إذا كان اشتهر عربيا «صورة المثقف» أحد أشهر كتب الراحل إدوارد سعيد، فهناك (ما هو الإطار التاريخي والثقافي الذي تندرج فيه صورة المثقف؟)، سؤال ضخم شاع قبل صدور كتاب سعيد.
ثمة من يقول إن «المثقف شخص كوني»، وهو في الوقت عينه فاعل ملتزم بمجتمع وثقافة محددين، في حين التقاليد الكبرى مثل المرجعيات الدينية والتاريخية، تذهب إلى امتلاك الحقيقة وإعلان مسؤوليتها عنه، وما بين هذا وذلك تتموقع صورة المثقف وسط استقلالية معينة مع بعض التعالي طبقا لما هو واقع، واستنادا على الموروث التاريخي.
الأكاديمي الفرنسي (جيرار ليكلرك) قارب هذه الإشكاليات التي ما زالت تطرح حول علاقة المثقف بمحيطه وتاريخه في كتابه (سوسيولوجيا المثقفين) - علم اجتماع المثقفين - الذي نقله للعربية الدكتور جورج كتوره.
ويضيف كتوره: إذا نظرنا إلى شخصية المثقف الاجتماعية، فإنه لا بد لنا أن نصدم بازدواجية شخصيته وسط المجتمع الذي يحيا فيه. يقوم ذلك على التوتر بين النقل المحافظ لقيم السلف من جانب، وعلى التجديد الخلاق من جانب آخر. تشكّل هذه الازدواجية بحد ذاتها وفي جزء كبير منها إجابة على حدث التاريخ ومسيرته. فالمثقفون يشكلون نوعاً من التناوب بين بنى النظام عند المجموعة وتأثيرات الحدث المحتملة... تعود وظيفتهم في قدمها إلى العصور البعيدة التي شهدت ولادة الكتابة والدولة، وإلى وضعية الكاتب التي تشير إلى الإمبراطوريات والملوك والكنيسة. أما في صورته الحديثة فإن المثقف قد ارتبط بشكل حميمي مع القطيعة التي دخلت قلب هذه الوظيفة السحيقة القدم، عبر ولادة الدولة العلمانية الحديثة، حيث تتطور وتتضاعف النشاطات الدنيوية، من خلال العلم والتكنولوجيا والثقافة العلمانية ووسائل الإعلام إلخ...
يعتبر المثقف شخصاً كونياً، لا من حيث ظرفه التاريخي والثقافي الحديث وحسب، بل بسبب رؤيته المهنية القديمة جداً البحث عن الحقيقة في مختلف دوائر النشاط الإنساني)؟
وإذا كان الكتاب ينظر إلى سوسيولوجيا المثقفين من زاوية غربية صرفة، وأحياناً من زاوية فرنسية حصرية إلا أنه يقدم مع ذلك رؤية بانورامية يمكن الاستفادة منها في التوسع إلى مجتمعات أخرى وإلى فئات مثقفة أخرى، وهذا ما فعله أحياناً، إذ مد دراسة إلى الأفق الروسي وناقش ما عرف هناك بالأنتلجنسيا وعلاقة ذلك بالثورة، قبلها ومعها، وبعدها، والعلاقة بالمثقف في الجوار الأوروبي. ولم ينسَ النظرة الأميركية لذلك وتوسع هذا المفهوم على المتعاطين بالأدب والعلم والفن والنشر والصحافة، ويأتي ذلك انطلاقاً من فكرة التأثير في الرأي العام عموماً، وعلاقة المثقف أيضاً بالإعلام، سواء باستعماله لوسائل الإعلام أو بالدعاية الاجتماعية أو بالمشاركة في الحياة العامة.
حتى قبل أن يظهر تعبير «المثقفون» فإن مشكلة العلاقة بين من يكتبون ويفكرون (النخبة الثقافية) كانت مشكلة مطروحة. ومنذ بداية القرن التاسع عشر، وحين أخذ الشعب صفة الفاعل والبطل التاريخي في الثورة الفرنسية جعل العديد من الكتاب مسألة العلاقة بينهم وبين هذه القوة السياسية الجديدة في صلب اهتمامهم، وهكذا طرح السؤال حول هذه الطبقة الناشطة المضطهدة والمغلوبة على أمرها، بل الخطيرة في بعض الأحيان كيف يمكن أن نساعد الشعب؟ كيف يمكن الذهاب إليه؟ ماذا يتوجب على الكتاب فعله من أجل البروليتاريا؟ كيف تكون العلاقات بين المثقفين وبين الطبقات الشعبية؟
إن ادعاء المثقفين التكلم باسم «الشعب» وجعل أنفسهم ممثلين له أو ناطقين باسمه، ليس مسألة بسيطة أو مسألة سياسية، بل هي مسألة سوسيولوجية.
درس الفلسفة في جامعة السوربون
يحمل درجة دكتوراه في الأنثربولوجيا الاجتماعية 1969.
أبرز مؤلفاته:
الأنثروبولوجيا والاستعمار
تاريخ السلطة
مجتمع التواصل والعولمة الثقافية
ثمة من يقول إن «المثقف شخص كوني»، وهو في الوقت عينه فاعل ملتزم بمجتمع وثقافة محددين، في حين التقاليد الكبرى مثل المرجعيات الدينية والتاريخية، تذهب إلى امتلاك الحقيقة وإعلان مسؤوليتها عنه، وما بين هذا وذلك تتموقع صورة المثقف وسط استقلالية معينة مع بعض التعالي طبقا لما هو واقع، واستنادا على الموروث التاريخي.
الأكاديمي الفرنسي (جيرار ليكلرك) قارب هذه الإشكاليات التي ما زالت تطرح حول علاقة المثقف بمحيطه وتاريخه في كتابه (سوسيولوجيا المثقفين) - علم اجتماع المثقفين - الذي نقله للعربية الدكتور جورج كتوره.
وظيفة سحيقة القدم
رأى كتوره في تقديمه للكتاب أن (اقتراح تقديم لسوسيولوجيا المثقفين هو بمثابة امتحان طموح قبل أوانه، ربما، ذلك نظراً لاتساع الموضوع لا سيما في إطار عمل بأبعاد صغيرة).ويضيف كتوره: إذا نظرنا إلى شخصية المثقف الاجتماعية، فإنه لا بد لنا أن نصدم بازدواجية شخصيته وسط المجتمع الذي يحيا فيه. يقوم ذلك على التوتر بين النقل المحافظ لقيم السلف من جانب، وعلى التجديد الخلاق من جانب آخر. تشكّل هذه الازدواجية بحد ذاتها وفي جزء كبير منها إجابة على حدث التاريخ ومسيرته. فالمثقفون يشكلون نوعاً من التناوب بين بنى النظام عند المجموعة وتأثيرات الحدث المحتملة... تعود وظيفتهم في قدمها إلى العصور البعيدة التي شهدت ولادة الكتابة والدولة، وإلى وضعية الكاتب التي تشير إلى الإمبراطوريات والملوك والكنيسة. أما في صورته الحديثة فإن المثقف قد ارتبط بشكل حميمي مع القطيعة التي دخلت قلب هذه الوظيفة السحيقة القدم، عبر ولادة الدولة العلمانية الحديثة، حيث تتطور وتتضاعف النشاطات الدنيوية، من خلال العلم والتكنولوجيا والثقافة العلمانية ووسائل الإعلام إلخ...
المثقف شخص كوني
الكتاب كتبه مؤلف فرنسي، ولصالح جمهور فرنسي أي أنه قد تحدد من الناحية الثقافية، ما يثير السؤال حول الإطار التاريخي والثقافي للمثقف غير الفرنسي، العربي تحديدا، إذ يتساءل مترجم الكتاب (هل سيتعرف المثقفون الناطقون بالعربية على ذواتهم في صفحات الكتاب؟ إذا سلمنا أن الحداثة واحدة، بمعنى أنها تجري على صعيد عالمي، بالتالي فهي لا يمكن أن تكون إلا واحدة بقدر ما تضم مجمل المجتمعات الموجودة وكلية الحضارات الحيّة، إذ سلَّمنا بذلك نصل إلى استنتاج يقول إن المثقف شخص كوني، وهو في الوقت نفسه فاعل ملتزم بمجتمع وبثقافة محددة. وهذا ما يميزه هنا عن أسلافه الذين ترتبط نشاطاتهم وعقائدهم ووظائفهم بقوة بجزئيات التقليد الديني والثقافي حيث يتكاملون معها.يعتبر المثقف شخصاً كونياً، لا من حيث ظرفه التاريخي والثقافي الحديث وحسب، بل بسبب رؤيته المهنية القديمة جداً البحث عن الحقيقة في مختلف دوائر النشاط الإنساني)؟
التأثير في الرأي العام
يقدم الكتاب بدايةً عرضاً تاريخياً لظهور المثقف بصوره المتعددة وصولا إلى عصر الأنوار، أو إلى التنوير كما تشاء الفلسفة الألمانية تسمية ذلك العصر، حيث قُدِّر للمثقفين، وربما لأول مرة لعب أدوار منشطة في الحياة الاجتماعية والسياسية. مع الأنوار صار المثقف شخصية قائمة بذاتها وحيوية، وصاحبة دور. وهذا ما أشار إليه كانط منذ أن وضع المقالة الأولى في معنى التنوير وإسناده التنوير إلى العقل، ما يعني ترادف ذلك مع العقلانية علماً أن المثقفين المعاصرين قد دفعوا بمسحة العقلانية التي بلغت حد العقلانية الأداتية بعض الشيء إلى الوراء، لتقديم مسحات أخرى، كالإنسانية،مثلا، وجيرار ليكلرك لا ينسى ذلك بل يركز عليه في فصول متعددة ولدى تطرقه لبعض شخصيات المثقفين.وإذا كان الكتاب ينظر إلى سوسيولوجيا المثقفين من زاوية غربية صرفة، وأحياناً من زاوية فرنسية حصرية إلا أنه يقدم مع ذلك رؤية بانورامية يمكن الاستفادة منها في التوسع إلى مجتمعات أخرى وإلى فئات مثقفة أخرى، وهذا ما فعله أحياناً، إذ مد دراسة إلى الأفق الروسي وناقش ما عرف هناك بالأنتلجنسيا وعلاقة ذلك بالثورة، قبلها ومعها، وبعدها، والعلاقة بالمثقف في الجوار الأوروبي. ولم ينسَ النظرة الأميركية لذلك وتوسع هذا المفهوم على المتعاطين بالأدب والعلم والفن والنشر والصحافة، ويأتي ذلك انطلاقاً من فكرة التأثير في الرأي العام عموماً، وعلاقة المثقف أيضاً بالإعلام، سواء باستعماله لوسائل الإعلام أو بالدعاية الاجتماعية أو بالمشاركة في الحياة العامة.
العلاقات مع الطبقات الشعبية
يستعرض كليرك كيف كان علماء الاجتماع الأمريكيون أول من حاول تقديم تحليل منظم تناول طبيعة المثقف ووظيفته. ويقول (صحيح أن ما قالوه قد دار بشكل عام حول الوظيفة الثقافية ولم يتناول المثقفون المعاصرين المثقفين بالمعنى الحصري للكلمة، باعتبارهم المميزين عن المتعلمين والكهنة الذين سبقوهم زمنياً).حتى قبل أن يظهر تعبير «المثقفون» فإن مشكلة العلاقة بين من يكتبون ويفكرون (النخبة الثقافية) كانت مشكلة مطروحة. ومنذ بداية القرن التاسع عشر، وحين أخذ الشعب صفة الفاعل والبطل التاريخي في الثورة الفرنسية جعل العديد من الكتاب مسألة العلاقة بينهم وبين هذه القوة السياسية الجديدة في صلب اهتمامهم، وهكذا طرح السؤال حول هذه الطبقة الناشطة المضطهدة والمغلوبة على أمرها، بل الخطيرة في بعض الأحيان كيف يمكن أن نساعد الشعب؟ كيف يمكن الذهاب إليه؟ ماذا يتوجب على الكتاب فعله من أجل البروليتاريا؟ كيف تكون العلاقات بين المثقفين وبين الطبقات الشعبية؟
إن ادعاء المثقفين التكلم باسم «الشعب» وجعل أنفسهم ممثلين له أو ناطقين باسمه، ليس مسألة بسيطة أو مسألة سياسية، بل هي مسألة سوسيولوجية.
جيرار ليكلرك
ولد في فرنسا العام 1943درس الفلسفة في جامعة السوربون
يحمل درجة دكتوراه في الأنثربولوجيا الاجتماعية 1969.
أبرز مؤلفاته:
الأنثروبولوجيا والاستعمار
تاريخ السلطة
مجتمع التواصل والعولمة الثقافية