ظل يجادلني لنصف ساعة أن حضارة الغرب التقنية وصناعته المدهشة إنما قامت على سرقة – الموروث – العربي، مثلما كان يسرد للبرهان شواهد الرازي وابن سينا وابن الهيثم. هو ميكانيكي برتبة مثقف. وبالطبع هو لا يعلم أنني لا أرى في أنفسنا، بالقران مع توصيف الحضارة المادية بالتحديد، إلا ساعة رملية توقفت منذ ألف سنة، ويحتاج كل عام منها إلى سنة ضوئية للحاق بالركب العالمي.
مشكلتنا مع نقد العقل العربي أننا لا نقف معه في حالة من المكاشفة ونهرب إلى التهمة المعلبة الجاهزة لكل من يحاول كشف البراهين والشواهد على ما أسماه المفكر السعودي عبدالله البليهي بـ(صناعة التخلف). نقحم الدين، تهمة، في وجه من يتجرأ على توصيف ونقد واقعنا كعالة على الأمم المنتجة. نهرب إلى الوراء ألف سنة لسوق الحجج والبراهين على أن هذا العالم سرق بناءه المادي الحضاري من بطون أمهات الكتب العربية ومن وثائق الرياضيات والعلوم المكتوبة على جلود الأنعام وورق البردي.
وما يزعج أصلاً في النقاش أن الحديث في ورشة أو مخرطة بين زبون وميكانيكي لا يختلف في شيء عن الحديث في صوالين النخب الثقافية العليا حول هذه المسألة. كلا الفريقين المتناقضين يرى أن الطائرة النفاثة من طراز – دريم لاينر – هي امتداد لتجربة عباس بن فرناس، وأن غرفة عمليات القلب المفتوح هي نهاية لاجتهادات الرازي أو ابن الهيثم. ولعله لهذا نعيش اليوم برقبة معوجة لا تنظر إلا إلى الخلف: إلى ألف سنة من قبل، ولهذا سقطنا في الحفرة الهائلة التي لم نشاهدها ذات يوم مضى على بعد خطوة. المستقبل كان خلف هذه الحفرة لكننا بالطبع لم نشاهده ولم نتلمس طريقه.
والقصة فيما بيني وبين الميكانيكي، هي قطعة غيار تافهة انتظرناها لأسبوع حتى تصلنا أصيلة أصلية من خراج العقل الأميركي، ولولا سيارة السائق لكنت أذرع الأرض في مشاوير عائلتي الكثيرة، تماماً مثلما كان جدي الأعلى برأس المقال في اسمي يذرع القرى من حولنا من أجل عود الكبريت الذي كانت مواد صناعته في غرفة أغنامه ولكنه لم يتوصل إلى الطريقة المثلى لإشعاله. والكارثة أن بيننا من يقول إن هذا الغرب المجرم يعيش على سرقة خيرات شعوبنا ويمتص أغلى عقولها المهاجرة. وصدقوني أن تلك الجملة هي صلب مقرر دراسي يدرس في كل الجامعات، كتبناه على الورق المنهجي الفاخر الذي صنعته شركة – تيرا – الكندية. قبح الله هذا الغرب الحرامي الذي نعيش على خراج سرقاته.