«محمد عبد الوهاب، محمود الشريف، جورج إبراهيم الخوري، بليغ حمدى، محمد الموجى، أحمد فؤاد حسن، محمود لطفى، محمد بديع سربية»، ثمانية أسماء بينهم عمالقة التلحين وموسيقيون وكتاب صحافيون، جمعتهم محبة الموسيقار المختلف في كتاب عنه حمبل عنوان ( فريد الأطرش / بين الفن والحياة) ، نثروا بين جنباته المضمخة بعبق أنغامه ، مشاعرهم، في صفحات بدت عاطفية أكثر منها نقدية، تميزها مناقبية تتناول التاريخ الشخصي، لأحد أبرز وأهم صناع الموسيقى والأغنية في العالم العربي بالقرن العشرين، منذ نزوحه لمصر في سن مبكرة مع أسرته وبزوع نجمه، حتى وفاته عام 1974. عواطف متدفقة
عقب وفاة فريد شكلت لجنة من أصدقائه، وفى أول اجتماع للجنة اختار الأعضاء عبد الوهاب رئيساً للجنة، ففريد كان يمنحه ثقته الكاملة.. صديقاً وأخاً وفناناً كبيراً، بادر عبدالوهاب إلى تحويل العواطف الضخمة نحو الأطرش إلى أعمال ملموسة، تؤكد مساهمته الغنائية ودوره الموسيقى ومكانته الفنية. بدأ التفكير في إصدار هذا الكتاب، لكي توضع أمام القارئ صورة متعددة الجوانب للشخصية، التي كان عليها فريد الأطرش إنساناً.. وموهوباً وفناناً كبيراً. فتدفقت عواطف أصدقاء ومحبى فريد الأطرش.
تلك كانت رؤية عبد الوهاب الذي يضيف: «إني ربما أستطيع أن أضرب أمثلة عديدة في هذا الاتجاه من بين أعمال فريد الأطرش مثل «وياك.. وياك.. مطرح ما تروح وياك».. أو مثل أغنية «يا زهرة في خيالي... التي أثبت فيها فريد الأطرش مدى تفتحه المبكر على الموسيقى الغربية.. ومدى قدرته على التطوير في الحدود التي لا تخرج موسيقانا عن طابعها الأصلى وإطارها الشرق».
إن هذا الطابع نستطيع أن نجده في كثير من الأعمال الموسيقية، التي تركها لنا فريد الأطرش، ومعظمها أعمال نستطيع أن نجد فيها الجملة الموسيقية التي تتمتع بالأصالة والجمال والتميز. مساعدة الأخت وتطرق الكاتب محمود الشريف للقيمة الفنية الحقيقية لفريد الأطرش، مشيرا إلى أنها لم تبدأ إلا مع خروجه من فرقة بديعة مصابني، موضحا أن أول لحن حقق له النجاح والانتشار معاً هو لحنه المشهور «ليالي الأنس في فيينا»، الذي غنته أسمهان في فيلم «غرام وانتقام».
ساعدت أسمهان أخاها فريداً مرتين: مرة بصوتها الناجح الممتع المنتشر، ومرة بحجم الفرص التي كانت تقتنصها لفريد وتدفعه هو أيضاً إليها، من أجل هذا كانت خسارة فريد بموت أسمهان خسارة مضاعفة، إنها خسارة عاطفية لأخت.. وفوق ذلك خسارة عاطفية لشريكة فن ومستقبل، ومع الوقت والإرادة استطاع فريد أن يتغلب على تلك الفجيعة الشخصية ويدفنها في داخله.. منطلقاً لتحقيق ذاته في المجال الفني العريض والخصب، الذى انشق أمامه وشقه لنفسه.
ورأى الملحن محمود الشريف أن القيمة الفنية الحقيقية لفريد الأطرش لم تبدأ إلا مع خروجه من فرقة بديعة مصابني . أول لحن حقق له النجاح والانتشار معاً هو لحنه المشهور « ليالي الأنس في فيينا "الذي غنته أسمهان في فيلم «غرام وانتقام » . كانت أسمهان نموذجاً رائعاً للأخت التي تشغل نفسها تماماً بمستقبل أخيها . . كانت أكثر من أحس بفريد وفهمه وعرفه تماماً وبالتالى حجم الفرصة التي يحتاج إليها إخراج تلك الموهبة إلى الناس .
كانت أسمهان موهبة صوتية فذة .. وكانت تمثل فعلا لوناً صوتياً وغنائياً متميزاً ، لم يألفه الناس من قبل ، مع أنهم بمجرد أن يسمعوا غناءها كانوا يألفونها فوراً . . إن حجم موهبته
أسمهان المطربة كانت تشجى الناس. .. وتؤثر فيهم تماماً . ومن يسمعها مرة . . لم يكن يقدر له أن ينساها بعد ذلك مطلقاً . وقد ساعدت أسمهان أخاها فريداً مرتين : مرة بصوتها الناجح الممتع المنتشر . ومرة بحجم الفرص التي كانت تقتنصها لفريد وتدفعه هو أيضاً إلها . من أجل هذا كانت خسارة فريد يموت أسمهان خسارة مضاعفة . إنها خسارة عاطفية لأخت . . وفوق ذلك خسارة عاطفية لشريكة فن ومستقبل . فريد استطاع مع الوقت والإرادة ، أن يتغلب على تلك الفجيعة الشخصية ويدفنها في داخله .. منطلقاً لتحقيق ذاته في المجال الفني العريض والخصب الذى انشق أمامه وشقه لنفسه.
كان فريد مقبلا على الحياة تماماً .. وإلى آخر مدى .. كان يعيش كملك .. أو كأمير ، ولم يكن يهمه في قليل أو كثير أن يستغل هو نفسه .. أو أن يستغله الآخرون . ولكي أعطى مثالاً واحداً على ذلك .. فإننى أذكر القارئ مبدئيا بأن فريد الأطرش كان عازفاً بارعاً على آلة « العود » . . إن لم يكن هو أعظم عازف في العالم العربي كله ولأنه لم يكن مجرد عازف .. وإنما كان أيضًا موسيقياً ، وبالتالي فهو يفكر فيما يعزفه فإن احتمالات النجاح الفنى والتجارى كانت أمامه على مصراعيها .. لو أنه قدم للجمهور مجموعة أسطوانات من العزف المنفرد على العود .. أو العزف المنفرد مصحوباً بفرقة . إن السينمائيين كانوا يقصدون " حبيب العمر » . . فريد الأطرش ، ولقد كان نجاح أفلامه السينمائية فى حد ذاته مقياساً يقيسون به الآخرين.
وختم بليغ مشاركته متحسرا : رغم هذا كله .. فإن نجاح وشعبية فريد الأطرش .. كان أقل مما يستحق .
بدأت رحلة فريد الأطرش مع الموت... قبل أن يموت فعلا بشهرين ! فقبل وفاته بشهرين كان فى القاهرة يمثل آخر لقطات فيلمه الجديد «نغم في حياتي»، في إحدى فيلات شارع سليمان باشا.. عندما قال له المخرج هنري بركات: يجب أن تستبدل بنطلونك هذا ببنطلون آخر، وخلع فريد بنطلونه، ثم نزع منه كل ما يحتويه مصحف صغير موضوع في كيس ذهبي، اعتاد أن يدسه في الجيب الأمامي، وعاد إلى الطاولة، ثم ارتد صارخاً: طار المصحف.
وتقدمت منه مديرة أعماله دينيز جبور وقالت له: ما بك تصرخ ؟
قال وهو ينقب في الطاولة وتحتها وحولها: المصحف يا دينيز، تركته هنا!
وبحثت دينيز عن المصحف فلم تجده، لقد امتدت إليه يد خفية وسرقته... وأطرق فريد وهو يلهث، ثم بدت على وجهه المتجهم علامات التشاؤم وهو يقول.. انتهى الأمر.. خلاص! وقالت له صديقته: ماهو الأمر الذي انتهى؟ قال فريد وقد لمعت عيناه الغائرتان ببريق دمع: كان هذا المصحف ضمانتى وحرزى وصلاتي، التي تبعد الشر عنى... أما الآن فقد أصبحت بلا سلاح مقدس.
قالت الصديقة: لا تخف.. يكفى أنك مؤمن بالله. ولم يجب.. بل لملم نفسه ومشى.. كان هذا المصحف المبارك الثمين هدية عزيزة على قلب فريد، من سامية جمال أهدته إياه منذ خمس وعشرين سنة، كانت في قمة حبها له.. قالت له ذات ليلة من ليالى البحث عن تتويج ذلك الحب الكبير بالزواج: لا أملك أثمن هذا المصحف لأقدمه لك عربون حب ووفاء. احفظه يا فريد.. لأنه يقيك من كل الشرور. وحفظه فريد الأطرش طوال خمس وعشرين سنة، لم يتركه يوماً واحداً، وكان كلما اشتد به الألم وأحدق الخطر وعصف الشر، أمسك بالمصحف وأغمض عينيه وهتف: يارب.
وبعدما ضاع المصحف أو سُرق، أحس فريد بما كان قد أحس به شمشون، وتشاءم وأطلق كلماته الثلاث الرهيبة: «خلاص... انتهى الأمر».. آخر كلمات قرأها ومن يومها تبدل إحساس فريد الأطرش بالحياة. وكان كلما مد يده إلى جيبه الصغير باحثاً عن المصحف الضائع، تمتم بصمت: يا ساتر يارب.
إلى أن كانت رحلته الأخيرة إلى لندن. لقد حان موعده المحدد فى لندن العاصمة البريطانية، هناك من تسبب في موته؟ مرض القلب وحده؟ العلاج الذى لم يكن واقياً؟ هل هو الدواء الكثير؟ هل هو السهر الطويل؟ هل هو العذاب الدائم؟ هل هو الحب من غير أمل؟ هل هو عدم الانقياد إلى رغبات الأطباء للهدوء والراحة الاستسلام للسرير؟ هل هو في تحدى النصيحة الحاسمة التي قالها له الدكتور دبغى: إما أن تغنى وتموت وإما أن تعتزل وتعيش؟
يبقى السؤال الكبير الذى لاح على شفاه الناس، وهم يذرفون الدموع على موسيقارهم المحبوب.. ويرددون إنه لا يزال صغيراً.. فلماذا مات؟
ويختم خوري تساؤلاته بقوله: إن الذي قتل فريد الأطرش هو فريد الأطرش.. قتله حبه لفنه. وقتـــله إحساسه بوجوده وقتله حبه لجمهوره الذى كان يطالب به إلى الأبد.. وقتله حقده على قلبه الذي أعطى الفن والحب والدنيا كل شيء.. ولم يعطه هذا القلب شيئاً، وقتله مع حقده على قلبه حبه الكبير للحياة.
ولكن الذي لم يقتله أبداً هو إيمانه بالله تعالى.. خالق السماوات والأرض ومانح الحياة لمن يشاء، والذي لا تسقط شعرة من رؤوسنا إلا بإذنه وإرادته.
*فريد الأطرش «1917 - 1974»
*موسيقي ومطرب وممثل سوري/مصري.
*ينتمي إلى آل الأطرش أمراء جبل الدروز.
عقب وفاة فريد شكلت لجنة من أصدقائه، وفى أول اجتماع للجنة اختار الأعضاء عبد الوهاب رئيساً للجنة، ففريد كان يمنحه ثقته الكاملة.. صديقاً وأخاً وفناناً كبيراً، بادر عبدالوهاب إلى تحويل العواطف الضخمة نحو الأطرش إلى أعمال ملموسة، تؤكد مساهمته الغنائية ودوره الموسيقى ومكانته الفنية. بدأ التفكير في إصدار هذا الكتاب، لكي توضع أمام القارئ صورة متعددة الجوانب للشخصية، التي كان عليها فريد الأطرش إنساناً.. وموهوباً وفناناً كبيراً. فتدفقت عواطف أصدقاء ومحبى فريد الأطرش.
بدأ عازفا
كونه من محبيه وأقرب الناس إليه، استهل عبدالوهاب الحديث قائلا : عندما حل فريد الأطرش بمصر لأول مرة، لم يكن المناخ الفنى مهيأ لاستقباله هو، بقدر ما كان مهيأً لاستقبال أخته «أسمهان». كانت الأصوات السائدة والمتنافسة فنياً تتراوح بين منيرة المهدية وفتحية أحمد وأم كلثوم. وفى وسط تلك المنافسة، جاءت أسمهان متميزة بصوت حلو النغمات، حديث الأسلوب مختلف النبرة، بالإضافة إلى الصفات الأخرى التي لا بد أن تتوافر في صوت المطربة، التي تريد أن يكون تعبيرها سليماً وممتازاً في الغناء الشرقي، وأمام العقبات الكثيرة التي وجد فريد الأطرش نفسه يواجهها، وأهمها أن المناخ الفنى لم يكن مهيأ أساساً لاستقباله.. فإن فريد الأطرش لم يجد بدا من أن يبدأ حياته الفنية عازفاً على العود، مع الفرقة الموسيقية التي تصاحب أسمهان في الغناء. في تلك الفترة حاول فريد أيضاً أن يعمل بمفرده.. عازفاً ومطرباً عند «بديعة مصابني»، ولكنه لم يحقق لنفسه النجاح المطلوب، بل واجه ما هو أكثر من ذلك.. خلال تلك السنوات المبكرة من حياته.الأصالة والجمال
التركيبة الموسيقية التي ابتكرها فريد في ألحانه، لا يمكن أن تخرج إلا من عقل موسيقى نابغ يضع في الجملة الموسيقية من الهندسة والفن، ما يضعنا في النهاية أمام موهبة فريد الموسيقية كاملة.تلك كانت رؤية عبد الوهاب الذي يضيف: «إني ربما أستطيع أن أضرب أمثلة عديدة في هذا الاتجاه من بين أعمال فريد الأطرش مثل «وياك.. وياك.. مطرح ما تروح وياك».. أو مثل أغنية «يا زهرة في خيالي... التي أثبت فيها فريد الأطرش مدى تفتحه المبكر على الموسيقى الغربية.. ومدى قدرته على التطوير في الحدود التي لا تخرج موسيقانا عن طابعها الأصلى وإطارها الشرق».
إن هذا الطابع نستطيع أن نجده في كثير من الأعمال الموسيقية، التي تركها لنا فريد الأطرش، ومعظمها أعمال نستطيع أن نجد فيها الجملة الموسيقية التي تتمتع بالأصالة والجمال والتميز. مساعدة الأخت وتطرق الكاتب محمود الشريف للقيمة الفنية الحقيقية لفريد الأطرش، مشيرا إلى أنها لم تبدأ إلا مع خروجه من فرقة بديعة مصابني، موضحا أن أول لحن حقق له النجاح والانتشار معاً هو لحنه المشهور «ليالي الأنس في فيينا»، الذي غنته أسمهان في فيلم «غرام وانتقام».
ساعدت أسمهان أخاها فريداً مرتين: مرة بصوتها الناجح الممتع المنتشر، ومرة بحجم الفرص التي كانت تقتنصها لفريد وتدفعه هو أيضاً إليها، من أجل هذا كانت خسارة فريد بموت أسمهان خسارة مضاعفة، إنها خسارة عاطفية لأخت.. وفوق ذلك خسارة عاطفية لشريكة فن ومستقبل، ومع الوقت والإرادة استطاع فريد أن يتغلب على تلك الفجيعة الشخصية ويدفنها في داخله.. منطلقاً لتحقيق ذاته في المجال الفني العريض والخصب، الذى انشق أمامه وشقه لنفسه.
الفجيعة الشخصية
ورأى الملحن محمود الشريف أن القيمة الفنية الحقيقية لفريد الأطرش لم تبدأ إلا مع خروجه من فرقة بديعة مصابني . أول لحن حقق له النجاح والانتشار معاً هو لحنه المشهور « ليالي الأنس في فيينا "الذي غنته أسمهان في فيلم «غرام وانتقام » . كانت أسمهان نموذجاً رائعاً للأخت التي تشغل نفسها تماماً بمستقبل أخيها . . كانت أكثر من أحس بفريد وفهمه وعرفه تماماً وبالتالى حجم الفرصة التي يحتاج إليها إخراج تلك الموهبة إلى الناس .كانت أسمهان موهبة صوتية فذة .. وكانت تمثل فعلا لوناً صوتياً وغنائياً متميزاً ، لم يألفه الناس من قبل ، مع أنهم بمجرد أن يسمعوا غناءها كانوا يألفونها فوراً . . إن حجم موهبته
أسمهان المطربة كانت تشجى الناس. .. وتؤثر فيهم تماماً . ومن يسمعها مرة . . لم يكن يقدر له أن ينساها بعد ذلك مطلقاً . وقد ساعدت أسمهان أخاها فريداً مرتين : مرة بصوتها الناجح الممتع المنتشر . ومرة بحجم الفرص التي كانت تقتنصها لفريد وتدفعه هو أيضاً إلها . من أجل هذا كانت خسارة فريد يموت أسمهان خسارة مضاعفة . إنها خسارة عاطفية لأخت . . وفوق ذلك خسارة عاطفية لشريكة فن ومستقبل . فريد استطاع مع الوقت والإرادة ، أن يتغلب على تلك الفجيعة الشخصية ويدفنها في داخله .. منطلقاً لتحقيق ذاته في المجال الفني العريض والخصب الذى انشق أمامه وشقه لنفسه.
أعظم عازف
لم يشذ رأي الملحن بليغ حمدى عن الآخرين، إذ أكد أن ( فريد الأطرش) لم يكن يعرف ، أو يجيد استغلال نفسه ، وذكر موضحا : في حياته كان إنساناً بسيطاً جدا ، يعيش ليومه .. وليس التخطيط للمستقبل جزءاً من مشاغله أو همومه اليومية . هذا الجانب من شخصيته ، وجوانب أخرى كثيرة ، لم يتح لى أن أعرفها إلا عندما توثقت علاقتي به كصديق فيما بعد.كان فريد مقبلا على الحياة تماماً .. وإلى آخر مدى .. كان يعيش كملك .. أو كأمير ، ولم يكن يهمه في قليل أو كثير أن يستغل هو نفسه .. أو أن يستغله الآخرون . ولكي أعطى مثالاً واحداً على ذلك .. فإننى أذكر القارئ مبدئيا بأن فريد الأطرش كان عازفاً بارعاً على آلة « العود » . . إن لم يكن هو أعظم عازف في العالم العربي كله ولأنه لم يكن مجرد عازف .. وإنما كان أيضًا موسيقياً ، وبالتالي فهو يفكر فيما يعزفه فإن احتمالات النجاح الفنى والتجارى كانت أمامه على مصراعيها .. لو أنه قدم للجمهور مجموعة أسطوانات من العزف المنفرد على العود .. أو العزف المنفرد مصحوباً بفرقة . إن السينمائيين كانوا يقصدون " حبيب العمر » . . فريد الأطرش ، ولقد كان نجاح أفلامه السينمائية فى حد ذاته مقياساً يقيسون به الآخرين.
وختم بليغ مشاركته متحسرا : رغم هذا كله .. فإن نجاح وشعبية فريد الأطرش .. كان أقل مما يستحق .
من قتله؟!
يطرح هذا السؤال المثير الكاتب الصحفي اللبناني جورج إبراهيم الخوري قائلا:بدأت رحلة فريد الأطرش مع الموت... قبل أن يموت فعلا بشهرين ! فقبل وفاته بشهرين كان فى القاهرة يمثل آخر لقطات فيلمه الجديد «نغم في حياتي»، في إحدى فيلات شارع سليمان باشا.. عندما قال له المخرج هنري بركات: يجب أن تستبدل بنطلونك هذا ببنطلون آخر، وخلع فريد بنطلونه، ثم نزع منه كل ما يحتويه مصحف صغير موضوع في كيس ذهبي، اعتاد أن يدسه في الجيب الأمامي، وعاد إلى الطاولة، ثم ارتد صارخاً: طار المصحف.
وتقدمت منه مديرة أعماله دينيز جبور وقالت له: ما بك تصرخ ؟
قال وهو ينقب في الطاولة وتحتها وحولها: المصحف يا دينيز، تركته هنا!
وبحثت دينيز عن المصحف فلم تجده، لقد امتدت إليه يد خفية وسرقته... وأطرق فريد وهو يلهث، ثم بدت على وجهه المتجهم علامات التشاؤم وهو يقول.. انتهى الأمر.. خلاص! وقالت له صديقته: ماهو الأمر الذي انتهى؟ قال فريد وقد لمعت عيناه الغائرتان ببريق دمع: كان هذا المصحف ضمانتى وحرزى وصلاتي، التي تبعد الشر عنى... أما الآن فقد أصبحت بلا سلاح مقدس.
قالت الصديقة: لا تخف.. يكفى أنك مؤمن بالله. ولم يجب.. بل لملم نفسه ومشى.. كان هذا المصحف المبارك الثمين هدية عزيزة على قلب فريد، من سامية جمال أهدته إياه منذ خمس وعشرين سنة، كانت في قمة حبها له.. قالت له ذات ليلة من ليالى البحث عن تتويج ذلك الحب الكبير بالزواج: لا أملك أثمن هذا المصحف لأقدمه لك عربون حب ووفاء. احفظه يا فريد.. لأنه يقيك من كل الشرور. وحفظه فريد الأطرش طوال خمس وعشرين سنة، لم يتركه يوماً واحداً، وكان كلما اشتد به الألم وأحدق الخطر وعصف الشر، أمسك بالمصحف وأغمض عينيه وهتف: يارب.
وبعدما ضاع المصحف أو سُرق، أحس فريد بما كان قد أحس به شمشون، وتشاءم وأطلق كلماته الثلاث الرهيبة: «خلاص... انتهى الأمر».. آخر كلمات قرأها ومن يومها تبدل إحساس فريد الأطرش بالحياة. وكان كلما مد يده إلى جيبه الصغير باحثاً عن المصحف الضائع، تمتم بصمت: يا ساتر يارب.
إلى أن كانت رحلته الأخيرة إلى لندن. لقد حان موعده المحدد فى لندن العاصمة البريطانية، هناك من تسبب في موته؟ مرض القلب وحده؟ العلاج الذى لم يكن واقياً؟ هل هو الدواء الكثير؟ هل هو السهر الطويل؟ هل هو العذاب الدائم؟ هل هو الحب من غير أمل؟ هل هو عدم الانقياد إلى رغبات الأطباء للهدوء والراحة الاستسلام للسرير؟ هل هو في تحدى النصيحة الحاسمة التي قالها له الدكتور دبغى: إما أن تغنى وتموت وإما أن تعتزل وتعيش؟
يبقى السؤال الكبير الذى لاح على شفاه الناس، وهم يذرفون الدموع على موسيقارهم المحبوب.. ويرددون إنه لا يزال صغيراً.. فلماذا مات؟
ويختم خوري تساؤلاته بقوله: إن الذي قتل فريد الأطرش هو فريد الأطرش.. قتله حبه لفنه. وقتـــله إحساسه بوجوده وقتله حبه لجمهوره الذى كان يطالب به إلى الأبد.. وقتله حقده على قلبه الذي أعطى الفن والحب والدنيا كل شيء.. ولم يعطه هذا القلب شيئاً، وقتله مع حقده على قلبه حبه الكبير للحياة.
ولكن الذي لم يقتله أبداً هو إيمانه بالله تعالى.. خالق السماوات والأرض ومانح الحياة لمن يشاء، والذي لا تسقط شعرة من رؤوسنا إلا بإذنه وإرادته.
*فريد الأطرش «1917 - 1974»
*موسيقي ومطرب وممثل سوري/مصري.
*ينتمي إلى آل الأطرش أمراء جبل الدروز.