• زمننا هذا، لم تعد المعرفة تنفك عن صناعة الاقتصاد. كل مشروعٍ تقوم عليه الشركات ينتج ثقافةً ما، من الإبرة وحتى الدولة، وقد وجدت فكرة الشعار اللوقو لترميز السلعة بصوت أو شكل، يميز هويته، ولحجز مكانه في ذاكرة وسلوك المستهدفين. صوت نظام الويندوز مثلاً هو هو في أي مكان، وآلاف الملايين من مستخدمي الكمبيوتر يميزونه لمجرد سماعه.. ويلحق بهذا الصوت كل الاستعمالات والإشارات والصور ومجموع الثقافة التي تبعث بها الشركة المنتجة وتشكلها في أذهان المستخدمين، دون أن يشعروا. يجري هذا على شركة آبل، وشركات في مجالات أخرى مثل هوليود، وماكدونالدز، وزارا، وشانيل، وفورد.. إلخ. باختصار؛ المنتج الغربي يشكل حياتنا، بما في ذلك جانبها الثقافي، شئنا أم أبينا، لا سيما ونحن بلدان الاستهلاك بامتياز. والغربي ليس بحاجة اليوم ليبعث إلى شعوبنا هذه الكتب لنمتثل له، لكنه يبعث بما يريد أن يقوله لنا عبر المأكل والمشرب والسيارة والعطر والمكيف والكمبيوتر.. إلخ، وهذا ـ بحسب الراهن ـ حقّه، وما نستحقه!.
• أقول هذا وأطرح سؤالاً تلقائياً، ليس من قبيل التحبيط، بل تحفيزاً ملحّاً، ووقوفاً على الواقع لننتبه إلى ضرورة إنتاج المعرفة فيما نفعله، ولو على قلّته؛ ما المنتج المادي الذي نقدم من خلاله معرفةً ما، ويؤثر في العالم؟! أو لنترك العالم، ونسأل داخلياً؛ ما المنتج المحلي الذي قدمته أموالنا الضخمة، وشركاتنا ومشاريعنا وجامعاتنا لنا، وصار له انعكاسه معرفياً في تنمية وعي المجتمع وصياغته حتى الآن؟ هل هناك شيءٌ آخر غير شركات الإعلام، وتحديداً مجموعتي الام بي سي وروتانا؟!
• واحدة من مشكلات تنمية الإنسان، والتي كانت وما زالت سمةً لتعامل غالب المسلمين والعرب على وجه الخصوص، ونحن أخصّ، مع منتجات الحضارة الإنسانية القائمة في هذا العصر، هي حالة الشراء وليس الفهم، الاستخدام دون التساؤل، والاستعمال دون الفضول في التعلّم والرغبة في الإنتاج، بل وللأسف ما زال يذهب كثيرون إلى أبعد من هذا، وهو اعتبار أن ما يصدره الآخرون في العالم الحديث إلينا.. لا فضل لهم فيه من ناحيتين، الأولى؛ أننا نشتريه بأموالنا، والثانية أن كل شيء مُسخر للمسلم، بما في ذلك ما ينتجه الكفار من شتى أنواع العلوم والمبتكرات ووسائل الحياة.. إلخ! وكم هذا المنطق مثير للأسى والشفقة!
http://youtu.be/xaJFyNkbLVA
• وأقول هذا مرةً أخرى.. تحفيزاً واهتماماً وأملاً في أننا على أبواب التصحيح، وأن المشاريع التي نترقبها هنا وهناك، نرجو منها أن تنعكس على وعي الناس. فلا معنى للشوارع والبنايات والمطارات.. إلخ، ومسافة المعرفة والعقل المنتج بينها وبين من يشغّلها ويستخدمها بمئات السنين!