في يوليو الماضي حين توفي الروائي الفرنسي ميلان كونديرا، أثار موته لغطًا -بات شبه اعتيادي في العالم العربي حال وفاة أي شخصية إشكالية- منطلقاته سياسية / أيدولوجية تأخذ على كونديرا، ما عدته انحيازًا منه للقوى الصهيونية على حساب القضايا العربية، الفلسطينية تحديدًا، رغم أنه عرف عالميًا كاتبًا انشق عن سياسات بلاده تشيكوسلوفاكيا، داعيًا إلى فن وأدب مجرد من الأيديولوجي أو السياسي لرواياته، وهو ما تجلى بعمق في كتابه الشهير «فن الرواية».
ورغم ذلك اشتبك كثير من القراء العرب في التذكير بقبوله جائزة من دولة احتلال، وانصرفوا كثيرًا عن قيمته الفنية كأحد أبرز وأهم روائيي القرن العشرين الذين تخطتهم جائزة نوبل، التي لم تقربه انحيازاته الصهيونية منها، وهو المبرر الذي يعتقد به بعض العرب كشرط لنيل نوبل!.
عبرت روايات كونديرا عن توثيق رصين ومخيف للظلم والوحشية الماكرة، فعل ذلك بذكاء مؤرخ للتاريخ الشفاهي غير المكتوب في كتب مؤرخي النظام الفاشي، والمولد لأدب الانضغاط كما يسميه كونديرا، وبالرغم من اهتماماته الواضحة بشؤون الدولة، ادعى كونديرا أن الروايات لا ينبغي أن تتأثر بالسياسة: «يجب أن تظل مستقلة»، ذلك من الصحيح أن نقول إن تجاربه في تشيكوسلوفاكيا، وخبرته مع التجربة الشيوعية قد ألهمت رواياته، فهي ضرورية لبعض قصصه، كما يقول.
ويقول مترجم الكتاب: في الموقف الغامض الذي يتبناه كونديرا تجاه البعد السياسي لعمله سنجد مصدرًا مهمًا لجاذبيته الهائلة في جميع أنحاء العالم، إن «مصير الفرد في المجتمعات الحديثة» يُمثل منطقة مجهولة للعديد من الروائيين، لكنَّ هذا الموضوع الشائق والشائك في الآن ذاته، يتنفس حياة جديدة في أعمال كونديرا، ويرجع في جزء كبير منه إلى الطريقة البارعة التي تمكن عبرها من دمج الحقيقة مع الخيال؛ فشخصياته تشغل مرحلة حدد نصفها خيال كونديرا، ونصفها الآخر الواقع التاريخي للتاريخ التشيكي الحديث.
يميل إلى العمل على فصول قصيرة، وسرد عرضي متغير يخلق جنبًا إلى جنب مونتاجًا للصور وخطوطًا للرواية والتوصيفات، ولهذه الغاية، طوّر كونديرا أسلوبًا مقتضبًا ومتعرجًا ومثيرًا للتأمل بطريقة متشعبة ولكنها محكمة إذا ما جمعت وأعيد النظر إليها بمجرد انتهاء الرواية؛ فالسرد لديه يُقطع باستمرار، ليظهر كونديرا لإضفاء القليل من الفلسفة أو السيرة الذاتية أو التخمين النفسي لبعض شخصياته.
قدرة كونديرا على دمج الفلسفة والتاريخ والأحلام والموسيقى والرومانسية في رواياته وعبر قالب متحرك، وقابل للقراءة بمرونة، ما هي إلا شهادة على أصالته وموهبته الاستثنائية، وليس ذلك المزيج لدى كونديرا لمجرد حشد الكثير من الأفكار، ولكنه حاجة روائية لديه، فغالبًا ما تُبنى روايات كونديرا على موضوعات فلسفية لا تقل أهمية عن الحوار أو الشخصية، وفي مقابلة نادرة أجراها في عام 1989، أوضح كونديرا أن «هناك مشكلات في الوجود البشري لم تعرف الفلسفة قط كيفية فهمها بكل ما تحمله من إرث، أو حتى تفكيكها، ولكن عبر مزيج الرواية وحدها، يمكن أن نفهمها».
*يحظى كونديرا اليوم ككاتب وإنسان، بتقدير واحترام كبيرين حول العالم.
*في كل حفلة تخمين بشأن جائزة (نوبل)، ترتفع الأصوات لاحتمالية نيله الجائزة، إلى أن مات
*نال کونديرا العديد من الجوائز تقديرًا لرواياته، التي يرى أنها لا تفحص الواقع بل الوجود، والوجود في نظره ليس ما جرى، بل هو حقل الإمكانات الإنسانية، كل ما يمكن للإنسان أن يصيره، وكل ما هو قادر عليه عام 1980
*أصبح الكاتب ذو الأصول (التشيكسلوفاكية) يحتل مكانة بارزة في الحياة الأدبية الفرنسية
* ترأس في باريس ندوة في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية
ورغم ذلك اشتبك كثير من القراء العرب في التذكير بقبوله جائزة من دولة احتلال، وانصرفوا كثيرًا عن قيمته الفنية كأحد أبرز وأهم روائيي القرن العشرين الذين تخطتهم جائزة نوبل، التي لم تقربه انحيازاته الصهيونية منها، وهو المبرر الذي يعتقد به بعض العرب كشرط لنيل نوبل!.
مؤرخ للتاريخ الشفاهي
في كتاب جمع سلسة مقالات تقتفي حياته ومسيرته، نشرت في صحيفة لوموند الفرنسية، حررها آریان شومان، يفصح كونديرا عن كيف أنه اتخذ المنفي جرعته الزائدة عن نفسه وتقززه بالحديث عن حياته واهتماماته أمام جموع الصحافيين والنقاد والمهتمين، واكتفى بالرد قائلا: «تريد أن تعرفني؛ اقرأني».عبرت روايات كونديرا عن توثيق رصين ومخيف للظلم والوحشية الماكرة، فعل ذلك بذكاء مؤرخ للتاريخ الشفاهي غير المكتوب في كتب مؤرخي النظام الفاشي، والمولد لأدب الانضغاط كما يسميه كونديرا، وبالرغم من اهتماماته الواضحة بشؤون الدولة، ادعى كونديرا أن الروايات لا ينبغي أن تتأثر بالسياسة: «يجب أن تظل مستقلة»، ذلك من الصحيح أن نقول إن تجاربه في تشيكوسلوفاكيا، وخبرته مع التجربة الشيوعية قد ألهمت رواياته، فهي ضرورية لبعض قصصه، كما يقول.
التخمين النفسي
يشير الكتاب إلى أن (بعض أعمال كونديرا سياسية أيضًا وبعمق، إذ تعتمد كثيرًا على تجربته الشمولية في محاولة لاستكشاف المشهد الروحي المعقد الذي تسكنه شخصياته)، ومع ذلك، لم يؤكد كونديرا وضعه ككاتب منشق، بل على العكس، وخصوصًا في السنوات الأخيرة؛ فقد سعى جاهدًا لتأهيل، بل إنكار تلك المكانة في كل منعطف.ويقول مترجم الكتاب: في الموقف الغامض الذي يتبناه كونديرا تجاه البعد السياسي لعمله سنجد مصدرًا مهمًا لجاذبيته الهائلة في جميع أنحاء العالم، إن «مصير الفرد في المجتمعات الحديثة» يُمثل منطقة مجهولة للعديد من الروائيين، لكنَّ هذا الموضوع الشائق والشائك في الآن ذاته، يتنفس حياة جديدة في أعمال كونديرا، ويرجع في جزء كبير منه إلى الطريقة البارعة التي تمكن عبرها من دمج الحقيقة مع الخيال؛ فشخصياته تشغل مرحلة حدد نصفها خيال كونديرا، ونصفها الآخر الواقع التاريخي للتاريخ التشيكي الحديث.
يميل إلى العمل على فصول قصيرة، وسرد عرضي متغير يخلق جنبًا إلى جنب مونتاجًا للصور وخطوطًا للرواية والتوصيفات، ولهذه الغاية، طوّر كونديرا أسلوبًا مقتضبًا ومتعرجًا ومثيرًا للتأمل بطريقة متشعبة ولكنها محكمة إذا ما جمعت وأعيد النظر إليها بمجرد انتهاء الرواية؛ فالسرد لديه يُقطع باستمرار، ليظهر كونديرا لإضفاء القليل من الفلسفة أو السيرة الذاتية أو التخمين النفسي لبعض شخصياته.
حشد الأفكار
يظهر هذا أسلوب كونديرا بأفضل صورة في رواية (الكائن الذي لا تُحتمل خفته)، التي تبدأ بالتفكير في فلسفة (العود الأبدي) لنيتشه، وهو انعكاس يعود بذاته ليصبح أحد الأفكار السائدة في الكتاب.قدرة كونديرا على دمج الفلسفة والتاريخ والأحلام والموسيقى والرومانسية في رواياته وعبر قالب متحرك، وقابل للقراءة بمرونة، ما هي إلا شهادة على أصالته وموهبته الاستثنائية، وليس ذلك المزيج لدى كونديرا لمجرد حشد الكثير من الأفكار، ولكنه حاجة روائية لديه، فغالبًا ما تُبنى روايات كونديرا على موضوعات فلسفية لا تقل أهمية عن الحوار أو الشخصية، وفي مقابلة نادرة أجراها في عام 1989، أوضح كونديرا أن «هناك مشكلات في الوجود البشري لم تعرف الفلسفة قط كيفية فهمها بكل ما تحمله من إرث، أو حتى تفكيكها، ولكن عبر مزيج الرواية وحدها، يمكن أن نفهمها».
متلصص رسمي
عدا تلك العناصر المركبة فقد استندت جاذبية روايات كونديرا للقراء إلى موهبته في استخدام الإيروتيكية الصريحة كوسيلة للتعبير عن القضايا الفلسفية والسياسية المعقدة، إنها طريقته ـ كما يقول لإبقاء الأيديولوجيا خارج الحالة الإنسانية، ومع المعرفة الجنسية لا معنى لها عند فصلها عن ظروف الحياة الأوسع محنًا وتجربة؛ فغرف نوم كونديرا في رواياته تبدو شبه خاصة، إذ يُدعى القارئ إليها كمتلصص رسمي، وبذلك، فلم تكن مصادفة أن أهدى فيليب روث روايته (الكاتب الشبح 1979) إلى ميلان كونديرا.*يحظى كونديرا اليوم ككاتب وإنسان، بتقدير واحترام كبيرين حول العالم.
*في كل حفلة تخمين بشأن جائزة (نوبل)، ترتفع الأصوات لاحتمالية نيله الجائزة، إلى أن مات
*نال کونديرا العديد من الجوائز تقديرًا لرواياته، التي يرى أنها لا تفحص الواقع بل الوجود، والوجود في نظره ليس ما جرى، بل هو حقل الإمكانات الإنسانية، كل ما يمكن للإنسان أن يصيره، وكل ما هو قادر عليه عام 1980
*أصبح الكاتب ذو الأصول (التشيكسلوفاكية) يحتل مكانة بارزة في الحياة الأدبية الفرنسية
* ترأس في باريس ندوة في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية