ليس بمستغرب أن نجد عددا من العائلات السعودية صغارًا وكباراً يتابعون بحماس برامج مثل Arabs Got Talent لسبب بسيط وهو الحاجة الحقيقية لبرامج ترفيهية ومسرحية تشبع تطلعهم إلى الأنواع المختلفة من الفنون والعروض المسرحية والجماهيرية. في حلقة الأسبوع الماضي للتصفيات كنا على موعد لا يمكن نسيانه أو تجاهل الكتابة عنه، وهو العرض المسرحي المدهش الذي قدمه مجموعة من الشباب السعوديين الموهوبين، والذين عرفوا باسم خواطر الظلام، حيث قدموا عرضاً يمكن وصفه على طريقة الفنان ناصر القصبي بأنه جميل جميل جميل، بينما أجد أن الوصف المناسب له هو ما عبر عنه علي جابر وهو الأقرب لواقع هذا الفريق المسرحي المدهش إذ قال: إنه جدير بأن يقدم في لاس فيجاس وأن الأفق كله أمامكم. هذا العرض الجميل تمثل في: عرض أشخاص يرتدون ألوانا زاهية تتحرك في الظلام، حيث ظهر طفل يقود دراجة ومن ثم يقف ويمسك بميكروسكوب ويشاهد النجوم والكواكب.. فيظهر رجل كبير في السن بشخصية ساحر ويعطيه كتابا وينقله بشكل ساحر ليظهر الطفل محلقا بين الكواكب والنجوم ويشاهدها وهو يرتدي زي رجال الفضاء.
مثل هذا العرض الإبداعي من مجموعة شباب مسرحيين هواة ألا يجعلنا نتوقف لنطرح السؤال أو المطلب والذي أعتقد أنه طرح مرارا وتكرارا.. لماذا لا نحظى بمسرح حقيقي حتى يمكن لنا أن نستمتع بمثل هذه العروض؟ لماذا فقط نشاهدها بشكل عرضي في أحد البرامج التلفزيونية والتي تقدمها ضمن العشرات من العروض؟ ولماذا مثل هؤلاء الموهوبين جدا لدرجة الإدهاش يظلون خلف الكواليس ولا يجدون لهم أماكن تليق بموهبتهم، ولا جمهورا يشاهدهم؟ وحتى أقرب لكم حقيقة غياب المسرح بكل فنونه الجميلة يمكن أن نلقي نظرة سريعة على حياة فريق خواطر الظلام، والذين فعلا هم جديرون بالعرض في أكبر المسارح العالمية، فهم عبارة عن أربعة عشر شابا تواصلوا عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتوفر لهم أية موارد مالية، بحيث اضطرهم هذا أن يتدربوا فوق السطح وفي أوقات متأخرة من الليل لظروف الحياة اليومية! مؤلم ألا يجد مثل هؤلاء الشباب المدهشين مكانا يوفر لهم احتياجاتهم البسيطة، البسيطة جدا.. مسرحا، دعما، وقتا، فرصة. كل هذا حدث مع مجموعة خواطر الظلام الجديرين فعليا بمساحة محبة، ومساحة مكان داخل وطنهم. وأكاد أجزم أن مثلهم كثيرون ضاقت بهم الأماكن والإمكانات.
إن أقل من يمكن أن نقدمه لجمال فنهم وعرضهم هو أن ندعمهم بما يليق فعلا بفنهم. هم لا يمتلكون عصاً سحرية ولكنهم يمتلكون ما هو أكثر سحراً، لقد تحدوا الجاذبية بالعرض الذي قدم وجوها وكأنها تطير في الظلام من خلال خلفية سوداء. وهذا يرمز كثيرا إلى واقع المسرح السعودي إلى حد كبير، نعم لقد تجاوزوا جاذبية الظروف غير المهيأة والتي تدفعهم للأسفل وحلقوا بفنهم، وإرادتهم، وبنا ونحن نطالعهم فخورين بهم كثيراً. وأقول لهم هنا.. يا عصاميون يا مبدعون ينطبق عليكم المثل نفسُ عِصامٍ سَوَّدَتْ عصاما.