لنا صديق نعرف مواعيد المواسم من مزاجه، فمتى ما اعتل المزاج عنده واضطرب عرفنا بأن الصيف قد دخل، وأن الشمس قد حزمت أمرها واستقرت في كبد السماء، عندها تبدأ مشاعره بالترنح يمنة ويسرة، وتتساقط من أغصانه كل عبارات التذمر والاستياء، خاطره متقد كاتقاد الشمس ولا فكرة فيه إلا الهجرة إلى البلاد الباردة، أو إغلاق الباب على نفسه بانتظار حلول الخريف واعتداله.
ما إن يبدأ الصيف حتى يجف كل الماء في عروقه، وتصبح كل السواحل والمزارع المحيطة بمدينته مجرد لوحة جرداء لا طعم لها في يومياته، كل شيء يتغير مع تغير مؤشر الطقس، حتى صباح الخير لا تعرف الطريق إلى حديثه، فهي تتحول إلى إعلان يومي غاضب «ويش هالجو...»، سنوات عدة والمزاج فيها يتقلب على جمر المشاعر، حتى إذا خرج الصيف دخل السرور والحبور إلى قلبه، وعاد يركن سفينة الرضا على ميناء الأمل وهو يحمد الأرض والسماء، ويصف النعمة التي يفتقدها حين كان هناك، في البلاد الباردة جدا !.
صديقنا ليس وحده طبعا، ولعل أبناء البلاد الساخنة يمرون بما يمر به، من اكتئاب وإحباط، وحكايات الامتعاظ، فالذي لا تلسعه الشمس سيلسعه الماء في الحنيفة، أو الكهرباء في الفاتورة نهاية الشهر، هناك حزن على شيء ما خلال أشهر القيظ، تجعلنا نتشوق إلى انقضاء فصوله، ننسى أنفاس الرازقي في الصباح، ورائحة الليمون في ذروة النضج، وبهجة الألوان في عدوق الرطب المتدلية من أعناق النخيل، ونتذكر فقط الطريق المغلق إلى الحياة في خارج البيت، وصعوبة العيش من دون جهاز تكييف، حتى إذا سكن الليل طوينا صفحة الأحزان واستسلمنا إلى طنين وحنين التكييف.
حتى الأمم المتحدة صارت تشاطر صديقنا قلقه وحزنه من حرارة الصيف، فهذا العام شهد شهر يوليو أعلى درجة حرارة في دول عديدة، إلى الحد الذي دفع الأمم المتحدة إلى إعلان الخطر بدخولنا مرحلة الغليان العالمي، سيكون صديقنا أفضل حالا من غيره حتما لأنه خبر وعرف هذا الصيف، وجرب شرب الشاي تحت درجة حرارة 45، دون أن تجف الأنهار من حوله، ولا تحترق الغابات في جواره، كما هو الجاري مع حرائق اليونان، وجفاف الأنهار في كينيا، مزاجه المعلق على مؤشر الطقس يفترض أن يكون أكثر اعتدالا إذا ما قارن أفعال الصيف هناك بأفعال الصيف هنا.
والحاصل أن هذا الصيف سيشبه الصيف السابق بالنسبة لنا، بحرارته اللاهبة وشمسه المتوهجة، فلماذا كل هذا الحزن والكدر؟.. لن تجلب الحسرة لنا الربيع ولا الخريف ولا الشتاء، ولن يكفينا السفر القصير في هذه الأيام لفحة المشاعر الساخنة تلك، وحده الاغتسال بماء الرضا والقبول سيجعلنا نصبر، ونتكيف، ونضيف إلى الصيف نكهة تطرد عنه الحزن، فكما يقال الألم أمر حتمي، لكن المعاناة اختيار، أن تجعل من الصيف مقصلة تشنق عليها مزاجك في الوقت الذي يتسع الصيف لما يتسع له سواه من الفصول، هذا هو الفرق بين من يرى الصيف قدرا حزينا، وبين من يراه رحلة أخرى باتجاه ممارسات وهوايات ومشاعر متجددة، بين من يحمد النسمة العابرة في عز القيظ، وبين من جعل من مراقبة حرارة الطقس شغله الشاغل.
علينا أن نخرج من زنزانة الاكتئاب الموسمي ونعطل كل الطرق المؤدية إليها، وأن نغني للصيف كما نغني للربيع والخريف والشتاء، فالصيف ليس شمسا حارقة فقط، بل هو «فلح» جح بارد، وحبة لوز متلونة بالبهجة، وعصير ليمون حامض، ورطب شهي، وساحل يناديك ببشاشته، ولقاءات تؤثثها الضحكات رغم أنف الشمس !.
ما إن يبدأ الصيف حتى يجف كل الماء في عروقه، وتصبح كل السواحل والمزارع المحيطة بمدينته مجرد لوحة جرداء لا طعم لها في يومياته، كل شيء يتغير مع تغير مؤشر الطقس، حتى صباح الخير لا تعرف الطريق إلى حديثه، فهي تتحول إلى إعلان يومي غاضب «ويش هالجو...»، سنوات عدة والمزاج فيها يتقلب على جمر المشاعر، حتى إذا خرج الصيف دخل السرور والحبور إلى قلبه، وعاد يركن سفينة الرضا على ميناء الأمل وهو يحمد الأرض والسماء، ويصف النعمة التي يفتقدها حين كان هناك، في البلاد الباردة جدا !.
صديقنا ليس وحده طبعا، ولعل أبناء البلاد الساخنة يمرون بما يمر به، من اكتئاب وإحباط، وحكايات الامتعاظ، فالذي لا تلسعه الشمس سيلسعه الماء في الحنيفة، أو الكهرباء في الفاتورة نهاية الشهر، هناك حزن على شيء ما خلال أشهر القيظ، تجعلنا نتشوق إلى انقضاء فصوله، ننسى أنفاس الرازقي في الصباح، ورائحة الليمون في ذروة النضج، وبهجة الألوان في عدوق الرطب المتدلية من أعناق النخيل، ونتذكر فقط الطريق المغلق إلى الحياة في خارج البيت، وصعوبة العيش من دون جهاز تكييف، حتى إذا سكن الليل طوينا صفحة الأحزان واستسلمنا إلى طنين وحنين التكييف.
حتى الأمم المتحدة صارت تشاطر صديقنا قلقه وحزنه من حرارة الصيف، فهذا العام شهد شهر يوليو أعلى درجة حرارة في دول عديدة، إلى الحد الذي دفع الأمم المتحدة إلى إعلان الخطر بدخولنا مرحلة الغليان العالمي، سيكون صديقنا أفضل حالا من غيره حتما لأنه خبر وعرف هذا الصيف، وجرب شرب الشاي تحت درجة حرارة 45، دون أن تجف الأنهار من حوله، ولا تحترق الغابات في جواره، كما هو الجاري مع حرائق اليونان، وجفاف الأنهار في كينيا، مزاجه المعلق على مؤشر الطقس يفترض أن يكون أكثر اعتدالا إذا ما قارن أفعال الصيف هناك بأفعال الصيف هنا.
والحاصل أن هذا الصيف سيشبه الصيف السابق بالنسبة لنا، بحرارته اللاهبة وشمسه المتوهجة، فلماذا كل هذا الحزن والكدر؟.. لن تجلب الحسرة لنا الربيع ولا الخريف ولا الشتاء، ولن يكفينا السفر القصير في هذه الأيام لفحة المشاعر الساخنة تلك، وحده الاغتسال بماء الرضا والقبول سيجعلنا نصبر، ونتكيف، ونضيف إلى الصيف نكهة تطرد عنه الحزن، فكما يقال الألم أمر حتمي، لكن المعاناة اختيار، أن تجعل من الصيف مقصلة تشنق عليها مزاجك في الوقت الذي يتسع الصيف لما يتسع له سواه من الفصول، هذا هو الفرق بين من يرى الصيف قدرا حزينا، وبين من يراه رحلة أخرى باتجاه ممارسات وهوايات ومشاعر متجددة، بين من يحمد النسمة العابرة في عز القيظ، وبين من جعل من مراقبة حرارة الطقس شغله الشاغل.
علينا أن نخرج من زنزانة الاكتئاب الموسمي ونعطل كل الطرق المؤدية إليها، وأن نغني للصيف كما نغني للربيع والخريف والشتاء، فالصيف ليس شمسا حارقة فقط، بل هو «فلح» جح بارد، وحبة لوز متلونة بالبهجة، وعصير ليمون حامض، ورطب شهي، وساحل يناديك ببشاشته، ولقاءات تؤثثها الضحكات رغم أنف الشمس !.