محمد بن صقر

لن أكون في حيرة من أمري إزاء التصرفات الحمقاء لدى البعض، عندما يمارس أساليب الكراهية بدعوى التعبير عن الرأي. فقضية حرق القرآن دليل واضح وبرهان بين على جين الكراهية المنغمس في ثقافة بعض الغرب تجاه الإسلام والمسلمين أو المقدسات الإسلامية. فمسألة حرية التعبير والغطاء الديمقراطي لها والتي تخفي تحتها الكراهية، وأجندة سياسية تحاول أن تحركها، موجودة في العقلية والجين البشري لدى الغرب. وهذا دليل على أن الكراهية جين موجود وتحاول استخدامه وإثارته في وسائل أكثر، لانتشارها وممارستها وتبريرها قانونيًا أو عقديًا أو حزبيًا أو جغرافيًا. فالقضية أبعد من كونها حرق القرآن الكريم أو استفزاز لمشاعر المسلمين. فالحكومة السويدية تعلم أن حرق القران لا يعني إزالته من صدور المسلمين، وتعلم أيضًا حساسية مثل هذا الأمر لدى الجماهير المسلمة في شرق الأرض وغربها . هذا الأمر هو خطاب الكراهية ضد المسلمين أو لأغراض سياسية وحزبية وأيدولوجية من اليمين المتطرف. وبغض النظر عن الاتجاهات خلف ذلك فلقد سمحت السلطات السويدية، بالحصول على تصريح بحرق نسخة من القرآن الكريم بدعوى حرية التعبير، ولكن المسألة هي عبثية التعبير. وخطاب الكراهية المتجذر أصبح مقلقلا بشكل كبير جداً، وأصبح حديث المنظمات الدولية في كيفية محاربته أو القضاء عليه، وممارس على المستوى البشري في سلوكياته وخطابه ومعتقداته، وهو تساؤل فيه جدلية ذهنية وتحرير من الذات للنظر إليها بشكل أكثر عمقًا وموضوعية. هذا التساؤل يتمثل في (هل الكراهية بممارستها المختلفة (جين أم ثقافة أم عقيدية وجودية) تأتي نتيجة تراكمات ظروف معينة وأيدولوجيات وسياسات وعقائد وتقاليد أو جين يعد خاملًا في النفس البشرية، وينتظر ما يحمسه ويشعل فتيله ويغذيه ويضخمه، ليصبح عقيدة أساسية ومحركًا للشعوب تحت أجندة سياسية، كما حصل في السويد؟. لقد أكد كاي في التقرير الذي عرض أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الدول والحكومات أخفقت في منع خطاب الكراهية، والسبب في رأيي أن بعض الدول تشرعن خطاب الكراهية تحت مفاهيم حديثة . فخطاب الكراهية ، ينتشر بسرعة ويصل إلى أبعد الحدود، ولذا بإمكانه أن يسهم في التحريض، ودائمًا ما يكون الهدف منه إسكات الغير. إذن فكرة الكراهية وجدت ضالتها في وسيلة لإشعال الفتنة بين الجماهير، وممكن أن نضيف لتقرير كاي أنه ليس فقط الأشخاص المهمشون هم الهدف، وإنما الآخر، أيًا كان موقعه وأيا كانت خلفيته. فخطاب الكراهية دائمًا يجيش الاتجاهات العقدية أو الغرائزية لا العقلية، ويحشد الانتماءات الأولية في الجماهير، كالمذهبية والقومية، كذلك التفسيرات المغلوطة للجوانب الدينية وتغذية مشاعر البغضاء فيه.

تحدث المفكر الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه (الثورة الفرنسية وروح الثورات) عن أوهام أولئك الذين يعتقدون أن الإنسان يمكن أن يتغير إلى ما يناقض ماضيه، من تشكله الثقافي الأول بمجرد وضع قوانين جديدة، وأكد - بدلالة الوقائع اللاحقة للثورة على مدى قرن كامل - أن تجديد المجتمع بالأنظمة والقوانين لا يجدي في ظل ثقافة مناهضة لهذه القوانين، إذ ستنقلب عليها - بشكل صريح أو بالتفاف ماكر، فالنصر في النهاية هو لتلك الثقافة الراسخة الموروثة التي يمتزج فيها المعرفي بالوجداني.ومن جهة أخرى لا بد أن نفهم أن من يمارس خطاب الكراهية في اعتقاده اللاوعي أنه يدافع عن وجوده وعن الخطر الذي يحاول أن يحاصره، فهو يحاول تمثيل وجوده وكيانه بغض النظر عن الآخر وعن سحقه له. وإذا كان لوبون يعتقد أن الثقافة أو الجين البشري سينتصر حتى لو وضعت القوانين بأكثر من حيلة، إلا أنه يمكن الالتفاف عليه. وهذا يقودنا إلى تساؤل ثان وهو (كيف يمكن أن نحاصر خطاب الكراهية؟) فهو مثله مثل أي فيروس مرضي قد ينتشر ويفتك بالمجتمعات والدول والنسيج الوطني ويمزقه بشكل فظيع، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة. ويكون أكثر خطورة عندما يصنف ويوضع تحت بند التعبير وحرية الرأي، فيكون عبثيا ومدعومًا بقوانين تلك الدول، أو قد يحاصر بشكل استراتيجي، كوضع سياسات واضحة تقوم على معايير محددة لمحاربة «خطاب الكراهية» ، وقوانين صارمة تتوافق مع مغذيات الثقافة.