إيمان محمد

يعرف مفهوم الترفيه عند فئة كبيرة من الناس بأنه (المادة والعمل الذي يحدث لغرض التسلية والمتعة بشكل استهلاكي، يعتمد التهريج وإضاعة ساعات من الوقت في استمتاع له زمن، وليس له أثر سوى قدر من الرفاهية للطبقة المقتدرة ماديا من المجتمع)، ويترسخ هذا المفهوم أكثر من خلال الحملات المنظمة بالتزامن مع انطلاق أي فعالية ترفيهية، وبشكل رفض واعتراضات متعددة الدوافع والمرجعية (دينية واقتصادية واجتماعية).

تمرر أفكارها بأساليب مختلفة، فتارة ترفع شعار الدين لمحاربة الترفيه، وتارة ترفع شعار العادات والتقاليد، ومرة ترفع شعار القدرة الشرائية للمنتج الترفيهي.. الخ، ما أدى إلى تعزيز هذه الفكرة المغلوطة عن المادة الترفيهية، والتي برأيي أجدها مادة لا تنفصل عن كونها مادة ثقافية تقدم بشكل وصور سهلة وسريعة التشرب، ولو أننا تناولناها بنظرة تحليلية وبشكل أدق لتوصلنا إلى كمية الجهد والصعوبة في إعدادها بدءًا من المادة الثقافية التي تستند عليها، والمهارات المعرفية التي تستخدمها، وصولا إلى التسويق والترويج. ولنأخذ - على سبيل المثال - الحفلات الغنائية وما تتكئ عليه من محتوى ثقافي يعتمد على تأليف الشعر وخلق الموسيقى، بما فيها أيضا من تأصيل للهوية، بما تستند إليه من تراث و (فلكلور) ثقافة شعبية، وأيضا المسرحيات لم تكن لتنشأ لولا وجود مادة ثقافية تستند عليها كمنتج إبداعي/ ثقافي مبني على علم ومعرفة، بعيدا كل البعد عن تهمة التهريج التي دائما ما يوصم بها المسرح، الذي هو مرآة الشعوب وشكل من أشكال الحضارة، يقاس به تقدم المجتمعات.

ولو أمعنا النظر في التحليل بين ترفيه اليوم الحقيقي وترفيه الصحوة الذي لا يمكن نسيان محاولاته في فرض هيمنته بالاعتماد على امتهان الثقافة الحقيقية، بدءًا من الموسيقى التي حرمها تنظيرا ، ثم محاولات منعها عمليا باقتحام منصات الفعاليات وتحطيم الآلات الموسيقية، ومنها (العود) الآلة الأشهر في التعبير عن موسيقانا كموروث ثقافي، أو بتكفير المغنين والممثلين، أو بانتزاع الموسيقى من الأغاني، أو باحتلال خشبة المسرح لنشر التخويف والترهيب بين الناس.

اليوم نحن أمام ترفيه حقيقي بنى نجاحه على منهج ثقافي، فامتلك الجمهور الذي وإن كان بعضه يكرر فكرة مغلوطة عن الترفيه، إلا أنه ينجذب إليه وهو لا يعلم لماذا!!

ولكن ماذا لو كان يعلم؟

لو كان يعلم ولو كنا جميعًا الجمهور الذي يعتني بـ (المادة الثقافية في منتجات الترفيه) سواء في الحفلات أو المسارح أو الشاشات أو المنصات الإعلامية، يعتني بتحليلها وينقدها ويتناولها ويثريها بأفكاره، ويساهم في ابتكار ما يوازيها أو ينافسها من منتجات ترفيهية ثقافية، أو لو أننا تعاملنا معها باعتبارها معطى حضاري، لها أسهم رابحة تنمو وتزدهر كلما استثمرنا فيها، وكلما ساهمنا لإعلائها وإنضاجها بأفكارنا المبدعة الخلاقة، لكانت النتيجة أعمق من النظرة السطحية التي تحاول فئة من الناس نشرها حول مفهوم الترفيه، ولوضعت حدا للفئة التي تريد الوطن جامدًا / واقفا عند ما قبل مئات من قرون خلت، وفي الوقت ذاته تنبهر وتبجل وتقدس سارقي حضارات العالم. وكلما أقدم الوطن على خطوة للنهوض بحضارته، وقفوا ضده، كأنهم في مأتم حزانى، وتذكروا نهايات الزمان، التي لا تذكر كالعادة إلا داخل حدود الوطن.