«فكرة إسرائيل.. تاريخ السلطة والمعرفة» كتاب يأخذنا فيه مؤلفه المؤرّخ «إيلان بابيه» إلى جذور التناقض، ويعرض، بشكل عميق ساخر، تناقضات فكرة إسرائيل مع التاريخ والواقع، ويحدّثنا عن مسيرة هذه الفكرة منذ أن كانت مجرد مشروع حتى أصبحت فكرة تدافع اليوم عن وجودها، ممثلة في الدولة والكيان بدءًا من سعيها لتغيير التاريخ بالقوة، واختراع أدب وثقافة ملصقة بأرض ليست أرضها الطبيعية، حتى الوصول لتحويلها إلى سلعة أو مشروع إعلامي يتم تسويقه في العالم، لإقناع نفسه أولا، قبل العالم، بأنه مشروع طبيعي، وأن إسرائيل فكرة إنسانية طبيعية، وهذا السعي لا يخلو من المتناقضات التي تبدو أحيانا طريفة حتى في أسلوب تطبيقها والتفكير فيها.
واليوم، وبخلاف ما كانت عليه الحال في مطلع الثمانينيات، فإن السردية الصهيونية للتاريخ - بعيدة وقريبة - أضحت تعد في أنظار الكثيرين حول العالم نوعًا من البروباغاندا، بينما بدأت حقيقة الذي جرى وما زال يجري في فلسطين تتجلى، وترى النور أكثر فاكثر.
إيلان بابيه، وقليل من المؤرخين الذين كتب عليهم - بحكم المولد والأصل والـقـومـيـة – قرروا أن يكونوا جزءا من هذه الفكرة، ومنهم من تحداها بمجملها، وخرج من رحمها، ليعلن رفضه العيش في ظلالها المتناقضة.
ويعد إيلان بابيه أحد أشهر هؤلاء الذين خرجوا من هذه المنظومة الفكرية، ليعلنوا رفضهم لها، وهو المولود في حيفا، وخدم في الجيش الإسرائيلي، وشارك في حرب 1973 في هضبة الجولان السورية المحتلة.
هنا يأتي هذا الصوت الأكاديمي ليقول: لا، وليكشف بأسلوب علمي رصين حقيقة هذه الفكرة وأصولها، فهي قامت أساسا على خلل إستراتيجي تمثل في تصور رومانسي غير حقيقي لأرض صحراوية فارغة ليس فيها أحد، يأتيها «شعبها» المشرد منذ قديم الزمان، ليعيد بناءها على أسس الحضارة الغربية الحديثة.
هذه الفكرة هي التي كان يؤمن بها المستوطنون اليهود الأوائل الذين جاءوا إلى هذه الأرض غير عارفين بحقيقة كونها ببساطة أرضا يسكنها شعبها الحقيقي بحضارته، وجذوره الضاربة في تاريخ هذه البقعة.
تيار «ما بعد الصهيونية» الذي يمثل إيلان بابيه أحد أعمدته منذ تسعينيات القرن الماضي.
كان ظهور هذا التيار ليس إلا نتيجة طبيعية لتناقض فكرة إسرائيل مع نفسها. كما أن ظهور التيار المضاد له، الذي يسميه بابيه «النيو-صهيونية» نتيجة طبيعية للصراع الداخلي الذي يشهده هذا المجتمع الذي يواجه اليوم أزمة هوية حقيقية، وفقدانا تاما لأفق المشروع الذي قامت الفكرة ثم الدولة على أساسه، فصار مجرد كيان يصارع للبقاء في ظل ظروف تاريخية لا تقبل الخلل في المعادلات التي أنتجته.فالعالم اليوم في أمس الحاجة إلى أن تخبو جذوة العنف، وأن تنمو قوة الحقيقة، كي يحل العدل ويعم السلم. ولنذكر جيدا أن الحاسوب الشخصي ووسائل التواصل الاجتماعي والكتاب قد باتت أسلحة لا غنى عنها في هذا النضال.
يتكون الكتاب من 11 فصلا تتناول «فكرة إسرائيل بين الدرس الأكاديمي والسرد الخيالي»، إذ يضم الفصل الأول: التاريخ الموضوعي للأرض والشعب، والمؤرخ الصهيوني الموضوعي رسام الخرائط الموضوعي. والفصل الثاني: الغريب إذ يصبح إرهابيا، والفلسطيني في الفكر الصهيوني، والفلسطينيون في إسرائيل: ما بين استشراق وإرهاب.
أما الفصل الثالث فيتضمن: الحرب عام 1948 بالكلمة والصورة، وفيلم رعب للأطفال: 1948 في السينما، ودان وسعادية: الأسطورة بأقصى تجلياتها في الأفلام الوثائقية.
والقسم الثاني من الكتاب يستعرض «اللحظة ما بعد الصهيونية في إسرائيل الحركات المناهضة للصهيونية: «مصبن» وأخواتها»، وروّاد ما بعد الصهيونية، والرواد الأكاديميون.
ويناقش الفصل الخامس: الاعتراف بالمأساة الفلسطينية.. نظرة جديدة على حرب 48، وأهمية تأريخ عام 1948.
وتطرح بقية فصول الكتاب محاور عدة عبر عناوين مختلفة، منها: سلف انتفاضة وارسو هو دولة إسرائيل، واليهودي المخجل: شيطنة الناجين من الهولوكوست، واتهام الفلسطينيين بالنازية، والأمة التي لا يندمل لها جرح، وفكرة إسرائيل واليهود العرب، والدولة اليهودية الاستشراقية ومستشرقوها اليهود، واللحظة الثقافية ما بعد الصهيونية، والموسيقى ما بعد صهيونية، وإعلام ما بعد الصهيوني، والمسرح والسينما في الحركة ما بعد الصهيونية، والسينما ما بعد الصهيونية.. خط النار، وشيء من الإنسانية في قصة النكبة، والتوجه النقدي ما بعد الصهيوني في الأفلام الوثائقية، وانتصار النيو-صهيونية، وصعود النيو-صهيونية، وأثر ما بعد الصهيونية.
ظلال متناقضة
يورد الكتاب، الذي ترجمه للعربية محمد زيدان، أنه على الرغم من تفوّق إسرائيل عسكريا واقتصاديا على الفلسطينيين، فإنه ما زال للفلسطينيين رواية من اللازم أن تُروى، ولا بد أن العالم سيقبلها يوما ما.واليوم، وبخلاف ما كانت عليه الحال في مطلع الثمانينيات، فإن السردية الصهيونية للتاريخ - بعيدة وقريبة - أضحت تعد في أنظار الكثيرين حول العالم نوعًا من البروباغاندا، بينما بدأت حقيقة الذي جرى وما زال يجري في فلسطين تتجلى، وترى النور أكثر فاكثر.
إيلان بابيه، وقليل من المؤرخين الذين كتب عليهم - بحكم المولد والأصل والـقـومـيـة – قرروا أن يكونوا جزءا من هذه الفكرة، ومنهم من تحداها بمجملها، وخرج من رحمها، ليعلن رفضه العيش في ظلالها المتناقضة.
ويعد إيلان بابيه أحد أشهر هؤلاء الذين خرجوا من هذه المنظومة الفكرية، ليعلنوا رفضهم لها، وهو المولود في حيفا، وخدم في الجيش الإسرائيلي، وشارك في حرب 1973 في هضبة الجولان السورية المحتلة.
خلل إستراتيجي
يذكر مترجم الكتاب أن ما يميز بابيه أنه خرج من رحم الحركة الأكاديمية التي كان يفترض بها – حسب المنظور الصهيوني - أن تجد المبررات العلمية والأكاديمية التاريخية لاغتصاب الأرض الفلسطينية، وإخراج سكانها منها، وشطبهم من سجل الوجود الإنساني والحضاري بالكامل. ولأن إيلان بابيه في كتابه الشهير «التطهير العرقي لفلسطين» قد تحدى فكرة «حرب الاستقلال الإسرائيلية»، وأثبت أنها لم تكن أكثر من عملية تطهير عرقي منسقة تماما مع مسمى «النكبة» الذي يستعمله الفلسطينيون، فإنه في «فكرة إسرائيل» يغوص بنا عميقا إلى تحدي ونقد فكرة «إسرائيل» بذاتها لا مجرد الحديث عن الدولة، ولا ممارساتها الحالية على الأرض. وبالتالي، فقد انتقل بابيه إلى دراسة عميقة تتحدى ما تحاول الحركة الصهيونية أن تصوره عن فلسفة وجود إسرائيل، وضرورة وجودها، وكونها فكرةً تتماشى مع الحداثة، وتطورا طبيعيا للحركة البشرية في هذه المنطقة.هنا يأتي هذا الصوت الأكاديمي ليقول: لا، وليكشف بأسلوب علمي رصين حقيقة هذه الفكرة وأصولها، فهي قامت أساسا على خلل إستراتيجي تمثل في تصور رومانسي غير حقيقي لأرض صحراوية فارغة ليس فيها أحد، يأتيها «شعبها» المشرد منذ قديم الزمان، ليعيد بناءها على أسس الحضارة الغربية الحديثة.
هذه الفكرة هي التي كان يؤمن بها المستوطنون اليهود الأوائل الذين جاءوا إلى هذه الأرض غير عارفين بحقيقة كونها ببساطة أرضا يسكنها شعبها الحقيقي بحضارته، وجذوره الضاربة في تاريخ هذه البقعة.
أزمة هوية
يوضح الكتاب أن المشروع الصهيوني، الذي وضع كل ثقله في سبيل تنفيذ هذه الفكرة، لم ينه التناقض. لذلك، فإن كل الجهود السياسية انصبت طول هذه السنين على إقناع هذا المجتمع أنه أصيل في هذه الأرض، وأن الشعب الأصيل هو الدخيل على هذه الأرض!، وهذا النشاز والتناقض هما ما أسهما في ظهور ما يمكن أن نسميهتيار «ما بعد الصهيونية» الذي يمثل إيلان بابيه أحد أعمدته منذ تسعينيات القرن الماضي.
كان ظهور هذا التيار ليس إلا نتيجة طبيعية لتناقض فكرة إسرائيل مع نفسها. كما أن ظهور التيار المضاد له، الذي يسميه بابيه «النيو-صهيونية» نتيجة طبيعية للصراع الداخلي الذي يشهده هذا المجتمع الذي يواجه اليوم أزمة هوية حقيقية، وفقدانا تاما لأفق المشروع الذي قامت الفكرة ثم الدولة على أساسه، فصار مجرد كيان يصارع للبقاء في ظل ظروف تاريخية لا تقبل الخلل في المعادلات التي أنتجته.
الخداع والتشويه
مترجم الكتاب ذهب إلى أنه من الضروري أن يفهم القارئ العربي فكرة إسرائيل بشكل أفضل، لعل ذلك يساعد في التوصل إلى عملية سلام دائمة وعادلة في فلسطين، حيث يفسر الكتاب السبب الذي يجعل من الصعب على الغرب كشف الظلم الحاصل في فلسطين. كما يعزو الكتاب تردّد العديد من أخيار هذا العالم في الانخراط الجدي بالعمل لمصلحة المعاناة الفلسطينية إلى وجود حملة فعالة إلى حد كبير من الخداع والتشويه والتلفيق. وسيدرك قارئ هذا الكتاب أن هذه الحملة تنطلق من ذلك الادعاء السخيف الذي لا يزال القادة الإسرائيليون يصرحون به بين الفينة والأخرى بأن فلسطين جزء من أوروبا، وأنه لا تاريخ لهذه الدولة يعدو تاريخها اليهودي، فتنفي هذه الرواية، التي تجدها في كل المطبوعات والإصدارات الإسرائيلية الرسمية، الموقع الجغرافي لفلسطين في قلب العالم العربي والحضارة الإسلامية.جذوة العنف
لا يخلو الكتاب من بصيص أمل، حيث إنه لا يعالج قضية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني فحسب، بل يمثل محاولة للتنويه من جديد للأهمية البالغة لفهم عمليات إنتاج المعرفة، وتحليلها في الكفاح من أجل تحقيق العدالة وإرساء السلام، وينطلق بإلهام مصدره المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد. ففي مقالة له في 1983، عقب الهجوم الإسرائيلي على لبنان بعام واحد، ذكر أنه على الرغم من تفوق إسرائيل عسكريا واقتصاديًا على الفلسطينيين، فما زال للفلسطينيين رواية من اللازم أن تُروى ولا بد أن العالم سيقبلها يوما ما.فالعالم اليوم في أمس الحاجة إلى أن تخبو جذوة العنف، وأن تنمو قوة الحقيقة، كي يحل العدل ويعم السلم. ولنذكر جيدا أن الحاسوب الشخصي ووسائل التواصل الاجتماعي والكتاب قد باتت أسلحة لا غنى عنها في هذا النضال.
«مصبن» وأخواتها
يتكون الكتاب من 11 فصلا تتناول «فكرة إسرائيل بين الدرس الأكاديمي والسرد الخيالي»، إذ يضم الفصل الأول: التاريخ الموضوعي للأرض والشعب، والمؤرخ الصهيوني الموضوعي رسام الخرائط الموضوعي. والفصل الثاني: الغريب إذ يصبح إرهابيا، والفلسطيني في الفكر الصهيوني، والفلسطينيون في إسرائيل: ما بين استشراق وإرهاب.أما الفصل الثالث فيتضمن: الحرب عام 1948 بالكلمة والصورة، وفيلم رعب للأطفال: 1948 في السينما، ودان وسعادية: الأسطورة بأقصى تجلياتها في الأفلام الوثائقية.
والقسم الثاني من الكتاب يستعرض «اللحظة ما بعد الصهيونية في إسرائيل الحركات المناهضة للصهيونية: «مصبن» وأخواتها»، وروّاد ما بعد الصهيونية، والرواد الأكاديميون.
ويناقش الفصل الخامس: الاعتراف بالمأساة الفلسطينية.. نظرة جديدة على حرب 48، وأهمية تأريخ عام 1948.
وتطرح بقية فصول الكتاب محاور عدة عبر عناوين مختلفة، منها: سلف انتفاضة وارسو هو دولة إسرائيل، واليهودي المخجل: شيطنة الناجين من الهولوكوست، واتهام الفلسطينيين بالنازية، والأمة التي لا يندمل لها جرح، وفكرة إسرائيل واليهود العرب، والدولة اليهودية الاستشراقية ومستشرقوها اليهود، واللحظة الثقافية ما بعد الصهيونية، والموسيقى ما بعد صهيونية، وإعلام ما بعد الصهيوني، والمسرح والسينما في الحركة ما بعد الصهيونية، والسينما ما بعد الصهيونية.. خط النار، وشيء من الإنسانية في قصة النكبة، والتوجه النقدي ما بعد الصهيوني في الأفلام الوثائقية، وانتصار النيو-صهيونية، وصعود النيو-صهيونية، وأثر ما بعد الصهيونية.