشعاعي، ويمكن تصريفها عبر الأنابيب بعد المعالجة الصارمة. أما المياه الملوثة نوويا، فهي المياه التي تلامست مباشرة مع المواد المشعة في المفاعل أثناء الحادث وذات إشعاعات كبيرة بسبب التلوث. ولا بد من تخزين هذا النوع من المياه بشكل صارم ومعالجتها من خلال عمليات متعددة وتقييمها من قبل الخبراء قبل أن يتم تصريفها في المحيط، وإلا ستجلب مخاطر بيئية لا تقدر ولا تحصى.

من جانبها، احتجت الصين وأطراف أخرى على أنه إذا كانت المياه الملوثة نوويا آمنة، فلا داعي لتصريفها في البحر، وإذا كانت غير آمنة، فلا ينبغي تصريفها في البحر.

لكن اليابان أشارت إلى أن تصريف المياه الملوثة نوويا في البحر، هو سلوك تفعله دول العالم التي تمتلك محطات للطاقة النووية حيث تصريف مياه الصرف النووية في البحر بعد معالجتها، ولكن لم تقم أي دولة حتى الآن بتصريف مياه المعالجة الملوثة بعد ذوبان قلب المفاعل.

ناقوس الخطر للمحيطات

تحتل المحيطات 70.8% من مساحة الكرة الأرضية، وبالتالي فأحد أهم التأثيرات المترتبة على تصريف المياه الملوثة نوويا في البحر هو تهديد الحياة البحرية.

أشار المعهد الألماني لدراسات العلوم البحرية إلى أن ساحل فوكوشيما يتمتع بأقوى التيارات المحيطية في العالم، فخلال 57 يوما من تاريخ التصريف، ستنتشر المواد المشعة إلى معظم أنحاء المحيط الهادئ؛ وبعد 3 سنوات، ستتأثر الولايات المتحدة الأمريكية وكندا الواقعتان على الجانب الآخر من المحيط الهادئ بالتلوث النووي؛ وسوف ينتشر تأثيرها إلى بحار العالم بعد مرور 10 سنوات.

ووفقا لنموذج انتشار وضعته جامعة تشيجهوا في الصين، ستصل المياه اليابانية الملوثة نوويا إلى المياه الساحلية للصين بعد 240 يوما، وستصل إلى سواحل أمريكا الشمالية وتغطي شمال المحيط الهادئ بأكمله تقريبا بعد 1200 يوم. ثم مع التيارات المحيطية الأخرى، ستدخل المواد المشعة إلى جنوب المحيط الهادئ والمحيط المتجمد الشمالي، ثم تنجرف مع الرياح الغربية إلى المحيطين الهندي والأطلسي. وبعد 10 سنوات، سوف تغطي المياه اليابانية الملوثة نوويا محيطات العالم.

عناصر مشعة

يجمع العديد من العلماء في العالم على أن المياه الملوثة نوويا في فوكوشيما تحتوي على 64 نوعا من العناصر المشعة النووية، وأكثر من 70% منها يتجاوز المعيار، وبعد دخول هذه العناصر المشعة إلى البيئة البحرية، سيشكل تأثيرها مشكلة معقدة وخطيرة ولها آثار ضارة طويلة المدى.

ويعتقد الخبراء أن تصريف المياه الملوثة نوويا لا يعادل إلقاء القمامة في البحر. حتى ولو كان المحيط يتمتع بقدرات التنقية الذاتية، فإنه لا يستطيع تنقية المواد المشعة المختلفة.

يصل العمر النصفي لبعض العناصر المشعة في المياه الملوثة نوويا إلى عشرات الآلاف من السنين، ويمكن البقاء في البحر لفترة طويلة، مما يؤدي إلى تلف الخلايا والمواد الوراثية في الكائنات البحرية، وبالتالي يؤدي إلى نمو غير طبيعي أو حتى الموت. إن الضرر الناجم عن تصريف المياه الملوثة نوويا في البحر لا يقتصر على المحيطات. تقول الدراسات إن المياه الملوثة نوويا قد تتبخر إلى سحب من خلال دوران الغلاف الجوي، ثم تهطل مع الأمطار في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، لن تشكل الأمطار جريانا سطحيا فحسب، بل تتسرب أيضا إلى الأسفل لتشكل جريانا تحت الأرض. وبعبارة أخرى، يمكن أن تكون المياه سواء على السطح أو تحت الأرض ملوثة.

قضية عالمية

المخاطر الشديدة لتصريف المياه الملوثة نوويا يجعل من تصريف مياه فوكوشيما ليست قضية داخلية لليابان فحسب، وإنما أيضا حدثا كبيرا يتعلق بالمصلحة والأمن العالميين. وبالتالي يجب تقرير مصيرها عبر المجتمع الدولي بشكل مشترك على أساس معايير وقواعد السلامة الصارمة.

ويرى مراقبون أن تصريف اليابان المياه الملوثة نوويا في البحر لا يتوافق بشكل واضح مع (اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار) و(اتفاقية لندن لمنع التلوث البحري الناجم عن إغراق النفايات والمواد الأخرى) وغيرهما من الأنظمة.

في عام 2020، أشار تقرير خاص صادر عن مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن تصريف المياه الملوثة نوويا لفوكوشيما في البحر سيؤثر على سبل العيش والصحة، فهو أمر له علاقة بقضية حقوق الإنسان.

ويرى كثيرون أن أمام اليابان خيارات أخرى غير تصريف تلك المياه في البحر، منها تبخير المياه الملوثة النووية وتفريغها في عمق الأرض ومعالجتها بالتحليل الكهربائي ودفنها تحت الأرض وغيرها، لكن هذه الطرق تتطلب مستويات تقنية عالية وستكون التكاليف الاقتصادية عالية، فيما التصريف في البحر أقل كلفة لليابان.

خطة اقتصادية

ذكرت صحيفة «ريوكيو شيمبون» اليابانية في 4 يوليو 2023، أن أول من اقترح خطة تصريف المياه الملوثة نوويا لفوكوشيما إلى البحر هو وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية لأنه «هو طريقة أقصر مدة وأقل تكلفة».

وكشف كوياما ريوتا، الأستاذ في جامعة فوكوشيما، لوسائل الإعلام، أن هناك تقديرات تكلفة مختلفة لحلول متعددة. على سبيل المثال، طريقة الهيدروجين ستكلف حوالي 100 مليار ين (الدولار الأمريكي يساوي 148 ين تقريبا حاليا)؛ وطريقة دفنها تحت الأرض ستكلف 240 مليار ين؛ أما تصريفها في البحر، فسيكلف حوالي 3.4 مليارات ين فقط.

تبرير ياباني

بدورها، أكدت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية المشغلة للمحطة أنها تعمل على تصفية المياه لإزالة أكثر من 60 مادة مشعة، لكن مع ذلك، لن تكون المياه خالية تماما من الإشعاع لأنها ستظل تحتوي على التريتيوم والكربون 14، وهما من النظائر المشعة للهيدروجين والكربون التي لا يمكن إزالتها بسهولة من الماء.

لكن خبراء يعتقدون أنها لا تمثل خطرا ما لم تُستهلك بكميات كبيرة، إذ تنبعث منها مستويات منخفضة جدا من الإشعاع.

وقالت طوكيو في وقت سابق إن «المياه التي ستصرّف في المحيط الهادئ، والتي خلطت بمياه البحر، تحتوي على مستويات التريتيوم والكربون 14 التي تلبّي معايير السلامة».

ومنذ وقوع كارثة فوكوشيما عام 2011، جمعت شركة «تيبكو» 1.34 مليون طن من المياه المستخدمة لتبريد ما تبقى من المفاعلات التي لا تزال شديدة الإشعاع، والتي اختلطت بالمياه الجوفية والأمطار.

وتقول الشركة إن المياه ستصفى قبل تصريفها، لإزالة كل المواد المشعة باستثناء التريتيوم، والتي تقل مستوياتها كثيرا عن المستويات الخطرة.



240 يوما ابتداء من 24 أغسطس 2023 تحتاجها المياه الملوثة كي تصل المياه الساحلية للصين

1200 يوم تحتاجها تلك المياه كي تصل إلى سواحل أمريكا الشمالية وتغطي شمال المحيط الهادئ بأكمله تقريبا

60 مادة مشعة تؤكد اليابان أنها أزالتها من المياه التي يتم تصريفها حاليا

12 سنة بقيت فيها المياه مخزنة في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية في اليابان

31200 طن من المياه الملوثة نوويا سيتم تصريفها في عام 2023

نوعا من العناصر المشعة النووية تحتوي عليها المياه الملوثة نوويا في فوكوشيما

30 عاما على الأقل سيستمر التصريف الكامل للمياه الملوثة نوويا في البحر

134 مليون طن من المياه الملوثة تراكمت منذ حدوث التسرب النووي

%70.8 نسبة المحيطات من مساحة الكرة الأرضية

17 مفاعلا نوويا تمتلكها وتديرها شركة طوكيو للطاقة الكهربائية المسؤولة عن محطة فوكوشيما

57 يوما ستنتشر خلالها المواد المشعة إلى معظم أنحاء المحيط الهادئ

7800 طن من المياه الملوثة نوويا سيتم تصريفها يوميا في البحر

3 سنوات حتى تتأثر الولايات المتحدة الأمريكية وكندا على الجانب الآخر من المحيط الهادئ بالتلوث النووي

10 سنوات سينتشر خلالها التأثير إلى بحار العالم