بنود مؤتمر السكان بالقاهرة تعد معادلا موضوعيا لمفهوم المساواة بين الجنسين إسلاميا أمام المفهوم الدولي، إلا أن هناك مفاهيم ورؤى عديدة تتصدى لهذه البنود وتقف أمام تنفيذها
في كل مؤتمر دولي أومحلي، وفي كل توصية غربية كانت أم عربية، تشعر المرأة بنشوة غريبة، فقط لكونها امرأة تهتز لها مناضد الوزارات، تدق لها مطرقة المحاكم. حينها تشعر المرأة أنها قد تخلصت من عقدة شهرزاد وسلاسل ألف ليلة وليلة. ستكون ذات قرار يُنصت إليه. ستمتلك صولجانا، وتدير العالم بإصبعها. ولكنها لا تفقه كنه المشكلة، فأين تكمن المشكلة إذاً؟
لقد أطلق ميثاق الأمم المتحدة المادة 1- لتحقيق التعاون الدولي.. على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء - في 10 نوفمبر 1948، على أن يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وبأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، ولم يتوان المجتمع النسوي العالمي في الالتفاف حول هذا المشروع حتى اكتسب زخما خلال السبعينات، فأعلنت الجمعية العامة في عام 1975 بوصفها السنة الدولية للمرأة ونظمت المؤتمر العالمي الأول المعني بالمرأة، الذي عقد في المكسيك، وفي وقت لاحق، وبدعوة من المؤتمر أن السنوات 1976ـ 1985 بوصفها عقد الأمم المتحدة للمرأة. وفي عام 1979 اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي غالبا ما توصف بأنها الشرعية الدولية لحقوق المرأة. وتحدد الاتفاقية، في موادها الثلاثين، صراحة التمييز ضد المرأة وتضع برنامجا للعمل الوطني لإنهاء هذا التمييز. وتستهدف الاتفاقية الثقافة والتقاليد بوصفها قوى مؤثرة في تشكيل الأدوار بين الجنسين والعلاقات الأسرية، وهي أول معاهدة لحقوق الإنسان التي تؤكد على حقوق المرأة.
وبعد خمس سنوات من مؤتمر المكسيك، تم عقد المؤتمر العالمي الثاني المعني بالمرأة في كوبنهاجن في عام 1980. ودعا برنامج العمل الذي خرج به المؤتمر إلى اتخاذ تدابير وطنية أقوى لضمان ملكية المرأة لممتلكاتها وسيطرتها عليه، فضلا عن إدخال تحسينات في مجال حقوق المرأة فيما يتعلق بالميراث وحضانة الأطفال وفقدان الجنسية. وفي عام 1985 عقد المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلام في نيروبي. وجاء انعقاد المؤتمر في وقت كانت الحركة من أجل المساواة بين الجنسين قد اكتسبت فيه اعترافا عالميا، وشارك 15000 ممثل من ممثلي المنظمات غير الحكومية في منتدى للمنظمات غير الحكومية مواز. ووصف الكثير هذا الحدث بأنه ولادة الحركة النسوية العالمية. وإداركا منها أن أهداف مؤتمر المكسيك لم تتحقق على نحو كاف، اعتمدت 157 حكومة مشاركة استراتيجيات نيروبي التطلعية لسنة 2000. ومهد المؤتمر بذلك للإعلان عن جميع المسائل بوصفها قضايا المرأة.
وقد يفزعنا هذا الأمر كمجتمع محافظ له عادات وتقاليد نريد الحفاظ عليها كهوية لها خصوصيتها وبريقها، إلا أننا لو نظرنا إلى كنهها وما صدر في مؤتمر نيروبي عام 1985 - التنمية والسلام الذي عقدته الأمم المتحدة للمرأة من أجل المساواة بين الجنسين - لوجدناها جميعها تتضمنها تعاليم ديننا الحنيف، وإنما صدر هذا المشروع الدولي لحقوق مجتمعات غير إسلامية. ولكن أخطر ما في هذا الأمر هو ذلك التحول الذي حدث في مؤتمر بكين عام 1995، حيث اتخذ خطوة أبعد من مؤتمر نيروبي. وهو الاعتراف بالحاجة إلى تحويل التركيز من المرأة إلى مفهوم الجنس الجندر اعترافا بأنه لا بد من إعادة تقييم بنية المجتمع بأكمله وجميع العلاقات بين الرجال والنساء فيه. وسيكون، من خلال عملية إعادة هيكلة للمجتمع ومؤسساته، من الممكن تمكين المرأة تمكينا كليا لتأخذ مكانها اللائق كشريكة على قدم المساواة مع الرجل في جميع جوانب الحياة.
إن مفهوم الجندر يعد أخطر ما في القضية وإن بدا في شكله هو كما في قمة الألفية سبتمبر/2000 دمج قضايا المساواة بين الجنسين، تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، إلا أنه في جوهره يرفض بالتوصيف الخَلقي للمرأة والرجل والذي يميز كلا منها عن الآخر، وهذا هو وضع السم في العسل من وجهة نظري، فديننا وقيمنا وأعرافنا لا تقر هذا التماهي، حيث يريد هؤلاء المنظرون أن ليس هناك ما يسمى بالذكر أو الأنثى، وإنما إنسان وُلد كما هو عليه بدون توصيف جسدي، وبهذا أصبح التطور في المفهوم أمرا جد خطير على المستوى الفكري والديني أيضاً.
ونأتي هنا إلى إشكالية ولوج المرأة العربية في مثل هذه التوصيات التي تنضح بالعديد من المواد والفقرات التي يصطدم بعضها إما بالشريعة الإسلامية أو بالفطرة وأيضاً بالعادات والتقاليد لمجتمعات قد تكون حديثة العهد بالتطور والتحديث مثل دول الخليج واليمن وليبيا أو قل كل البلاد ذات الطابع القبائلي التي تبدو أكثر حدة عن مثيلاتها من الدول العربية الآخذة في التطور والتحديث مبكراً، هذا إذ خف جور وطأة العادات والتقاليد بعض الشيء ولو أنه ليس بالكثير، إذ تحتوي بعض هذه البنود على منعطفات خطيرة على نساء المجتمع العربي ذوات هوية خاصة وذلك مثل: (الدعوة إلى فتح باب العلاقات الجنسية للجنسين، السماح بالإجهاض، تقديم الثقافة الجنسية للجنسين في سن مبكر، تسخير الإعلام لتحقيق هذه الأهداف) مؤتمر السكان في مكسيكو 1994. مما يستفز العالم الإسلامي وغير الإسلامي بسبب مخالفتها للشرائع السماوية وللفطرة. وفي 1994 أقيم مؤتمر السكان بالقاهرة وهذا ما دعا لإعلان إسلامي عالمي لحقوق الإنسان وأهم بنود هذا المؤتمر هي:
1- البشر أسرة واحدة والعبودية لله والبنوة لآدم وجميع البشر متساوون في الكرامة وأصل التكليف والمسؤولية دون تمييز.
2- الحياة هبة الله مكفولة لكل إنسان.
3- الأسرة أساس المجتمع والزواج أساس تكوينها.
6- المرأة مساوية للرجل في الكرامة والحقوق والشخصية والذمة المستقلة وعلى الرجل عبء الإنفاق.
7- تمتع الإنسان بالأهلية وقيام الولي عند فقدانها.
8- العلم فريضة والتعليم واجب ويجب التعليم الديني والدنيوي بشكل متوازن.
9- الناس يولدون أحراراً ويمنع الاستعباد والقهر.
وبهذا نجد أن هناك معادلا موضوعيا لمفهوم المساواة إسلامياً أمام المفهوم الدولي، إلا أن هناك مفاهيم ورؤى عديدة تتصدى لهذه البنود وتقف أمام تنفيذها على المستوى الاجتماعي وحتى التنفيذي، حمى الله المرأة العربية والمرأة الإسلامية من سموم الفكر الوافد، ونقول كفانا معاناة الحقن تحت الجلد.