تتصف الجزيرة العربية جغرافياً وبيئياً ومناخياً بما يميزها عن كثير من غيرها من مناطق العالم؛ حيث التنوع الجغرافي الصحراوي والجبلي والساحلي والتنوع الحيوي، وتستحوذ السعودية على المساحة الأكبر من الجزيرة العربية، وهي عوامل مساعدة كبيرة على التنمية البيئية واستدامتها، وتأتي أهمية الحماية للموارد البيئية المتنوعة، بأنها تُعدُّ رصيداً ثميناً وثروة مستقبلية للأجيال اللاحقة، وللاحتياج الفعلي، بخاصة في ظروف التحولات والمتغيرات العالمية، وحروبها المرشحة للتمدد وليس الانحسار، وما يترتب على هذه الحروب من توقف الاستيراد والتصدير وشح الموارد الغذائية.
وتتأكد هذه الأهمية بحق الموارد النباتية والحيوانية المتعددة التي لا تحتاج إلى أي نوع من الإنفاق المالي عليها، أو الرعاية المكلفة لها، سوى الحماية بأنظمة البيئة القوية الصارمة، وتتضاعف قيمة الاستدامة مع تزايد نعمة الأمطار والسيول على أراضي الجزيرة.
والحديث هنا ليس عن (المحميات القائمة) والناجحة في تحقيق أهدافها، ولكنها عن حماية كل البيئة الصحراوية والجبلية والساحلية ودعمها (المجتمعي) وليس المتخصص بالمحميات، وذلك ببعض المبادرات العملية التطوعية التي تحفظ للبيئة حقوقها، ولعامة الناس حقوقهم المشروعة فيها، بخاصة أنها خُلقت للإنسان بأجياله المتتابعة، وما يُسهِّل هذا ويُسرِّعه وينجحه واقع تحديث الأنظمة المحلية للدولة، وسياسات تنويع الموارد، ومخاطر التقلبات الاقتصادية العالمية على مستقبل الأجيال وحقوقهم في الحياة، وهو نوع من الأمن الغذائي والبيئي المجتمعي المهم.
وقد انفرد الإسلام بما يفوق غيره حول الاستدامة البيئية للموارد الطبيعية بحمايتها من الهدر أو التدمير بالإسراف في الصيد البري أو البحري، والاحتطاب الجائر كذلك، لتكون إنتاجية هذه الموارد الطبيعية على مستوى التنمية والاستدامة والتحديات، حيث هذه البيئة نعمة كبرى في أرض الله، وقد حث الإسلام على الحماية والمحميات كما هي حرمة أراضي الحرمين الشريفين بصيدها وشجرها، فهي من أوائل المحميات في الإسلام.
وتزخر التشريعات الإسلامية وكُتب الفقه بأحكام (حقوق البيئة الزراعية) التي وردت عنها نصوص كثيرة، ومن ذلك الحث على الحرث والزرع إلى يوم القيامة، وعدم الإفساد في الأرض ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ (الأعراف:56)، وَوُجدت في تاريخ الإسلام محميات بيئية، وإن لم تُسمَّ بهذا الاسم كما هي الأراضي الموقوفة وأراضي الخراج.
كما أن الإسلام عُنِيَ بـ"حقوق الحيوان" في إطعامه وسقيه، وعدم تحميله ما لا يُطيق، إضافةً إلى الحث على الإحسان إليه والرفق به، مع النهي عن تعذيبه، أو تشويهه أو صيده الجائر، وقد ورد عن هذا تشريعاتٍ تعجز -من حيث شمولها- كثيرٌ من التنظيمات القانونية للحضارات الأخرى عن التعبير الدقيق عنها والحماية لمقاصدها، ومن ذلك حضارة الرأسمالية والاستغلال الاقتصادي الجائر لعموم الثروات العالمية!
ويضاف إلى هذا حث الدين على الزراعة والتشجير ومنع التلوث الذي هو من الإفساد في الأرض، وهو ما يفرض التعامل الحسن مع البيئة وحيواناتها ونباتاتها وخيراتها بتآلف وصداقة؛ لتكون الاستدامة البيئية والتنمية بها، ويكون التوازن البيئي كذلك.
وفي قصة يوسف، عليه السلام، ما يؤصل التعاطي مع الموارد والتنمية والاستدامة، بزراعة سبع سنين لسبع شداد كما هو معلوم في القرآن، وكل ما سبق يُشكل صوراً متعددة من العبادة لله، والاستجابة لتشريعاته المُثلى القائمة على التقوى والطاعة بما هو أقوى من القوانين.
وتُعرِّف الأمم المتحدة (التنمية المستدامة) بأنها: «تلبية حاجات الحاضر، دون المساس بمقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة»()، وهو التعريف الذي لا يتعارض مع تشريعات الإسلام، وهو ما يُحقق كذلك مصلحة الأجيال الواجبة والضرورية.
ومما يُعزِّز فكرة التنمية المستدامة للبيئة وأهميتها أن رؤية 2030 تؤكد حقوق البيئة، وحماية الحياة الفطرية والبرية، ومما ورد فيها وبعض تقاريرها المعنية: «تعمل رؤية السعودية 2030 منذ انطلاقها على حفظ التنوع الإحيائي، وإعادة التوازن البيئي والبيولوجي للنظم البيئية البرية والبحرية، وإكثار الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض، وإعادة توطينها في بيئاتها الطبيعية، وحماية النباتات المحلية التي توفر الغذاء والمأوى للأحياء البرية، ضمن رؤية شمولية للنظم البيئية الثمينة».
كما تؤكد الرؤية كذلك حق الجمعيات ودورها التطوعي المجتمعي البيئي، ومن ذلك: «تشجيع الجهات والمنظمات الحكومية وشبه الحكومية، والمنظمات غير الربحية، لتصبح من أصحاب المصلحة المستهدفين لمكافحة التصحر والتخفيف من آثاره، وزيادة مساحات الغطاء النباتي وحمايته»، وكل هذا مما يتوافق مع مبادرة الشرق الأوسط الأخضر كذلك.
المستقبل المنشود ووزارات معنية:
في ظل هذه الاعتبارات سابقة الذكر من حيثيات وتشريعات إسلامية وتنظيمات محلية ودولية تخص البيئة، لا بد أن تصبح هذه الثروات الوطنية (النباتية والحيوانية) مصدراً قوياً وكبيراً من مصادر التنمية المستدامة (طويلة الأجل)، وذلك بالتعاطي الصحيح معها في تلبية بعض الاحتياج الفعلي للغذاء المستقبلي، وأن تنتهي مرحلة التعاطي الخطأ معها؛ حيث السفاهة والتباهي والإسراف، أو رفاهية الاستمتاع المطلق بهذه الموارد، حتى مع توفرها المأمول، ويمكن للجهات المعنية، سواءً وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أو وزارة البيئة والمياه والزراعة وغيرها، العمل على دراسة هذه المقترحات من خلال (المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية)، وتطبيق الممكن منها والمتاح الفعلي للعمل بما يحقق مضمون هذا المقال ومقترحاته، من الاستدامة البيئية وإنتاجيتها وفعاليتها، ومن هذه المقترحات:
أولاً: تشجيع المبادرات بإنشاء جمعيات خيرية أو تعاونية غير هادفة للربح في جميع محافظات المملكة المختلفة (136) محافظة بتنافس مفتوح، وبتنوع وتخصصات واضحة محددة معنية بالبيئة والاستدامة، ودعمها بكوادر مُدرَّبة من المتطوعين، ومن فئة أصحاب الخبرات والمهارات بخاصة من المتقاعدين أصدقاء البيئة، وفتح باب التطوع الميداني للشباب بخاصة من أصحاب الهوايات في هذه الجمعيات وبمكافآت مجزية، فكلما كان هذا المشروع البيئي مرتبطاً بالمجتمعات وجمعياتها، وبالهواة والمتطوعين كان القبول المجتمعي الأمثل لمبادرات هذه الجمعيات وضوابطها؛ حيث تلقى مؤسسات المجتمع المدني عالمياً الثقة والواقعية التفاعلية، ويكون الدعم الحكومي بتوفير الأنظمة الصارمة في حماية الجمعيات ذاتها، وما تقوم به من رعاية وعناية وحماية للبيئة ومكتسباتها، إضافةً إلى أهمية الدعم المالي للبرامج البيئية من القطاع الحكومي العام، ومن القطاع الأهلي الخاص بالتبرع لهذه الجمعيات ودعمها بمنصات مماثلة لمنصة إحسان لتعزيز مسيرتها البيئية، وقد سجَّل القطاع الثالث عالمياً بإسهاماته نجاحاً باهراً في معظم ميادين التنمية، وبتكاليف لا تتجاوز في أحيانٍ كثيرة 10% من التكاليف مقارنة بتنفيذها بالقطاع الربحي والحكومي، ويكون لهذه الجمعيات البيئية مجالس تنسيقية في كل منطقة من مناطق المملكة 13 مجلس لتبادل الخبرات والمهارات، ولعمل التنظيمات والضوابط لإنجاح التجربة لتؤدي دورها البيئي المأمول.
ثانياً: العمل على التركيز المبدئي على حيوانات غنية بأهم العناصر الغذائية، ولا تحتاج إلى الماء أو الغذاء أو التكلفة سوى ما هو موجود في البيئة الطبيعية الصحراوية والجبلية والساحلية، فضلاً عما حباها المولى من القدرة الكبيرة على التوالد والتناسل والتكاثر مثل (الأرنب والضب)، لا سيما أن جنايات الصيد الجائر في السابق جعلتها نادرة الوجود تقريباً، ولا بد من إعادة التوطين البيئي، وإعطاء فترة زمنية لا تقل عن عشر سنوات -مثلاً- يمنع فيها الصيد وجمع الحشائش البرية والاحتطاب منعاً باتاً لتوفير ما أمكن من الحد الأعلى من الوفرة الحيوانية والغطاء النباتي، لتكون بعد هذه السنوات أنظمة وتشريعات إضافية تحدد وتنظم عملية الصيد والاحتطاب وتواريخه وضوابطه، لتلافي الجناية بحق التوالد والتكاثر والنمو.
وفي هذا الصدد يمكن دراسة مقترح جلب واستيراد مئات الآلاف أو الملايين من الأرانب من أستراليا -على سبيل المثال- ومن بيئاتها الجغرافية المختلفة لنشرها وتوطينها في البيئات المتنوعة كذلك من البلاد، ويمكن في ما بعد نجاح هذه التجربة أن تطبق بحق حيوانات أخرى كالجمال مثلاً وغيرها -كما هي إبل الصدقة وحماها زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لا سيما مع وجود شرائح التقنية التي تُعزز من الحماية والرعاية للحق المجتمعي العام وحقوق الأجيال، والأنظمة التي تُقوِّي الجمعيات ومخرجاتها المأمولة.
ثالثاً: الاهتمام بالتشجير الصحراوي العام بجميع أنواع الشجر الصحراوية والجبلية والساحلية التي تتحمل الحرارة والبرودة والجفاف، وتنمو في الظروف الصعبة سواءً من بيئة الجزيرة العربية أم من غيرها، وقد أجاد بعض الشباب وأفاد حول التشجير وتنمية الفسائل النادرة، ويمكن أن يكون الاستيراد كذلك من بيئات أخرى مماثلة، إضافةً إلى نشر ونثر بذور الكمأة (الفقع)، لا سيما بعد أن أجاد بعض الهواة في هذا الشأن اكتشاف قدرة البذور وإمكانية تعميمها، وتقوم بهذا الدور الجمعيات بفِرق المتطوعين وبأنحاء البلاد خارج نطاق المحميات كذلك.
وكل هذا مما يتطلب دراسات علمية وإدارية من المركز الوطني، أو أي مراكز بحوث متخصصة غير ربحية لرسم المزيد من مسيرة إعادة التوطين البيئي، وخدمة الاستدامة البيئية لأرض متنوعة جغرافياً وقابلة لهذا، ولمجتمعات تستحق، ولوطن وَضَع في خططه المستقبلية تنويع الموارد، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاستدامة البيئية التي أصبحت واجباً للأجيال، وضرورة استراتيجية بعيدة المدى، وهي من صور الإحسان المثلى.
والثقة كبيرة بالله ثم بالهمم العالية لبلد التطوع والعطاء القادر على ما هو أكبر من هذا المقترح بإذن الله، والله يقول لكل مسلم ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ (النحل: 128).
وتتأكد هذه الأهمية بحق الموارد النباتية والحيوانية المتعددة التي لا تحتاج إلى أي نوع من الإنفاق المالي عليها، أو الرعاية المكلفة لها، سوى الحماية بأنظمة البيئة القوية الصارمة، وتتضاعف قيمة الاستدامة مع تزايد نعمة الأمطار والسيول على أراضي الجزيرة.
والحديث هنا ليس عن (المحميات القائمة) والناجحة في تحقيق أهدافها، ولكنها عن حماية كل البيئة الصحراوية والجبلية والساحلية ودعمها (المجتمعي) وليس المتخصص بالمحميات، وذلك ببعض المبادرات العملية التطوعية التي تحفظ للبيئة حقوقها، ولعامة الناس حقوقهم المشروعة فيها، بخاصة أنها خُلقت للإنسان بأجياله المتتابعة، وما يُسهِّل هذا ويُسرِّعه وينجحه واقع تحديث الأنظمة المحلية للدولة، وسياسات تنويع الموارد، ومخاطر التقلبات الاقتصادية العالمية على مستقبل الأجيال وحقوقهم في الحياة، وهو نوع من الأمن الغذائي والبيئي المجتمعي المهم.
وقد انفرد الإسلام بما يفوق غيره حول الاستدامة البيئية للموارد الطبيعية بحمايتها من الهدر أو التدمير بالإسراف في الصيد البري أو البحري، والاحتطاب الجائر كذلك، لتكون إنتاجية هذه الموارد الطبيعية على مستوى التنمية والاستدامة والتحديات، حيث هذه البيئة نعمة كبرى في أرض الله، وقد حث الإسلام على الحماية والمحميات كما هي حرمة أراضي الحرمين الشريفين بصيدها وشجرها، فهي من أوائل المحميات في الإسلام.
وتزخر التشريعات الإسلامية وكُتب الفقه بأحكام (حقوق البيئة الزراعية) التي وردت عنها نصوص كثيرة، ومن ذلك الحث على الحرث والزرع إلى يوم القيامة، وعدم الإفساد في الأرض ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ (الأعراف:56)، وَوُجدت في تاريخ الإسلام محميات بيئية، وإن لم تُسمَّ بهذا الاسم كما هي الأراضي الموقوفة وأراضي الخراج.
كما أن الإسلام عُنِيَ بـ"حقوق الحيوان" في إطعامه وسقيه، وعدم تحميله ما لا يُطيق، إضافةً إلى الحث على الإحسان إليه والرفق به، مع النهي عن تعذيبه، أو تشويهه أو صيده الجائر، وقد ورد عن هذا تشريعاتٍ تعجز -من حيث شمولها- كثيرٌ من التنظيمات القانونية للحضارات الأخرى عن التعبير الدقيق عنها والحماية لمقاصدها، ومن ذلك حضارة الرأسمالية والاستغلال الاقتصادي الجائر لعموم الثروات العالمية!
ويضاف إلى هذا حث الدين على الزراعة والتشجير ومنع التلوث الذي هو من الإفساد في الأرض، وهو ما يفرض التعامل الحسن مع البيئة وحيواناتها ونباتاتها وخيراتها بتآلف وصداقة؛ لتكون الاستدامة البيئية والتنمية بها، ويكون التوازن البيئي كذلك.
وفي قصة يوسف، عليه السلام، ما يؤصل التعاطي مع الموارد والتنمية والاستدامة، بزراعة سبع سنين لسبع شداد كما هو معلوم في القرآن، وكل ما سبق يُشكل صوراً متعددة من العبادة لله، والاستجابة لتشريعاته المُثلى القائمة على التقوى والطاعة بما هو أقوى من القوانين.
وتُعرِّف الأمم المتحدة (التنمية المستدامة) بأنها: «تلبية حاجات الحاضر، دون المساس بمقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة»()، وهو التعريف الذي لا يتعارض مع تشريعات الإسلام، وهو ما يُحقق كذلك مصلحة الأجيال الواجبة والضرورية.
ومما يُعزِّز فكرة التنمية المستدامة للبيئة وأهميتها أن رؤية 2030 تؤكد حقوق البيئة، وحماية الحياة الفطرية والبرية، ومما ورد فيها وبعض تقاريرها المعنية: «تعمل رؤية السعودية 2030 منذ انطلاقها على حفظ التنوع الإحيائي، وإعادة التوازن البيئي والبيولوجي للنظم البيئية البرية والبحرية، وإكثار الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض، وإعادة توطينها في بيئاتها الطبيعية، وحماية النباتات المحلية التي توفر الغذاء والمأوى للأحياء البرية، ضمن رؤية شمولية للنظم البيئية الثمينة».
كما تؤكد الرؤية كذلك حق الجمعيات ودورها التطوعي المجتمعي البيئي، ومن ذلك: «تشجيع الجهات والمنظمات الحكومية وشبه الحكومية، والمنظمات غير الربحية، لتصبح من أصحاب المصلحة المستهدفين لمكافحة التصحر والتخفيف من آثاره، وزيادة مساحات الغطاء النباتي وحمايته»، وكل هذا مما يتوافق مع مبادرة الشرق الأوسط الأخضر كذلك.
المستقبل المنشود ووزارات معنية:
في ظل هذه الاعتبارات سابقة الذكر من حيثيات وتشريعات إسلامية وتنظيمات محلية ودولية تخص البيئة، لا بد أن تصبح هذه الثروات الوطنية (النباتية والحيوانية) مصدراً قوياً وكبيراً من مصادر التنمية المستدامة (طويلة الأجل)، وذلك بالتعاطي الصحيح معها في تلبية بعض الاحتياج الفعلي للغذاء المستقبلي، وأن تنتهي مرحلة التعاطي الخطأ معها؛ حيث السفاهة والتباهي والإسراف، أو رفاهية الاستمتاع المطلق بهذه الموارد، حتى مع توفرها المأمول، ويمكن للجهات المعنية، سواءً وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أو وزارة البيئة والمياه والزراعة وغيرها، العمل على دراسة هذه المقترحات من خلال (المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية)، وتطبيق الممكن منها والمتاح الفعلي للعمل بما يحقق مضمون هذا المقال ومقترحاته، من الاستدامة البيئية وإنتاجيتها وفعاليتها، ومن هذه المقترحات:
أولاً: تشجيع المبادرات بإنشاء جمعيات خيرية أو تعاونية غير هادفة للربح في جميع محافظات المملكة المختلفة (136) محافظة بتنافس مفتوح، وبتنوع وتخصصات واضحة محددة معنية بالبيئة والاستدامة، ودعمها بكوادر مُدرَّبة من المتطوعين، ومن فئة أصحاب الخبرات والمهارات بخاصة من المتقاعدين أصدقاء البيئة، وفتح باب التطوع الميداني للشباب بخاصة من أصحاب الهوايات في هذه الجمعيات وبمكافآت مجزية، فكلما كان هذا المشروع البيئي مرتبطاً بالمجتمعات وجمعياتها، وبالهواة والمتطوعين كان القبول المجتمعي الأمثل لمبادرات هذه الجمعيات وضوابطها؛ حيث تلقى مؤسسات المجتمع المدني عالمياً الثقة والواقعية التفاعلية، ويكون الدعم الحكومي بتوفير الأنظمة الصارمة في حماية الجمعيات ذاتها، وما تقوم به من رعاية وعناية وحماية للبيئة ومكتسباتها، إضافةً إلى أهمية الدعم المالي للبرامج البيئية من القطاع الحكومي العام، ومن القطاع الأهلي الخاص بالتبرع لهذه الجمعيات ودعمها بمنصات مماثلة لمنصة إحسان لتعزيز مسيرتها البيئية، وقد سجَّل القطاع الثالث عالمياً بإسهاماته نجاحاً باهراً في معظم ميادين التنمية، وبتكاليف لا تتجاوز في أحيانٍ كثيرة 10% من التكاليف مقارنة بتنفيذها بالقطاع الربحي والحكومي، ويكون لهذه الجمعيات البيئية مجالس تنسيقية في كل منطقة من مناطق المملكة 13 مجلس لتبادل الخبرات والمهارات، ولعمل التنظيمات والضوابط لإنجاح التجربة لتؤدي دورها البيئي المأمول.
ثانياً: العمل على التركيز المبدئي على حيوانات غنية بأهم العناصر الغذائية، ولا تحتاج إلى الماء أو الغذاء أو التكلفة سوى ما هو موجود في البيئة الطبيعية الصحراوية والجبلية والساحلية، فضلاً عما حباها المولى من القدرة الكبيرة على التوالد والتناسل والتكاثر مثل (الأرنب والضب)، لا سيما أن جنايات الصيد الجائر في السابق جعلتها نادرة الوجود تقريباً، ولا بد من إعادة التوطين البيئي، وإعطاء فترة زمنية لا تقل عن عشر سنوات -مثلاً- يمنع فيها الصيد وجمع الحشائش البرية والاحتطاب منعاً باتاً لتوفير ما أمكن من الحد الأعلى من الوفرة الحيوانية والغطاء النباتي، لتكون بعد هذه السنوات أنظمة وتشريعات إضافية تحدد وتنظم عملية الصيد والاحتطاب وتواريخه وضوابطه، لتلافي الجناية بحق التوالد والتكاثر والنمو.
وفي هذا الصدد يمكن دراسة مقترح جلب واستيراد مئات الآلاف أو الملايين من الأرانب من أستراليا -على سبيل المثال- ومن بيئاتها الجغرافية المختلفة لنشرها وتوطينها في البيئات المتنوعة كذلك من البلاد، ويمكن في ما بعد نجاح هذه التجربة أن تطبق بحق حيوانات أخرى كالجمال مثلاً وغيرها -كما هي إبل الصدقة وحماها زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لا سيما مع وجود شرائح التقنية التي تُعزز من الحماية والرعاية للحق المجتمعي العام وحقوق الأجيال، والأنظمة التي تُقوِّي الجمعيات ومخرجاتها المأمولة.
ثالثاً: الاهتمام بالتشجير الصحراوي العام بجميع أنواع الشجر الصحراوية والجبلية والساحلية التي تتحمل الحرارة والبرودة والجفاف، وتنمو في الظروف الصعبة سواءً من بيئة الجزيرة العربية أم من غيرها، وقد أجاد بعض الشباب وأفاد حول التشجير وتنمية الفسائل النادرة، ويمكن أن يكون الاستيراد كذلك من بيئات أخرى مماثلة، إضافةً إلى نشر ونثر بذور الكمأة (الفقع)، لا سيما بعد أن أجاد بعض الهواة في هذا الشأن اكتشاف قدرة البذور وإمكانية تعميمها، وتقوم بهذا الدور الجمعيات بفِرق المتطوعين وبأنحاء البلاد خارج نطاق المحميات كذلك.
وكل هذا مما يتطلب دراسات علمية وإدارية من المركز الوطني، أو أي مراكز بحوث متخصصة غير ربحية لرسم المزيد من مسيرة إعادة التوطين البيئي، وخدمة الاستدامة البيئية لأرض متنوعة جغرافياً وقابلة لهذا، ولمجتمعات تستحق، ولوطن وَضَع في خططه المستقبلية تنويع الموارد، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاستدامة البيئية التي أصبحت واجباً للأجيال، وضرورة استراتيجية بعيدة المدى، وهي من صور الإحسان المثلى.
والثقة كبيرة بالله ثم بالهمم العالية لبلد التطوع والعطاء القادر على ما هو أكبر من هذا المقترح بإذن الله، والله يقول لكل مسلم ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ (النحل: 128).