إذا كان هناك خطأ، وجب عليك كإنسان مؤمن عاقل إصلاحه، أو التنبيه إليه، وليس هنالك أي عذر، فقبل أن تضغط زر إعادة التوجيه، وقبل أن تقوم بالقص واللصق والإرسال.. فكر، قيّم، ثم قرر
إن الأكثر انتشارا هذه الأيام مقاطع الفيديو التي عادة ما يكون لها مقدمة تهيئ المشاهد مسبقا لرؤية محددة تحد من تفكيره وتجعله جاهزا ليتقبل ما يقدم على أنه الحقيقة، نعم، وهنالك مقاطع فكاهية وأخرى مرعبة وغيرها توعوية، ولكن الغالب هنا أصبح التركيز على الاستحواذ على عقول البشر، والمثير هنا أن نسبة كبيرة منا أضحت لا تفتح المقطع نظرا لضيق الوقت أو لمشكلة مؤقتة في فتح الملف، فتكتفي بما كتب في المقدمة وتعتبره كافيا لإعادة التوزيع والنشر لكل من يوجد على القائمة من أسماء! وحين تجادلهم وحتى تبين لهم أن المقطع فيه ما يجر إلى الفتنة والتناحر بين أعضاء نسيج الوطن أو الأمة، أو أقلها تبين له أنه مفبرك، يجيبونك بالتبريرات التالية:
الجميع يفعل ذلك: عذر قديم بقدم الحضارة، يقوم على افتراض إن كان الجميع يقوم بذلك فأين الضير في القيام بذلك أيضا، إذن هو جواز سفر لارتكاب الكثير من الأعمال غير الأخلاقية كالغش والتزوير والتعصب، ما يقوله الفرد هنا أنه يجب ألا يحاسب طالما أن هنالك الكثير غيره يقوم بمثل هذه الممارسات! أجيبهم هنا ما رأيكم أن نقوم بعملية تصويت بأن نضع كل المبادئ الأخلاقية التي يقررها الناس في فقرات وندعهم يختارون؟ هل هذا هو معيارنا أو بوصلتنا؟ أترك لكم الإجابة.
الفريق الآخر سيئ حتى إنه أسوأ منا: هذا يقوم على فرضية أن هنالك من الطرف الآخر من يقوم بمثل هذه الأفعال أو أشد حدة وسوءا، وعليه ما نقوم به نحن يجب ألا يُنتقد! وأنا أجيبهم: ما هذا سوى تحويل محور الحديث عن النفس وتصويب إصبع الاتهام للغير، وهذا ليس سوى تميع وهروب من المسؤولية.
الغاية تبرر الوسيلة: يبررون هنا النية الحسنة والمراد تجميع الناس على صوت واحد في مواجهة قضية عامة لمصلحة الجميع أو فئة مظلومة معينة، إن الطبيعة الأخلاقية لأي عمل تقوم على كيفية العمل وليس على النتيجة، إنها قصة روبن هود مرة أخرى، فلنسرق لنطعم الفقراء!
طالما أنه ليس خارجا عن القانون إذن هو أخلاقي: إن نطاق الأخلاقيات أوسع بكثير من القانون، الذي هو نظام مصاحب بعقوبات على المخالفين، يفرض من قبل الدولة لتأمين الأمن، وحماية حقوق المواطن، بينما الأخلاق هي عبارة عن مجموعة من المبادئ التي يتعارف عليها الناس في مجتمع معين، والتي تهدف إلى تحقيق مثل عليا في المجتمع، وهنا يجب أن نفرق بين حكم القانون وحكم الضمير، أي نستطيع أن نقول إن الفعل الأخلاقي يكون نابعا من رغبة في العمل الصحيح، ولكن ليس كل من يلتزم بأحكام القانون يفعل ذلك لأنه نابع من أخلاقياته أو إرادته فعل الخير، بمعنى أن هؤلاء (قلة أو كثرة) لا يهمهم الضمير بل العقاب، فإن لم يكن هنالك بند في القانون يحكم تصرف ما قد يفعلونه دون الرجوع لأي قيمة أخلاقية، وأحيانا كثيرة دون الشعور بأي وخز من الضمير.
أرهقتمونا بالتنبيهات لم يبق سوى أن نقفل أجهزتنا لترضوا: التكبير من القضية أو التقليل من شأنها لا ينهي أهميتها، فعلى سبيل المثال لو أخذنا التنبيهات ضد مرض السرطان والدراسات التي تتابع بالنشر كل فينة وأخرى تنبه من هذا أو ذاك من السلوكيات أو تناول بعض أنواع الأطعمة التي تحمي أو تؤدي إلى الإصابة بهذا المرض المرعب، هل كل ذلك ينفي حقيقة تعاظم نسب من يصابون به يوميا في مجتمعاتنا؟ هل تكبير أو تصغير القضية ينفي الظاهرة؟ وهنا نقول هل التضجر من كثرة التنبيهات يلغي تواجد القضية قيد التناول؟ إنه هروب مؤقت إلى أن تصلنا إحدى السهام في عزيز، وحينها كل ما كتب ونشر لا يكفينا، بل كل قواعد البيانات!
حكم الملائكة: لمجرد أن شخصية معينة معروف عنها النزاهة والكرم أو التدين أو الإصلاح، لا تخطئ بنظرنا، وعليه إن حدث وظهر لنا عكس ذلك، نتغاضى، أي بمعنى آخر بما أن لهم تاريخ أبيض، حسب معاييرنا وما وصلنا، لا بأس من كارت بلانش أي كارت مرور وغض البصر هذه المرة! الخطأ خطأ بغض النظر عمن يقوم به.
أنا مؤمن وأتقيد بمنظومة عالية من الأخلاقيات، وإن قررت القيام بهذا العمل، هذا يعني أن هذا التصرف أخلاقي، وطالما أنني لم أقم بأي عمل غير أخلاقي من قبل: هذه الهلامية من الثقة الزائدة بالنفس، التي يرتديها البعض قد تحجب الواقع رغم شفافيتها، بل إنها قد تجر الكثير منهم إلى الخطأ الذي يتسلل إليهم وهم غافلون، وحتى وإن تم التنبيه أو لفت النظر إلى طبيعة الفعل من قول أو عمل، يرفضون ذلك ويصرون على الوقوف على قاعدة ما يؤمنون به عن أنفسهم.. وهي أنه لا يمكن أن يأتوا بأي خطأ!
كل فرد حر برأيه: وماذا لو كان هذا الفرد مدمرا بأفكاره، يريد التفرقة، يريد زرع الفتنة، يريد تحوير الإرهاب إلى جهاد، ويلبس ديننا الحنيف دين الرحمة والتعاطف لباس العصبية والتفرقة والتكفير؟! إذا واصلنا بالتقليل من الدفاع عن ديننا في كل صغيرة وكبيرة، وتصرفنا بعدم مبالاة لأنه حسب اعتقادنا بأن هنالك من يقوم بذلك من المختصين، فلسوف يترك أمره بين أيدي من لا يخافون الله في أنفسهم ولا فينا، إن المسؤولية مسؤولية الجميع، طالما نقرأ، طالما نسمع، طالما نشاهد، وطالما.. ننشر ونوزع!
الرسالة هنا للجميع، إذا كان هناك خطأ، وكنت في موقف لإصلاحه؛ وجب عليك كإنسان مؤمن عاقل قادر مسؤول إصلاحه، أو على الأقل التنبيه إليه، وليس هنالك أي عذر، شاء من شاء وأبى من أبى، فقبل أن تضغط زر إعادة التوجيه، وقبل أن تقوم بالقص واللصق والإرسال.. فكر، قيّم ثم قرر.