لقد تكرست عادة التسوق وصارت إدماناً سعودياً، مما جعل الأسواق خيار السعوديين الأول في الداخل والخارج، فتراهم يتباشرون عند افتتاح أي 'مول' جديد والسبب هو غياب الخيارات البديلة في مجتمع لا تتوفر لأهله إلا متعة التسوق

لا شك أن المواطن السعودي يستجلب العطف والشفقة، فهو الكائن البشري الوحيد الذي لا يتقن التنزه والترفيه على أصوله، ولا يجده إلا في الأسواق والمولات المركزية الكبرى، وذلك باعتبار محدودية اختياراته وحصريتها. فليس أمام المرأة بوجه أخص إلا السوق، تذهب إليه غالباً دون حاجة ملحة أو أساسية، لكنها أمام فتنة الفترينات وطرائق العرض الجاذبة تنصاع وتشتري ما لم يخطر على بالها ولم يكن ضمن تخطيطها عندما وطأت أقدامها السوق.. وهكذا تدخل محلاً وتغادره إلى آخر وثالث ورابع، فإذا نال منها التعب ـ وقليلا ما يحدث ذلك للمرأة كما يحدث غالباً للرجل ـ فإنها تميل بصحبة أطفالها إلى قسم المطاعم للتزود من وقود الراحة والأكل ثم تعود للفرجة والتنقل بين محلات لم تغشها في الجولة الأولى، ثم توسوس لها نفسها الأمارة بالاستهلاك، بنقص في ملابس الأولاد والبنات، وتدفعها ذات النفس إلى أن ما يملأ دواليب البيت قد صار دقة قديمة وعليها التزود من الأحدث والأجمل والأميز، ثم تصعد بها وسوستها إلى أن البضاعة التي تقتنيها إنما هي على حالين: فمنها ما هو ملبوس البيت والأهل الأقربين ومنها ما هو للغير من الضيوف والأغراب الذين يجب التحوط أمامهم بلبس مميز وشاهر وذائع صيته مما يخص النخبة، وهو ما يدخل تحت طائلة الماركة والتي لها سحرها مهما كان غلاء سعرها.. وهكذا فقد تسببت محدودية الخيارات الترفيهية في جعل السوق الملاذ الأول ويكاد يكون الأخير، ومن هنا نشأت نزعة الاستهلاك لدى الأسرة السعودية على نحو مبالغ فيه بما يفاقم المشكلة المادية لدى كثير من أرباب الأسر الذين يجرفهم هذا التيار فيرهقهم صعوداً إلى مديونية قد يضطر إليها البعض بدافع المجاراة والمحاكاة واستجابة للمبدأ الاقتصادي الشهير العرض والطلب، فقد انتشرت تبعاً لذلك الأسواق الكبرى في مدننا حتى صارت في كل شارع وسكة بقدر لا يتوفر كمياً في كل بلاد العالم كما هو لدينا.
لقد تكرست عادة التسوق وصارت إدماناً سعودياً، مما جعل الأسواق خيار السعوديين الأول في الداخل والخارج، فتراهم يتنادون ويتباشرون عند افتتاح أي مول جديد في دبي أو الرياض أو جدة، وأنا أعلم سلفاً أن التسوق عادة أو آفة نسائية منذ الأزل عندنا وعند سوانا، لكنها أوضح وأفدح لدينا، والسبب هو غياب الخيارات البديلة في مجتمع لا تتوفر لأهله إلا متعة التسوق وتغيب عنهم متعة الذهاب للمسرح أو التواعد لمشاهدة أحد الأفلام المعروضة، والتسوق لا يقتصر على اعتياد الأسواق النسائية ولكنه يمتد إلى ارتياد الأسواق الغذائية المركزية، أحياناً للحاجة الفعلية وأحيانا أخرى لتزجية الفراغ وقتله، وبنفس الحال فإن غشيان هذه السوق سيدفعك غالباً بسبب إغراءات العرض لتعبئة السلال بما لذ وطاب من الأطعمة والمشارب أحياناً بما يفيض عن الحاجة، وبما قد يكون متوفراً أصلاً في البيت مما يراكم الموجودات الغذائية في ثلاجات المنازل بما يؤدي إلى انتهاء صلاحية الكثير منها، مما يضطر الأسرة أو العاملة المنزلية إلى رمي هذه الأغذية لفقد صلاحيتها، وهو ما قد يجرنا لاحقاً ـ لا سمح الله ـ إلى عقوبة ربانية تسببنا فيها بإهمالنا وعدم تقديرنا وشكرنا لهذه النعمة.
اللهم أدم علينا نعمك ظاهرة وباطنة ولا تؤاخذنا بما فعل المتسوقون المبذرون السفهاء منا.