استهدفت مليشيا الحوثي البنوك منذ بداية 2018، وقامت بمعاقبة البنوك بحجة خطط نقل مقراتها الرئيسية إلى عدن، أو إجراء معاملاتمالية لفتح خطابات اعتماد في إطار آلية تمويل الواردات عبر البنك المركزي في عدن، وفقا لقرار الحكومة رقم 75 لسنة 2018.
ولذلك تعرض مديري البنوك وكبار موظفيها للاستجواب والاعتقال والاحتجاز بحجة التعامل مع البنك المركزي اليمني في عدن، وتدخلتالمليشيات في أعمالها وألزمتها ببيع أجزاءٍ من مراكزها المالية لصالح تجار حوثيين أو مقربين منهم.
وحاول القطاع المصرفي أن ينأى بنفسه من الصراع الحاصل، ونادت قيادات مصرفية بضرورة تحييد القطاع المصرفي، غير أن انقسامالسياسة النقدية جعل هذا القطاع في مرمى الاستهداف من قبل مليشيات الحوثي.
وإن أخطر الانعكاسات الناتجة عن انقسام البنك المركزي يتمثل في نقل العمل المصرفي من القطاع المنظم عبر البنوك التجارية إلى القطاعغير المنظم «قطاع الصيرفة» والذي يخضع أغلبه لمليشيات الحوثي.
إفلاس البنوك
وأصدرت المليشيات الحوثية عددا من التشريعات غير الدستورية والتي تستهدف القطاع الخاص وعلى رأسها البنوك، تمثلت أبرز التعاميموالقرارات الحوثية يما يسمى بقانون منع المعاملات الربوية، والذي يمنع أي شكل من أشكال الفوائد ويجبر البنوك تلقائيا على التخلي عندورها المصرفي.
وجاءت القرارات الحوثية بعد سنوات من معاناة القطاع المصرفي من أزمة حادة في السيولة جعلتها عاجزة عن دفع التزاماتها تجاه العملاء،وقيدت في ضوء ذلك عمليات سحب العملاء لودائعهم والفوائد المترتبة عليها.
وبالرغم من القرارات الحوثية أصدرت بعض الأجهزة القضائية في مناطق الحوثي أحكاما بوجوب دفع البنوك أموال المودعين والتي هي فيالأساس محتجزة لدى المليشيات وتم التصرف بها.
وأصدر القطاع المصرفي تحذيرا واضحا يعبر عن الوضع المتفاقم الذي وصلت إليه البنوك، حيث حذرت جمعية البنوك من إفلاس وشيكللبنوك وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الجمهور.
وطالبت جمعية البنوك اليمنية من مجلس القضاء التابع لميليشيا الحوثي في صنعاء، بعدم إصدار أي أحكام أو أوامر قضائية لصالحالمودعين، بالدفع نقدا لأي التزامات قديمة قبل 2016م، بحجة عدم قدرة البنك المركزي الخاضع للمليشيات على تسييل ما يقابلها من أرصدةالبنوك لديه.
الشيك مقابل النقد
وشددت مليشيات الحوثي إجراءاتها على البنوك التجارية والإسلامية في اليمن بعدم قبول الشيكات التي يحاول العملاء صرفها منحساباتهم، أو السحب من ودائعهم لدى البنوك، منذ نهاية العام 2015
ومنذ بداية 2016 أجبرت مليشيات الحوثي البنوك التجارية والاسلامية على خفض سقف سحب العملاء من الصرافات الآلية إلى أقل من190 دولارا على خمس دفع في اليوم، قيمة كل دفعة 40 دولارا، وسقف السحب المباشر للعملاء من البنوك إلى 400 دولار. وخلال العامالمالي 2016 سحب المودعون من البنوك التجارية أكثر من 300 مليار ريال يمني.
وفي بداية 2017 أصدرت مليشيات الحوثي تعليمات للبنوك التجارية والإسلامية بمنع سحب المودعين والعملاء لأرصدتهم من البنوك التجاريةوالإسلامية في اليمن ما قبل تاريخ 1/1/2017. مما أدى إلى تجميد 2.2 تريليون ريال من قيمة ودائع المودعين.
وأدى منع سحب المودعين (الشركات العامة والخاصة والتجار والمواطنين) أموالهم من البنوك التجارية والإسلامية في اليمن إلى احتفاظالمودعين بأموالهم خارج القطاع المصرفي في خزائنهم الخاصة، أو لدى الصرافين منذ بداية 2017، وظهر السوق النقدي الموازي وظاهرةالشيك مقابل النقد.
وتعرف ظاهرة الشيك مقابل النقد في اليمن: بأنها عملية حصول المودع أو العميل على جزء من أمواله المودعة في البنوك اليمنية قبل 2016 مقابل التنازل لطرف آخر (صراف أو نافذ حوثي) عن نسبة من قيمة الشيك. ويتم احتساب الشيك بخصم نحو % 25 من قيمته المدونة في بداية أزمة السيولة النقدية في القطاع المصرفي اليمني، وانعكست القيمةالتبادلية التي يجنيها صاحب الشيك خارج ردهات البنوك تدرجا إلى النصف.
التعاملات الربوية
ومن جهة أخرى أصدرت ميليشيات الحوثي بصنعاء، في 22 مارس مرسوما تحت مسمى قانون منع التعاملات الربوية.
وتتعارض كثير من مواد هذا المرسوم مع الدستور وقوانين أخرى نافذة، ويمثل نسفا للاتفاقيات الدولية، حيث نصت الفقرة (9/أ) من قانون ميليشيات الحوثي: يلغي العمل بكافة الأحكام والقواعد والقوانين والاتفاقيات الدولية المصادق عليها التي تضمنت جواز العمل بالفائدة الربوية بأي مسمى وردت (فائدة – أرباح – مساهمة)، وسيلحق المرسوم الحوثي الدمار بالنظام المصرفي في البلاد، الأمر الذي سيتسبب في إفلاس البنوك وأقفالها.
حيث تعتمد البنوك اليمنية على الدخل من الفائدة في تحقيق ما نسبته 95 % من إيراداتها، وذلك عن طريق تقديم القروض واكتساب فائدة عليها للبنوك التجارية، وكذا المشاركة والمرابحة للبنوك الإسلامية والتوفير البريدي.
بالإضافة إلى وجود أنواع متعددة من القروض التي تقدمها البنوك التجارية، منها القروض العقارية وقروض شراء السيارات وقروض المشاريع والقروض الشخصية، وقد يتخصص البنك التجاري في نوع واحد من هذه القروض أو أنواع محددة منها، وبإيقاف الفوائد منها يكون المرسوم الحوثي قد تسبب في شلل كامل للقطاع المصرفي.
حيث تحصل البنوك التجارية على رأس المال الذي تقدم منه القروض من ودائع العملاء، مثل الحسابات الجارية وحسابات التوفير وحسابات سوق المال وشهادات الإيداع. إذ يُقرض الزبائن البنك فعليًّا عندما يودعون أموالهم في هذه الحسابات، ويحصلون في المقابل على فائدة. وتكون الفائدة المدفوعة من البنك للزبائن أدنى من النسبة التي يفرضونها على المقترِضين، وبذلك يحقق البنك ربحًا.
تداعيات الاستهداف
ويتسبب الاستهداف الحوثي للبنوك باستمرار وتيرة الانكماش الاقتصادي، حيث سجل الاقتصاد اليمني انكماشاً تراكمياً كبيراً في الناتج المحلي 2022، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 إلى 20 مليار دولار مقارنة مع 43.2 مليار دولار عام 2014، وبلغ إجمالي خسائر اليمن التراكمية في انخفاض الناتج القومي مبلغ 143.3 مليار دولار خلال الفترة (2015-2022)، وهذه الخسائر مرشحة إلى الارتفاع في ظل استمرار الانقلاب الحوثي.
وخلق الانقلاب أضرارا مباشرة على رأس المال المادي والبشري ونزوح ملايين اليمنيين داخليا وخارجيا. وهجر الكفاءات ورأس المال وزعزع الثقة في مستقبل الاقتصاد اليمني، وأزمة سيولة حادة للقطاع المصرفي والموازنة العامة للدولة، وانكمش متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من حوالي 1287 دولارا عام 2014 إلى 385 دولارا سنويا، عام 2022 بمعدل تغير تراكمي %70، وهذا يعني انزلاق مزيد من المواطنين تحت خط الفقر الوطني المقدر بـ 600 دولار للفرد في العام.
وتظهر تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من %90 نهاية 2022 مقارنة بـ %49 عام 2014، وتدنٍ مزمن في نصيب الفرد اليمني من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، مقارنة بمتوسط دخل الفرد في العالم، ودول المنطقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول مشابهة مثل ليبيا والسودان وتونس.
كما سيطرت ميليشيات الحوثي على القطاع المصرفي اليمني والاستحواذ المباشر على أكثر من %80 من إجمالي قيمة أموال المودعين في البنوك التجارية والإسلامية بكافة الطرق، آخرها ما يسمى بقانون منع المعاملات الربوية في مارس 2023، والذي يستهدف القطاع المصرفي وإخراجه من القيام بوظيفته الأساسية، والسعي لمصادرة بقية أموال المودعين عبر استخدام أجهزة الدولة خاصة القضاء، ما ينذر بانهيار القطاع المصرفي اليمني خلال الفترة القادمة والتحول إلى الحالة اللبنانية.
وفرضت مرسوم منع المعاملات الربوية يحرم البنوك التجارية من مصادر إيراداتها الأساسية (الفوائد – عمولات خطابات الضمان – عمولات فتح الاعتمادات المستندية – الإيرادات الأخرى المختلفة).
والقضاء على موارد التمويل الأساسية للتجار والمستثمرين والمستوردين والمتمثلة في الاقتراض المباشر من البنوك التجارية والإسلامية في اليمن، سيجبر العديد من التجار إلى الاعتماد على مصادر غير مصرفية في تمويل تجارتهم، غالبا ما تكون غير مشروعة.
وتسببت بارتفاع رصيد حساب الحسابات الجارية البنوك التجارية والإسلامية لدى البنك المركزي اليمني صنعاء في يونيو 2023 إلى 3060 مليار ريال نتيجة تطبيق مرسوم الحوثي منع التعاملات الربوية، حيث تم تحويل قيمة أذون الخزانة والأوراق الحكومية الأخرى الخاصة بالبنوك والمستحقة على الحكومة إلى حسابات جارية مجمدة طرف البنك المركزي اليمني صنعاء، وهو ما رفع نسبة أرصدة الحسابات الجارية للبنوك لدى البنك المركزي إلى %80 من إجمالي قيمة الودائع في البنوك التجارية والإسلامية في اليمن.
وتواجه البنوك في اليمن أكبر أزمة سيولة نقدية حيث لا تملك سوى %19 من إجمالي قيمة الودائع للمودعين، والتي تؤشر إلى رفع مخاطر وفاء البنوك بالتزاماتها المالية للمودعين البالغة 3.81 تريليونات ريال وهذا المؤشر يدل على إفلاس البنوك التجارية والإسلامية.