أثير السادة

لا أتحدث هنا عن أسواق الذهب ومحلاتها، بل عن ناد رياضي يجمع الناس وأحلامهم ويترجمها نجاحات من ذهب، بواباته الواسعة تصبح بوابات فرح لأبناء المدينة التي اعتادت التجمع والاحتفال بعد كل انتصار في ردهاته ومساحاته المفتوحة، هناك يقف عادة حارس البوابة الذي يتجاوز هشاشة الوقت وهو يبتهج لهذه المشاهد التي تختصر العلاقة بين الرياضة وصناعة الفرح، ستكون بهجته مضاعفة في كل مرة لأن الحدث يعيد لذاكرته زمنًا كان هو من يشارك بعرقه وجهده في منح المكان عناوين جديدة للابتهاج، الحارس الذي عبر من بوابة الفئات السنية إلى داخل المنتخبات الوطنية ليكون واحدًا من نجومها قبل الانطفاء في نهاية التسعينيات.

كان يومها نجمًا يلمع في سماء الرياضة، وبالتحديد كرة اليد التي اختصرت سيرة مدينته طيلة العقود الماضية، مهاراته الفنية ومرونته الجسدية جعلت منه مرشحًا أولا لوراثة الكبار في مركزه الموسوم بمركز صانع الألعاب في المنتخب الوطني لكرة اليد، أمتع واستمتع بمشاركاته المحلية والدولية التي لم تدم طويلا بسبب إصابته بكسر مضاعف خلال تسلية رياضية غير محسوبة العواقب خارج النادي، لتنتهي معها سيرته الرياضية كلاعب، ويجرب بعدها المشاركة كمدرب للفريق المهتمة بهذه الرياضة في المنطقة الشرقية.

حكايته تشبه الكثير من الرياضيين الذين أفلوا باكرًا، لكن التصاقه بناديه ولو في صورة حارس أمن هي الدليل على ولعه بالرياضة، سيفاجئك بصورته في كل مرة تعبر فيها إلى مرافق النادي، ويحرضك على تذكر يومياته بالأمس، والوعود التي كانت معلقة في سماء أحلامه، لم يحمل معه الكثير إلى الغد وهو يخطو خطواته الأولى داخل الملعب، بحث عن المتعة واللعب والإنجازات فوجدها هناك، ولم يجدها في خارج هذه الدائرة، لذلك من السهل أن تجد جوابًا للسؤال عن أسباب تضاؤل الخيارات أمامه في نهاية المطاف.

هذه المهنة التي يحسبها الناظر من بعيد عنوانًا للراحة هي لصاحبنا بوابة كبيرة للقلق، لن تحتاج إلى أكثر من خمس دقائق ليتسرب لك هذا القلق في حوار عابر معه، لن يحدثك عن طبيعة الأجور لهكذا مهن، ولا طبيعة الدوام الذي قد يتقلب في بعض المواقع، بل سيحدثك عن أشياء لا يعرفها الكثيرون، عن تأخر صرف الرواتب، عن أمنية صغيرة بعدم تأجيلها لشهرين وثلاثة، فالشركات المشغلة التي خبرها في مشواره الطويل الذي جاوز العقدين ونيف ما زالت تختبر صبرهم في انتظار مستحقاتهم، ليمسي حارس الأمن يبحث عن من يحرس له ماله الذي يسد به احتياجات عياله.

اتسعت ميزانيات الأندية، بمثل ما اتسعت طموحات وزارة الرياضة، تطورت الكثير من الآليات والبرامج عبر تطبيقات الحوكمة الرياضية، بل زاد عدد المشاركين في المشهد الرياضي مع دخول المرأة عالم الرياضة الواسع، وهذه كله يجعل صديقنا حارس بوابة الذهب يطمع في إعادة النظر في أحوال رجال الأمن في الأندية الرياضية، وآليات الرقابة على الشركات المشغلة، فاستقرار الأندية في جانب منه مبني على استقرار حراس بواباتها، فهم اليوم الضامن لسلامة المرتادين للأندية، بما فيهم النساء اللواتي يشاركن بفاعلية وكثافة اليوم على مستوى الإدارة والممارسة الرياضية، ولا يملك النادي أن يضمن كل ذلك إذا أصبح الحارس المتعب حاضرًا بجسده فقط، بينما يقضي كل الوقت غارقًا في همومه التي تتمدد على حبل طويل من المماطلة في تسليم الرواتب.