تشرفت بحضور مجلس أمير المدينة المنورة، الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز - وفقه الله - وكانت لي كلمة ضمن الحفل الختامي لمبادرة «أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة» والتي نظمتها الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، لمدة يومين في منطقة المدينة المنورة، ذكرت فيها أن العقيدة الصحيحة تنص على أهمية الحفاظ على كيان الدولة، وأن الأمن والإيمان متلازمان، قال تعالى «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون»، وأن لزوم إمام المسلمين والسمع والطاعة له بالمعروف، أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج ومن تبعهم من الفرق والتيارات الضالة، إذ لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، بل حتى لو رأى الإنسان ما يكره فليس له أن ينزع يداً من طاعة.
ففي الحديث الصحيح «مَن كَرِهَ مِن أمِيرِهِ شيئًا فَلْيَصْبِرْ، فإنَّه مَن خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْرًا ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّة»، وهذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم لا يذكره أهل الأهواء فضلا أن يعملوا به، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول «فليصبر» وهم يقولون «لا تصبر» بل عليك بالإثارة والتهييج، فيا سبحان الله: أهم أعلم أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ أهم أتقى أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ أهم أفصح وأنصح وأشجع أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟.. لاشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأتقاهم وأنصحهم وأفصحهم وأشجعهم، ومع ذلك قال «فليصبر»، وحَكَمَ أن من نزع يداً من طاعة السلطان، فإنه يموت ميتة جاهلية، وهم وقنواتهم بضد ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
وذكرتُ في كلمتي ما منَّ الله به علينا في السعودية بالملك عبدالعزيز، وأن الناس قبله كانوا في جوع وخوف وتفرق وعداوة وجهل، فأطعمهم الله وآمنهم وجمعهم وألف بينهم، وعلمهم بالملك عبدالعزيز. هذه حقيقة والحقائق لا تُغالَط، وبلادنا كانت صحراء قاحلة وهي اليوم بفضل ثم بجهود الملك عبدالعزيز وأبنائه ورجاله، من دول العشرين العظمى في العالم. وذكرت أني ألقيت محاضرة في مسجد الجامعة الاسلامية، حضرها طلاب الجامعة من جنسيات متعددة، وقد ذكر المسئولون فيها أن الجامعة تضم 170 جنسية، أي طلاب 170 دولة تستقبلهم المملكة، وتعلمهم مجاناً ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، أليست هذه حسنة عظيمة، تضاف إلى حسنات الدولة التي كالجبال، كطباعة المصحف الشريف والسنة النبوية وخدمة الحرمين وغيرها ؟
والجواب: بلى، ولكن ما بال أقوام لايذكرون ذلك، وإنما يكتمون الحسنات، ويبحثون عن الأخطاء وينفخون فيها ؟
ألم يقرأوا قول النبي عليه الصلاة والسلام «من قال هلك الناس فهو أهلكهم»، وقد سمعت أحد الخوارج المرتمين في أحضان أعداء الإسلام، صبوحه وغبوقه القدح في المملكة، لمّا وقع الزلزال في تركيا، سمعته يُشنّع على من زعم أنه تكلم على تركيا بسبب الزلزال، ومع أني لا أعلم أحدا شمت بهم، بل إن أهل الاسلام يدعون للمصابين بالشفاء والعافية، وبلادنا لها قصب السبق في إغاثتهم، كما هو معروف عنها في إغاثة الملهوفين والمنكوبين في كل مكان، لكن لو أن ذلك الزلزال وقع في المملكة -لاقدر الله - لفرح به، واتخذه سبيلا للطعن في تدين الناس - حكاما ومحكومين - في هذه البلاد، وهذه الازدواجية نوع من النفاق قال تعالى «أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا».
في تلك الجلسة أراد الأمير فيصل أن يرسخ ما دل عليه البرنامج، من أن «الفتوى تؤخذ من مصادرها المعتمدة»، وأن يزيل الإشكال عند بعض من لم يفهم حديث «استفت قلبك»، فكان ذلك ملحظاً مهماً جدا من الأمير، لم نتفطن لهم في محاضراتنا. وللفائدة فإن حديث «استفت قلبك» ليس بينه وبين قوله تعالى «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» تعارض، وليس حجة لأهل الأهواء بأن يحللوا ويحرموا وفق أهوائهم، ويقولوا: استفتينا قلوبنا، وإنما معنى الحديث: أن الإنسان يعلم من نفسه أنه فعل أو لم يفعل، فحُكْم القاضي، وفتوى المفتي، لا تُحل حراما، ولا تُحرِّم حلالا، فلو حَكَم له القاضي أو أفتاه المفتي ببراءته من شيء، وهو يعلم من نفسه عدم البراءة، فليس له أن يستبيح مال غيره ويقول حكم لي القاضي أو أفتاني المفتي، فالقاضي يحكم وفق الحجة، وقد يكون أحد الخصمين ألحن بحجته فيحكم له القاضي، وهذا الحكم ليس حجة له أمام الله، والمفتي يفتي بحسب السؤال، وفهمه له، فإذا كان السائل صاحب القلب السليم، والقصد الحسن، لم يطمئن إما لشعوره عدم فهم المفتي لحقيقة السؤال، أو لشعوره بعدم قدرته في إيصال حقيقة المسألة للمفتي، فإن فتوى المفتي ليست حجة له.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس، ويتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض».
وقال أيضا: «وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً، ويكره أن يطلع عليه الناس.
أما المُتَمَرِّدون الخارجون عن طاعة الله، الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد، بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً، فإنه إذا هَمَّ بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع، تجده متردداً يكره أن يطلع الناس عليه، فهذا علامة على الإثم في قلب المؤمن».
ففي الحديث الصحيح «مَن كَرِهَ مِن أمِيرِهِ شيئًا فَلْيَصْبِرْ، فإنَّه مَن خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْرًا ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّة»، وهذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم لا يذكره أهل الأهواء فضلا أن يعملوا به، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول «فليصبر» وهم يقولون «لا تصبر» بل عليك بالإثارة والتهييج، فيا سبحان الله: أهم أعلم أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ أهم أتقى أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ أهم أفصح وأنصح وأشجع أم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟.. لاشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأتقاهم وأنصحهم وأفصحهم وأشجعهم، ومع ذلك قال «فليصبر»، وحَكَمَ أن من نزع يداً من طاعة السلطان، فإنه يموت ميتة جاهلية، وهم وقنواتهم بضد ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
وذكرتُ في كلمتي ما منَّ الله به علينا في السعودية بالملك عبدالعزيز، وأن الناس قبله كانوا في جوع وخوف وتفرق وعداوة وجهل، فأطعمهم الله وآمنهم وجمعهم وألف بينهم، وعلمهم بالملك عبدالعزيز. هذه حقيقة والحقائق لا تُغالَط، وبلادنا كانت صحراء قاحلة وهي اليوم بفضل ثم بجهود الملك عبدالعزيز وأبنائه ورجاله، من دول العشرين العظمى في العالم. وذكرت أني ألقيت محاضرة في مسجد الجامعة الاسلامية، حضرها طلاب الجامعة من جنسيات متعددة، وقد ذكر المسئولون فيها أن الجامعة تضم 170 جنسية، أي طلاب 170 دولة تستقبلهم المملكة، وتعلمهم مجاناً ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، أليست هذه حسنة عظيمة، تضاف إلى حسنات الدولة التي كالجبال، كطباعة المصحف الشريف والسنة النبوية وخدمة الحرمين وغيرها ؟
والجواب: بلى، ولكن ما بال أقوام لايذكرون ذلك، وإنما يكتمون الحسنات، ويبحثون عن الأخطاء وينفخون فيها ؟
ألم يقرأوا قول النبي عليه الصلاة والسلام «من قال هلك الناس فهو أهلكهم»، وقد سمعت أحد الخوارج المرتمين في أحضان أعداء الإسلام، صبوحه وغبوقه القدح في المملكة، لمّا وقع الزلزال في تركيا، سمعته يُشنّع على من زعم أنه تكلم على تركيا بسبب الزلزال، ومع أني لا أعلم أحدا شمت بهم، بل إن أهل الاسلام يدعون للمصابين بالشفاء والعافية، وبلادنا لها قصب السبق في إغاثتهم، كما هو معروف عنها في إغاثة الملهوفين والمنكوبين في كل مكان، لكن لو أن ذلك الزلزال وقع في المملكة -لاقدر الله - لفرح به، واتخذه سبيلا للطعن في تدين الناس - حكاما ومحكومين - في هذه البلاد، وهذه الازدواجية نوع من النفاق قال تعالى «أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا».
في تلك الجلسة أراد الأمير فيصل أن يرسخ ما دل عليه البرنامج، من أن «الفتوى تؤخذ من مصادرها المعتمدة»، وأن يزيل الإشكال عند بعض من لم يفهم حديث «استفت قلبك»، فكان ذلك ملحظاً مهماً جدا من الأمير، لم نتفطن لهم في محاضراتنا. وللفائدة فإن حديث «استفت قلبك» ليس بينه وبين قوله تعالى «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» تعارض، وليس حجة لأهل الأهواء بأن يحللوا ويحرموا وفق أهوائهم، ويقولوا: استفتينا قلوبنا، وإنما معنى الحديث: أن الإنسان يعلم من نفسه أنه فعل أو لم يفعل، فحُكْم القاضي، وفتوى المفتي، لا تُحل حراما، ولا تُحرِّم حلالا، فلو حَكَم له القاضي أو أفتاه المفتي ببراءته من شيء، وهو يعلم من نفسه عدم البراءة، فليس له أن يستبيح مال غيره ويقول حكم لي القاضي أو أفتاني المفتي، فالقاضي يحكم وفق الحجة، وقد يكون أحد الخصمين ألحن بحجته فيحكم له القاضي، وهذا الحكم ليس حجة له أمام الله، والمفتي يفتي بحسب السؤال، وفهمه له، فإذا كان السائل صاحب القلب السليم، والقصد الحسن، لم يطمئن إما لشعوره عدم فهم المفتي لحقيقة السؤال، أو لشعوره بعدم قدرته في إيصال حقيقة المسألة للمفتي، فإن فتوى المفتي ليست حجة له.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس، ويتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض».
وقال أيضا: «وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً، ويكره أن يطلع عليه الناس.
أما المُتَمَرِّدون الخارجون عن طاعة الله، الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد، بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً، فإنه إذا هَمَّ بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع، تجده متردداً يكره أن يطلع الناس عليه، فهذا علامة على الإثم في قلب المؤمن».