سليمان العساف

في المقالين السابقين تكلمت عن الشركات العائلية وأهميتها، مع أمثلة عالمية وعربية وسعودية، ثم في المقال الثاني عن تعاقب الأجيال الثاني والثالث والرابع، وهنا سأتحدث عن المخاطر التي تواجه استدامتها.

ولعل هذا الأمر فيه جانب من الصحة، حيث إن المسوؤلية للجيل المؤسس -فهو من تعب وبذل الجهد والدم لإنشاء وتكبير هذه الشركة- فلا بد كجيل مؤسس من الخروج من الصندوق، جيل المؤسسين المخلص الذي يقف على مسافة واحدة من جميع الأفراد، ويحسن الظن والآمال والتوقعات بأفراد الأجيال القادمة، إنما يجب النظر بعين الأجيال الثانية والثالثة والرابعة لما ستؤول إليه الأمور، والتحوط للأسوأ -لا سمح الله-، فالنفس البشرية مجبولة على الشح وحب الذات.

ولا ننسى أن تدخل أطراف أخرى مع تلك الأجيال، كالأزواج والزوجات والأبناء والأصحاب، والذين قد يصبون الزيت على النار، إما جهلاً أو عن قصد وحسد وأنانية، فلا بد من حوكمة الأمور جميعًا، ودراسة كل المشاكل المتوقعة، فالجيل الثالث تضعف فيه الروابط العاطفية الموجودة في جيل المؤسسين.

ومن الأمور المهمة وضع نظام صارم شامل عملي قابل للتطبيق يعالج جميع الاحتمالات ويراعي مصالح الأجيال، كذلك وضع نظام حوكمة شامل عادل قابل للتطبيق، أيضا لا بد من مراعاة أنه لا يمكن تشغيل كامل الجيل الثالث في الشركة، فلا بد من انتقاء الأكفاء من خلال إعداد جيل متعلم متدرب بشروط وضوابط تضمن ألا يتولى إلا الأكفاء، وأن كان الأفضل هو فصل الملكية عن الإدارة حتى لا تتداخل المصالح الذاتية والعاطفة في العمل، والتي هي منشأ المشاكل.

ولعل من الأمور المنظمة المحافظة لاستمرارية تلك الشركات هو تحويلها من شركة ذات مسؤولية محدودة إلى شركة مساهمة مقفلة، أو طرحها في البورصة لجعلها أكثر محكومية في التنظيم والحوكمة، وإخراجها من سيطرة الأفراد مع بقاء ملكيتها «بعضها أو أكثرها» لأفراد الأسرة، «ولنا في البنك العربي مثالاً، حيث إن المؤسس عبدالحميد شومان هو من أسس البنك قبل مئة سنة 1930، ولا تزال العائلة في جيلها الرابع تسيطر على حوالي 8% من البنك».

من الأمور المهمة هي أن يغرس المؤسس في الجيل الثاني وما بعده قيم العائلة والتكاتف، والحفاظ على مصالح العائلة وأهميتها، والشعور بالانتماء؛ لأن هذه أمور لا يمكن تدريسها في الكتب ولا في المحاضرات، إنما في غرس القيم بالقدوة والتطبيق، ومن الممكن إنشاء مكتب للعائلة، ولو كان افتراضيًا، لمناقشة المشاكل والأمور الطارئة، أو الاستفسارات والمستجدات ووأد المشاكل في مهدها، ويكون محوكمًا بميثاق العائلة مع وجود محامين ومحاسبين خارجيين؛ لجعل الأمر أكثر عدلاً وعملية وقبولا، وبعيدًا عن العاطفة والحساسية، كما أن وزارة التجارة مشكورة في السعودية في نظام الشركات قد تم التطرق إلى مفهوم الشركات العائلية ودليل حوكمتها وميثاقها الاسترشادي، والذي هو نظام مهم ونافع للعائلات والبيوت التجارية.

وكما أن لكل قطاع ولكل شكل تجاري مشاكله الخاصة فإن للشركات العائلية مشاكلها ومصاعبها الخاصة، والتي تتمثل -على سبيل المثال- في الصراع بين الورثة، والذي عادة يحدث بسبب السماح لأطراف خارجية بالتدخل، وهذه الأطراف الخارجية إما لحسن نيتها أو بدون حكمة ودراية وخبرة أو لجهلها أو انحيازها أو حسدها أو الرغبة في الانتقام، أو أنها مدفوعة من آخرين فإنها تزيد الطين بلة، كذلك عدم وجود نظام وميثاق مفعل حاكم وقوي، عدم توافر الكفاءات القيادية الجديدة بالعائلة، القيادة بالأقدمية وليس بالكفاءة، الصراع بين أفراد الأسرة، إنعدام التخطيط الإستراتيجي، إهمال موظفي الشركة، وخصوصًا الذين عملوا مع الجيل المؤسس، وعدم تقديرهم، التداخل بين الخاص والعام، الصراع على الاستحقاق وعلى السلطة، مشاكل انتقال الملكية.

على الجانب الآخر فإن للشركات العائلية مزايا متعددة ومنها روح العائلة، العمل على قلب واحد، التقريب بين أطراف العائلة، تقوية ورفع اسم العائلة في عالم الأعمال والمجتمع، وسرعة اتخاذ القرار، سهولة تجاوز الخلافات في حالة صفاء النية، التكيف مع التغيرات، العمل في ملكهم، توثيق المال والمصاريف.