من «المصحف والسيف صراع الدين والدولة في مصر» (1984)، إلى «النص والرصاص» (1997)، مرورًا بالعديد من الدراسات والكتب عقل الأزمة: تأملات نقدية في ثقافة العنف والغرائز والخيال المستورة (1993)، ثم الوجه والقناع: الحركة الإسلامية والعنف والتطبيع (1995)، وصولًا إلى تقريري الحالة الدينية في مصر (1996 و1998)، يلحظ المتابع لأعمال نبيل عبدالفتاح اهتمامًا متزايدًا من قبل هذا الخطاب المتمحور حول الحركات الإسلامية المعاصرة بالوجه الآخر لهذه الحركات، كما تشهد على ذلك العناوين السالفة الذكر. فهناك الوجه والقناع، النص والرصاص، المصحف والسيف. والذي يتابع تلك الأعمال وعلى طول الفترة المعتدة من أواسط عقد الثمانينات حتى اللحظة المعاصرة هذه، يلحظ إلى جانب ما ذكرناه آنفًا أمورًا عدة، منها النزعة التراكمية لهذا الخطاب، بمعنى أدق، فقد ظل هذا الخطاب يراكم في مجال نقده للمحركات الإسلامية ويعيد إنتاج نفسه، وذلك عبر ضرب من النقد الذاتي الذي يسعى للانفلات من ربقة الأيديولوجيا اليسراوية. وثانيها ويتمثل في هذا الخط التصاعدي الذي ترتسم نقاط تصاعده من المصحف والسيف، إلى النص والرصاص، والتي تتمفصل مع إرادة معرفة بدت واضحة في النص والرصاص، ولكنها بقيت مشدودة إلى ربقة أيديولوجيا يسراوية يمكن رصد ملامحها ومعالمها في خطابات عديدة محسوبة على اليسار العربي، والذي لما يمل بعد من تكرار لهجته السوسيولوجية المملة والكريهة. ومنها، وهو الأهم، أن مجموع العناوين السابقة تشي بحضور أيديولوجي واستشراقي في قراءة العنف داخل الحركات الإسلامية المعاصرة لا بل إنها تصرح به علنًا. فالمصحف والسيف هو بمثابة إحالة إلى خطاب استشراقي سائد يرى أن الدين الإسلامي هو دين السيف، بمعنى أن العنف يمثل بنية داخل الخطاب الإسلامي وبشتى فروعه، أو أن العنف يمثل جرثومة داخل الخطاب الإسلامي. وكما يشهد على ذلك عنوان الكتاب العمدة عند نبيل عبدالفتاح، والذي هو أقرب الكتب إلى نفسه، أي النص والرصاص، فالعنوان يصادر على المضمون ويعلن بلا مواربة انتساب العنف والرصاص إلى النص الديني.
هذه المصادرة كثيرًا ما تعبر عن الوجهة المؤدلجة التي قرأ بها المؤلف خطاب الحركات الإسلامية المعاصرة، وهذه المصادرة تتجاوز نبيل عبدالفتاح في النص والرصاص لتطال أغلب التحليلات التي طالت ظاهرة الإسلام السياسي وارتباطها بالعنف. وقراءات عديدة لا مجال لذكرها الآن تركز على العلاقة الأيديولوجية بين المصحف والسيف بين النص والرصاص، وبين الوجه والقناع، وذلك عندما لا تكتفي بتحليل الخطاب السياسي لهذه الحركات بل تدرجه في إطار العقلية التآمرية من جهة، وفي إطار مبدأ التقية، بمعنى أنها تشكك بالليبرالية السياسية عند بعض هذه الحركات وتراها على أنها مجرد وسيلة تحتمي خلفها هذه الحركات المعادية بالمطلق للديمقراطية.
كما أشرت قبل قليل، فإن كتاب نبيل عبدالفتاح النص والرصاص، يفصح عن إرادة معرفة في قراءة ظاهرة العنف السياسي لدى الحركات الإسلامية المعاصرة ولدى ما يسميه بـ «العنف الدولتي». ولكنه أي النص والرصاص يفصح من جهة أخرى، عن ارتباط وثيق بين المعرفة والأيديولوجيا، عندما يجعل وكما أسلفنا، من العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي، وعلاقة متعدية من النص إلى الرصاص.
إن جعل العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي المعاصر، لا يصمد أمام أي تحليل أنثربولوجي (إنساني) للثقافة البشرية في مسيرة تطورها، ولا أمام التحليل الدقيق لسيرة الخطاب الإسلامي، من بدء صدمة الغرب وحتى اللحظة المعاصرة. وإذا كان محمد عابد الجابري يرى في كتابه المشروع النهضوي العربية (1996) أن العنف الإسلامي كما تجسده الحركات الإسلامية يستمد مرجعيته من خطاب جمال الدين الأفغاني الذي قام بتوظيف الدين في السياسة وقام بمطابقة الدين، فإن هناك إجماعًا على أن بنية الخطاب الإصلاحي الإسلامي لا تقوم على العنف.
هذا يعني أن العنف نتيجة لتجربة سياسية منقوصة، وخبرة سياسية تفتقر إلى رؤية سياسية حقيقية، وهذا ما يسجله رضوان السيد في قراءاته لظاهرة الإسلام السياسي، والذي يلمح غياب التجربة السياسية عند الشباب المسلم المنضوي في هذه الحركات، وهو ما يجعله يندفع إلى تخوم العنف في علاقته بالآخر.
جعل العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي المعاصر، لا يصمد أمام أي تحليل أنثربولوجي (إنساني) للثقافة البشرية في مسيرة تطورها.
1998*
*باحث وكاتب سوري «1951 - 2007».
هذه المصادرة كثيرًا ما تعبر عن الوجهة المؤدلجة التي قرأ بها المؤلف خطاب الحركات الإسلامية المعاصرة، وهذه المصادرة تتجاوز نبيل عبدالفتاح في النص والرصاص لتطال أغلب التحليلات التي طالت ظاهرة الإسلام السياسي وارتباطها بالعنف. وقراءات عديدة لا مجال لذكرها الآن تركز على العلاقة الأيديولوجية بين المصحف والسيف بين النص والرصاص، وبين الوجه والقناع، وذلك عندما لا تكتفي بتحليل الخطاب السياسي لهذه الحركات بل تدرجه في إطار العقلية التآمرية من جهة، وفي إطار مبدأ التقية، بمعنى أنها تشكك بالليبرالية السياسية عند بعض هذه الحركات وتراها على أنها مجرد وسيلة تحتمي خلفها هذه الحركات المعادية بالمطلق للديمقراطية.
كما أشرت قبل قليل، فإن كتاب نبيل عبدالفتاح النص والرصاص، يفصح عن إرادة معرفة في قراءة ظاهرة العنف السياسي لدى الحركات الإسلامية المعاصرة ولدى ما يسميه بـ «العنف الدولتي». ولكنه أي النص والرصاص يفصح من جهة أخرى، عن ارتباط وثيق بين المعرفة والأيديولوجيا، عندما يجعل وكما أسلفنا، من العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي، وعلاقة متعدية من النص إلى الرصاص.
إن جعل العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي المعاصر، لا يصمد أمام أي تحليل أنثربولوجي (إنساني) للثقافة البشرية في مسيرة تطورها، ولا أمام التحليل الدقيق لسيرة الخطاب الإسلامي، من بدء صدمة الغرب وحتى اللحظة المعاصرة. وإذا كان محمد عابد الجابري يرى في كتابه المشروع النهضوي العربية (1996) أن العنف الإسلامي كما تجسده الحركات الإسلامية يستمد مرجعيته من خطاب جمال الدين الأفغاني الذي قام بتوظيف الدين في السياسة وقام بمطابقة الدين، فإن هناك إجماعًا على أن بنية الخطاب الإصلاحي الإسلامي لا تقوم على العنف.
هذا يعني أن العنف نتيجة لتجربة سياسية منقوصة، وخبرة سياسية تفتقر إلى رؤية سياسية حقيقية، وهذا ما يسجله رضوان السيد في قراءاته لظاهرة الإسلام السياسي، والذي يلمح غياب التجربة السياسية عند الشباب المسلم المنضوي في هذه الحركات، وهو ما يجعله يندفع إلى تخوم العنف في علاقته بالآخر.
جعل العنف بنية داخل الخطاب الإسلامي المعاصر، لا يصمد أمام أي تحليل أنثربولوجي (إنساني) للثقافة البشرية في مسيرة تطورها.
1998*
*باحث وكاتب سوري «1951 - 2007».