نورة مروعي عسيري

باتت سياحة البادية أو «السياحة الصحراوية» مطلبًا مهمًا جدًا لزوار المملكة العربية السعودية نظرًا لما تقدمه تجربتها من معلومات شيقة عن ثقافة وهوية الشعوب العربية وما تعكسه من القيم الأصيلة لهذه الشعوب وعاداتها وتقاليدها.

وفي وقت تشكل فيه السياحة بأنواعها المختلفة رافدًا مهمًا للاقتصاد، فإنها تعتمد بالقدر نفسه على الأفكار الخلاقة والممكنات بالنسبة لصناعها، ولذا شكلت سياحة الصحراء تجربة خاصة ومنفردة توفر للسائح فرصة تمكنه من التغيير والانتقال من بيئته التي اعتادها إلى بيئات أخرى لا يعرف عنها كثيرًا، مع ما تضيفه هذه المعرفة للجديد من متعة وإثارة ودهشة.

تعريف وتجربة

يشدد المرشد السياحي، المهتم بالهوية الوطنية المحلية علي عبدالله العليقي على أن «سياحة البادية تعني رغبة السائح الأجنبي أو العربي بتجربة حياة البادية، وهذا هو التعريف البسيط لها، أما عن تطبيقها في السعودية ومستواها فهي تتفاوت من تجربة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى ومن سائح إلى سائح، لكنها باختصار تعريف السائح الوافد على الثقافة العربية في المواقع التي تنتشر فيها ثقافة البادية وتجربتها بشكل عميق أو بطريقة متقدمة كأن يعيش مستعينًا بالوسائل التي كان يعيش عليها أهل البادية، من حيث التنقل والمأكل والمسكن أو حتى الترفيه في حياة البادية كأن يعيش في خيام فاخرة أو وسائل النقل المخصصة للبادية».

وبين العليقي أن ثمة تجارب ناجحة لعدد من الدول المجاورة في مجال هذه السياحة، وقال «بكل تأكيد، كل تجربة سابقة لتجاربنا تعد بالنسبة لنا مصدر معلومة لتفادي خطأ أو تقصير، وكذلك لتعزيز نقاط القوة وتجنب المخاطر، وصولًا إلى مفهوم صناعة سياحة منافسة عالميًا».

استثمار ذكي

ركز العليقي في إطار حديثه عن تكلفة سياحة البادية ومدى إمكانية تحقيق المعادلة بين التكلفة والربح في ظل وجود تكاليف عالية للتسويق، وقال «مفتاح المسألة يكمن في الاستثمار الذكي، والعمل في هذه السياحة يحتاج إلى خبرة في مجال الاستثمار وإدارة الأعمال، خصوصًا إذا ما علمنا أن سياحة البادية هي سياحة موسمية، ففي الغالب لا تجد كثيرًا من السياح وقت اشتداد الحرارة، وبالإمكان إعادة استخدام هذه الموارد سواء وسائل النقل أو السكن المتنقل في أماكن أخرى عندما تتغير درجة الحرارة -كما يحدث لدينا في السعودية- بالانتقال بنفس هذه الموارد من المناطق الصحراوية إلى المناطق الجبلية، حيث تكون الأجواء أكثر برودة في الصيف، وهذه هي الوسيلة المناسبة لتحقيق هذه المعادلة بين التكلفة والتسويق».

وأضاف «سوق السياحة السعودي يعد سوقًا ناشئًا وما زال في بداياته رغم الإمكانيات والوعود الكثيرة، وعلى رجال الأعمال السير بوعي فيه لأن المغامرة دون حساب قد تكون مقامرة».

دعم يحتاج التشجيع

بين العليقي أن جهات الاختصاص تدعم هذا النوع من السياحة، وتقدم تسهيلات، لكن الاشتراطات صعبة وبرسوم عالية وغير مشجعة للمستثمر، وقال «الدعم المتاح حاليًا كاف، ولكن على رجال الأعمال أو المستثمرين فهم السوق من النواحي التجارية والتشريعية والترفيهية، فحين يأتي الضيف إلى مثل هذا السوق في سياحة البادية نجد أن معظم المتاح لدينا الآن مرتبط بالمغامرات مثل سيارات الدفع الرباعي والدراجات الهوائية والنارية وركوب الخيل، وعلى المستثمر أن يعرف أن هناك جوانب أخرى في سياحة البادية مثل تجارب الطعام وإعداده بطريقة تقليدية، ووسائل النقل التقليدية مثل الجمال والخيول والسكن في بيوت الشعر وليس في الكرفانات والتنقل بطريقة بدائية فكلها تعد تجربة، وقد لا يكررها السائح مرة ثانية، لكنه سيعود بتجربة أنه عاش الحياة الصحراوية بالشكل الصحيح».

وأضاف «الدعم الذي أتوقعه ويرجوه كثير من رجال الأعمال في هذا المجال هو الدعم التشريعي والتنظيمي، مثل اختيار مكان سياحة البادية في المحميات الطبيعية أو المناطق المفتوحة وتنظيمها وتسهيلها، وكثير من هذه التسهيلات متاح حاليًا لكن بشروط صعبة وغير مشجعة لمستثمر يعمل في موسم محدود».

وعن دخول المملكة سوق السياحة العالمية بقوة وعن أن الانطباع العالمي عنها هو بيئتها الصحراوية، وعن كيف يمكن الاستفادة من هذه البيئة سياحيًا، قال «جهود وزارة الثقافة جبارة بشأن الثقافة والهوية السعودية، واستخدام الإبل في المجال السياحي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية لسياحة الصحراء».

وتابع «الصورة النمطية للسعودية حول العالم أنها بيئة صحراوية، ولكنها كذلك بيئة صحراوية وجبلية وبحرية وجميلة بغطائها النباتي وأجمل من هذا وذاك هو اختلاف الثقافات بين شمال وجنوب وشرق وغرب المملكة، ناهيك عن أزيائهم وأهازيجهم، وهذه التمايزات بين مناطق المملكة وقبائلها يمكن التركيز عليه في سياحة البادية، فمثلا بيوت البادية في الشمال تختلف عنها في الجنوب، كما تختلف أطعمتهم وأزياؤهم، وتجربة هذه الثقافات سيضيف شيئًا مميزًا».

وأكمل «الصورة الخاصة بالهوية السعودية مميزة، وهناك جهود جبارة بشأن الثقافة والهوية السعودية لدى وزارة الثقافة حيث أنشأت عددًا من الهيئات مثل هيئة الطهي وهيئة الأزياء وهيئة الفنون والحرف، وهناك جانب مهم جدًا لم يعط حقه من التركيز في المناشط السياحية وهو تربية الإبل والتعامل معها، وإن كانت هناك جهة رسمية الآن اسمها نادي الإبل السعودي، وهو مهتم بهذا الجانب، لكنه يهتم أكثر الآن بسباقات الإبل ومزايينها، وكذلك بعض السباقات الخاصة بالتعامل مع الإبل، مع أنني أرى أن استخدام الإبل في المجال السياحي ربما ما زال في بداياته الأولى، وإن كانت هناك تجربة أو تجربتين ناجحتين في البدايات فاستخدام الجمال في بيئتها الطبيعية الصحراوية سيكون نقلة جميلة للتجربة السياحية».

تجربة إماراتية

خاضت الإمارات تجربة السياحة الصحراوية واكتسبت خبرة لا بأس بها في هذا المجال، ويقول نائب رئيس جمعية الصحفيين الإماراتية، رئيس لجنة الإعلام السياحي، رئيس تحرير موقع السائح الخليجي حسين المناعي «للسياحة الصحراوية في الإمارات أهمية وتأثير كبير على القطاع ككل، وتشكل نحو 80% من نسبة السياحة الداخلية في فصل الشتاء».

وتابع «تستقطب صحاري الإمارات الخلابة كثيرًا من السياح من حول العالم، وقاد هذا إلى إنشاء كثير من المنتجعات والفنادق السياحية الصحراوية التي تجمع بين الأصالة والرفاهية العصرية».

وأضاف «الصحراء اليوم هي المتنفس المفضل لأهل المدن الذين يهرعون إلى براريها وكثبانها طلبًا للاستجمام والراحة والسكون بعيدًا عن زحام المدن وتلوثها وضجيجها.

ويضع السياح الوافدون إلى الإمارات زيارة المناطق الصحراوية ضمن أولوياتهم السياحية، وفي الآونة الأخيرة انتشرت الشركات المنظمة للرحلات الصحراوية التي تعرض نماذج لحياة البدو في الصحراء قديمًا وسبل عيشهم وتفاعلهم مع البيئة، كما تقدم في المنتجعات السياحية باقة متنوعة من الأنشطة الصحراوية لترفيه الضيوف بما فيها رحلات الركوب على الجمال، والقيادة على الكثبان الرملية، وركوب الدراجات في الصحراء، وركوب الخيل، وحفلات الشواء في المخيمات، والرحلات في ليالي اكتمال القمر، والرماية وغيرها».

سياحة برية مصرية

لا يقف الاهتمام بسياحة الصحراء عند دول الخليج، فثمة دول أخرى تركز عليها مثل المغرب والأردن ومصر وغيرها.

وعن السياحة البرية «الصحراوية» في مصر يقول نائب الاتحاد العربي للإعلام السياحي خالد خليل «حسب توثيق منظمة السياحة العالمية تم تصنيف مصر كأول دولة تنشئ ما يسمى بخدمات السياحة البرية التي أطلق عليها حاليًا السياحة الصحراوية، وذلك لأن الآثار الفرعونية في مصر كانت مغمورة في وسط الرمال في الصحراء، ومن هنا اهتمت مصر بالكشف عن ثرواتها الحضارية الأثرية جنوب الصحراء في منطقة أسوان وادفو وبحيرة ناصر جنوب أسوان وفي الوادي الجديد غرب النيل، وهو ما يسمى بالصحراء الغربية».

وأضاف «الإرهاصات الأولى للسياحة الصحراوية في مصر بدأت عمليًا منذ عام 1842، واتسمت بالصعوبة في بداياتها، لكن شغف الأوروبيين باكتشاف أو مشاهدة الآثار أدى إلى ظهور ما يسمى بـ«السياحة البرية» ومن بعدها «السياحة الصحراوية» ثم جاءت مرحلة أخرى وهي مرحلة نهب الآثار الفرعونية في الصحراء والكشف عنها، واستمرت هذه المرحلة أكثر من 40 سنة أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر، وفي بداية القرن الـ19 ظهر مفهوم السياحة الصحراوية وكان من أهم مستهدفاتها الصيد ولكن هذا النوع من السياحة الصحراوية لم يرق لمستوى الاهتمام بالبحث عن الآثار الفرعونية».

مقاييس دولية

كشف خليل أنه «لا توجد حتى الآن معايير أو قوالب علمية ورسمية للسياحة الصحراوية لأنها سياحة نادرة، ولا توجد إلا في مناطق مخصصة في العالم، وللأسف تخلفنا عن وضع إطار ومفهوم ومعايير للسياحة الصحراوية على الرغم من كونها كنز كبير في المنطقة العربية، وحتى اللحظة لا يوجد مفهوم علمي ولا معايير لقياس نجاح أداء السياحة الصحراوية من حيث الخدمات والمستهدفات، ولعل العامل الأول لنجاح هذا النوع من السياحة في مصر هو وجود المعابد والسراديب والتماثيل والأهرامات المطمورة والمقابر، وخير نموذج على ذلك هو وادي الملوك والملكات في البر الغربي في الضفة الغربية الصحراوية من منطقة الأقصر، وهذه الجبانات أو المقابر تعد أروع مقابر في العالم وعمرها حوالي 3000 إلى 9000 سنة وما زالت محتفظة بكل أروقتها وألوانها ونقوشها».

وبين أن مصر أنشأت في الفترة الأخيرة الطرق كما أنشأت الفنادق في الصحراء، ولكن الاهتمام للأسف بدأ متأخرًا ومنذ نحو 25 سنة فقط، لكن للأسف لا يوجد ضمن أجندة السياحة المصرية صناعة هوية عربية للسياحة الصحراوية، كما أنه لا يوجد في مصر للأسف نموذج عربي للسياحة الصحراوية، وكل المتاح حاليًا هو بعض الأنشطة مثل العشاء البدوي في سيناء وفي سيوة للمجموعات التي تزور هذه المناطق.

خبرة أردنية

إلى جانب التجربة المصرية في السياحة الصحراوية، ثمة تجربة أخرى تمتاز بخصوصيتها وهي تجربة المملكة الأردنية التي بدأت السياحة الصحراوية فيها في سبعينات القرن الماضي واعتمدت في البداية على رحلات استكشافية وتطورت لتصبح برامج سياحية متنوعة تلبي رغبات الزائر من يوم إلى عدة أيام.

وقال الناطق الرسمي لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية بالأردن، المدير التنفيذي لإذاعة صوت القبة فايز الفايز «‬يمكن القول إن السياحة الصحراوية مصطلح مرادف للسياحة البيئية أو السياحة المسؤولة بالأخص في البلدان التي تشكل الأنماط الصحراوية جزءًا من جغرافيتها، والصحراء هنا لا تعني الأرض القاحلة، وإنما مناطق البادية التي تحوي تنوعًا حيويًا هائلًا يرافقها بشكل متصل أساليب عيش الإنسان وتكيفه مع طبيعتها الصعبة نوعًا ما خصوصًا فيما يتعلق بمصادر المياه التي كانت المحرك الرئيس لتنقل الإنسان وابتكاره أنماطًا معيشية فريدة قائمة بالأساس على التوازن بين الموارد الطبيعية وحاجات الإنسان للعيش، هذا النمط الذي غلب عليه الترحال ترك إرثًا ثقافيًا وحضاريًا كبيرًا ومتنوعًا مزج بين الإرث المادي المتمثل بأشكال الاستيطان البشري وآخر غير مادي».‬‬‬

عناصر جذب

يعتقد الفايز أنه «في الأردن بشكل عام ووادي رم بشكل خاص تعد السياحة الصحراوية أو سياحة التعايش من أبرز عناصر الجذب السياحي وتساهم في إيجاد مصدر دخل مهم للسكان المحليين».

وأضاف «تزخر ثقافة السكان المحليين بعناصر كثيرة تشكل في مجملها برنامجًا سياحيًا مثيرًا للاهتمام لدى الزوار من كافة الجنسيات، ويحتاج الزائر عدة أيام ليكتشف مكنوناتها المتنوعة بدءًا من كرم الضيافة العربية وطقوسها إلى الحياة اليومية التي تعتمد على موارد الصحراء وتقنيات التعامل معها بحس الحفاظ عليها واستدامتها، وإلى مراقبة النجوم والاهتداء بها لمعرفة الطرق والمسالك والمسير الليلي والنهاري واستخدامات الأعشاب الطبية والرعوية وركوب الجمال والخيول، وجلسات السمر حول النار».

ونوه إلى دور الأدلاء السياحيين المحليين الذين قدموا تراثهم بطريقة عفوية تعكس روح البداوة وكرم الضيافة وقبول الآخر لتصبح اليوم برامج مصممة بعناية ليعيش الزائر من خلالها تجربة مميزة تعلق في ذهنه ليصبح سفيرًا لهذه السياحة في دولته.

وركز على أن هذه السياحة باتت اليوم مصدر دخل ساهم في تنمية مجتمعات البادية وساعدهم على الاحتفاظ بموروثهم وعاداتهم وتقاليدهم وتقديمها للعالم.

قوانين مواكبة

يؤكد الفائز أن المؤسسات الحكومية الأردنية واكبت السياحة الصحراوية في الأردن، وقال «مع تطور هذا النوع من السياحة وازدهار الطلب طوّرت المؤسسات الحكومية مجموعة من القوانين واللوائح التي نظمتها ورخصتها حسب المعايير التي تناسب خصوصية كل موقع سياحي لضمان تقديم خدمات متطورة من جانب، ومراعاة الحفاظ على الموقع ومميزاته وخصوصيته الثقافية من جانب آخر، فصدرت تعليمات لتنظيم التخييم وأخرى لتنظيم استخدامات الأراضي وتنظيم النقل السياحي، ووضعت إجراءات للحفاظ على المواقع الأثرية لحمايتها من التخريب أو العبث للحفاظ على أصالتها وسلامتها باعتبارها إرثًا عالميًا ومحليًا».

السياحة الصحراوية

ـ سياحة تتخذ من الصحراء مرتكزا لها

ـ تعد من روافد الاقتصاد

ـ توفر تجربة خاصة ومنفردة للسائح

ـ تقدم ثقافة خاصة ومختلفة للسياح

عناصر يمكن أن تقدمها السياحة الصحراوية

ـ الاستجمام والراحة والسكون بعيدًا عن زحام المدن وتلوثها وضجيجها

ـ تعرض نماذج لحياة البدو في الصحراء قديمًا وسبل عيشهم وتفاعلهم مع البيئة

ـ تقدم أنشطة منها:

1ـ رحلات الركوب على الجمال

2ـ القيادة على الكثبان الرملية

3ـ ركوب الدراجات في الصحراء

4ـ ركوب الخيل

5ـ حفلات الشواء في المخيمات

6ـ الرحلات في ليالي اكتمال القمر

7ـ تجربة أنواع جديدة من الطعام

8ـ مراقبة النجوم والاهتداء بها لمعرفة الطرق والمسالك

9ـ المسير الليلي والنهاري

10ـ استخدامات الأعشاب الطبية والرعوية

11ـ جلسات السمر حول النار