ما من نموذج ركب موجة الدين – كل الأديان – إلا واندثر مع عامل الوقت. وأعني تلك التي تنتهج توظيف الدين لإدارة كل شيء في الحياة. بما في ذلك تحقيق مصالح السياسة. النموذج الفرنسي خير دليل. وبالرغم من أن فرنسا دولة كاثوليكية، إلا أن الكنيسة ذهبت في عام 1905 ضحية قانون فصلها عن الدولة. حتى مباني الكنائس تحولت ضمن أملاك الدولة. ولم تفلح محاولات البابا بندكت الخامس خلال 1922 وحتى 1939 في تقارب الكنسية والدولة. واليوم فرنسا تعتبر دولةً علمانية بالشكل والصفة.
ونموذج الدولة العثمانية التي سقطت عام 1924 كذلك. إذ لم يحرص أحد على الاحتفاظ بركائزها التي قامت عليها. وحتى وإن حاول البعض في تركيا، من المعجبين بالنموذج العثماني، سواء ضمن النطاق السياسي المندرج تحت إطار الحزبية السياسية من خلال صبغ تلك المرحلة بصفة «الخلافة»، أو في الإطار الفردي، تكريس مفهوم استعادة ما يُسمى بـ«إرث الأجداد» من الناحية المنهجية - بعيداً عن التوسعية -، إلا أن تركيا اليوم بلدٌ علماني في القول والعمل. هذا هو الواقع.
في وقتنا الحاضر هناك دولتان تسيران على تلك الخطى، هما إيران، وأفغانستان.
الأولى تتولى حسب ما قامت عليه، الحفاظ على المنهجية الشيعية، التي غلفها الخميني بإطارٍ سياسي. وهذا زعمٌ يستهدف أبناء المذهب الشيعي في المنطقة والعالم لجعلهم حاضنة شعبية لدولة فاشية خرجت من رحم انقلاب على الشاه في وضح النهار.
والأخرى – أي أفغانستان – يسيطر على مفاصلها نظام حكم لا يمكن رؤيته بعيداً عن الرجعية. وهو الآخر قد قام على أنقاض دولة كادت أن تتحول إلى مدنية.
وحديثي عن تلك الدولتين ليس من باب الاعتباط، إنما نتيجة تطابق التجربة في هذه وتلك. أقصد إيران وأفغانستان. فالنظام الإيراني دخل في نزاعٍ مع الشارع الإيراني نظير مفهوم الاحتشام النسائي، المتمثل في ضرورة ارتداء الحجاب وفق المنظور الذي تُسوّق له دوائر صنع القرار القريبة من المرشد، باعتباره نابعا من أساس ديني؛ بينما هو سياسي. كيف؟
تريد الإدارة في طهران فرض قبضتها ومواجهة الشارع بالعامل السياسي، باستخدام الجانب الديني. وأفغانستان كذلك. من خلال منعها مزاولة المرأة الأفغانية العمل وارتياد الجامعات.
والتجربتان حسب رأيي الشخصي ملغومتان. لماذا؟ لأن الهدف منهما منع تطور المجتمعات والشعوب بالعلم والتعلم. وهذا يعطي إشارة إلى أن تلك الحكومات لا تملك الثقة برسائلها ومرتكزاتها السياسية؛ لأنها تعاني من هشاشة في الأساس والتكوين، كونها تقوم على العنف الأيديولوجي، والفاشية الدينية.
قد يقول قائل إن الدولة التي تنحدر منها أيها الشخص؛ المملكة العربية السعودية دولة دينية. هذا غير صحيح. السعودية تنتهج منهاج الشريعة الإسلامية في الحياة الاجتماعية، وما يؤطر ذلك. لكن في حقيقة الأمر لا يمكن الإسقاط عليها أنها دولة دينية، أو إسلامية. هناك فرق يجب إدراكه.
والسؤال الجوهري هو: هل تستطيع تلك الدول المضي في مواجهة الرأي العام المحلي؟ الجواب: لا. إذ إنه لا مجال لمواصلة التصادم مع الشارع، مهما استمرت السيطرة الحكومية عليه بالسلاح وبالقنابل المُسيلة للدموع. لأن الشعوب تملك قدرة هائلة على الصبر، لكنها إذ هاجت فمن الصعب السيطرة عليها. ولنا في قصص الدول البوليسية بنطاقنا العربي خير دليل، إذ انقلب الشعب الليبي على الإرهابي معمر القذافي، وهو الذي كان يحكم البلاد بالحديد والنار. وغيره كثر من الحكام أصحاب الهالة المخيفة. وصدام حسين في العراق كان كذلك.
ومن ثم فهناك ما هو أهم. فلا يمكن إنكار أن الشعوب تتأثر ببعضها مهما حاول البعض صد ذلك. والتأثير الذي أعنيه مقسومٌ على اثنين. ولي في ذلك القول مبرراتي الخاصة. أولاً من ناحية التأثير السلبي، فالجميع شهد إبان ما يسميه الكثير بـ«الربيع العربي» -وهو خريفٌ وقفت في طوابيرة مجموعات من المعدمين المشحونين من أطراف سياسية- انتقال حالة الإحباط الاجتماعية من تونس إلى مصر، وصولاً إلى دول أخرى بشكل دراماتيكي.
وثانياً: فإن الشعوب والمجتمعات لا بد لها أن تتأثر ببعضها البعض من الناحية الإيجابية. ما الدليل؟ كما يتضح، فإن عديد من شعوب المنطقة باتوا مُتأثرين بالتجرية السعودية الحديثة، من ناحية النمو والنهضة والتطور التي تعيشها المملكة، وذلك ما أثبتته كثير من المواقف.
إن الوعي الذي أصبحت تعيشه المجتمعات، والحداثة التي يتغذى عليها ملايين البشر في عصرنا الحالي، قاداها لأن تصبح غير مغفلة، ولا يُمكن أن تنطلي عليها ألاعيب السياسة والخطابات الدينية الرنانة، وهو ما يضع تلك الدول في حجر زاوية، الأمر الذي يستدعي انتهاء الفكرة الخمينية، أو الطالبانية، اللتين تشبهان العنوان الـ«داعشي» العريض، من حيث رفض النمو والتطور والانفتاح على الآخر، عبر امتطاء جواد الرجعية والتخلف.
والناس في الشارع، دائماً أقوى من الحكومات، مهما كان حجم العسكرة.. واستخدام السلاح.
والخطاب الديني.
لا مفرّ من الامتثال لرغبات البشرية. وإلا سيُكتب تاريخهم حينها،بالدماء. ورماد النيران.
وسيحصلون على النصيب الأكبر من لعنة الأجيال القادمة.
ونموذج الدولة العثمانية التي سقطت عام 1924 كذلك. إذ لم يحرص أحد على الاحتفاظ بركائزها التي قامت عليها. وحتى وإن حاول البعض في تركيا، من المعجبين بالنموذج العثماني، سواء ضمن النطاق السياسي المندرج تحت إطار الحزبية السياسية من خلال صبغ تلك المرحلة بصفة «الخلافة»، أو في الإطار الفردي، تكريس مفهوم استعادة ما يُسمى بـ«إرث الأجداد» من الناحية المنهجية - بعيداً عن التوسعية -، إلا أن تركيا اليوم بلدٌ علماني في القول والعمل. هذا هو الواقع.
في وقتنا الحاضر هناك دولتان تسيران على تلك الخطى، هما إيران، وأفغانستان.
الأولى تتولى حسب ما قامت عليه، الحفاظ على المنهجية الشيعية، التي غلفها الخميني بإطارٍ سياسي. وهذا زعمٌ يستهدف أبناء المذهب الشيعي في المنطقة والعالم لجعلهم حاضنة شعبية لدولة فاشية خرجت من رحم انقلاب على الشاه في وضح النهار.
والأخرى – أي أفغانستان – يسيطر على مفاصلها نظام حكم لا يمكن رؤيته بعيداً عن الرجعية. وهو الآخر قد قام على أنقاض دولة كادت أن تتحول إلى مدنية.
وحديثي عن تلك الدولتين ليس من باب الاعتباط، إنما نتيجة تطابق التجربة في هذه وتلك. أقصد إيران وأفغانستان. فالنظام الإيراني دخل في نزاعٍ مع الشارع الإيراني نظير مفهوم الاحتشام النسائي، المتمثل في ضرورة ارتداء الحجاب وفق المنظور الذي تُسوّق له دوائر صنع القرار القريبة من المرشد، باعتباره نابعا من أساس ديني؛ بينما هو سياسي. كيف؟
تريد الإدارة في طهران فرض قبضتها ومواجهة الشارع بالعامل السياسي، باستخدام الجانب الديني. وأفغانستان كذلك. من خلال منعها مزاولة المرأة الأفغانية العمل وارتياد الجامعات.
والتجربتان حسب رأيي الشخصي ملغومتان. لماذا؟ لأن الهدف منهما منع تطور المجتمعات والشعوب بالعلم والتعلم. وهذا يعطي إشارة إلى أن تلك الحكومات لا تملك الثقة برسائلها ومرتكزاتها السياسية؛ لأنها تعاني من هشاشة في الأساس والتكوين، كونها تقوم على العنف الأيديولوجي، والفاشية الدينية.
قد يقول قائل إن الدولة التي تنحدر منها أيها الشخص؛ المملكة العربية السعودية دولة دينية. هذا غير صحيح. السعودية تنتهج منهاج الشريعة الإسلامية في الحياة الاجتماعية، وما يؤطر ذلك. لكن في حقيقة الأمر لا يمكن الإسقاط عليها أنها دولة دينية، أو إسلامية. هناك فرق يجب إدراكه.
والسؤال الجوهري هو: هل تستطيع تلك الدول المضي في مواجهة الرأي العام المحلي؟ الجواب: لا. إذ إنه لا مجال لمواصلة التصادم مع الشارع، مهما استمرت السيطرة الحكومية عليه بالسلاح وبالقنابل المُسيلة للدموع. لأن الشعوب تملك قدرة هائلة على الصبر، لكنها إذ هاجت فمن الصعب السيطرة عليها. ولنا في قصص الدول البوليسية بنطاقنا العربي خير دليل، إذ انقلب الشعب الليبي على الإرهابي معمر القذافي، وهو الذي كان يحكم البلاد بالحديد والنار. وغيره كثر من الحكام أصحاب الهالة المخيفة. وصدام حسين في العراق كان كذلك.
ومن ثم فهناك ما هو أهم. فلا يمكن إنكار أن الشعوب تتأثر ببعضها مهما حاول البعض صد ذلك. والتأثير الذي أعنيه مقسومٌ على اثنين. ولي في ذلك القول مبرراتي الخاصة. أولاً من ناحية التأثير السلبي، فالجميع شهد إبان ما يسميه الكثير بـ«الربيع العربي» -وهو خريفٌ وقفت في طوابيرة مجموعات من المعدمين المشحونين من أطراف سياسية- انتقال حالة الإحباط الاجتماعية من تونس إلى مصر، وصولاً إلى دول أخرى بشكل دراماتيكي.
وثانياً: فإن الشعوب والمجتمعات لا بد لها أن تتأثر ببعضها البعض من الناحية الإيجابية. ما الدليل؟ كما يتضح، فإن عديد من شعوب المنطقة باتوا مُتأثرين بالتجرية السعودية الحديثة، من ناحية النمو والنهضة والتطور التي تعيشها المملكة، وذلك ما أثبتته كثير من المواقف.
إن الوعي الذي أصبحت تعيشه المجتمعات، والحداثة التي يتغذى عليها ملايين البشر في عصرنا الحالي، قاداها لأن تصبح غير مغفلة، ولا يُمكن أن تنطلي عليها ألاعيب السياسة والخطابات الدينية الرنانة، وهو ما يضع تلك الدول في حجر زاوية، الأمر الذي يستدعي انتهاء الفكرة الخمينية، أو الطالبانية، اللتين تشبهان العنوان الـ«داعشي» العريض، من حيث رفض النمو والتطور والانفتاح على الآخر، عبر امتطاء جواد الرجعية والتخلف.
والناس في الشارع، دائماً أقوى من الحكومات، مهما كان حجم العسكرة.. واستخدام السلاح.
والخطاب الديني.
لا مفرّ من الامتثال لرغبات البشرية. وإلا سيُكتب تاريخهم حينها،بالدماء. ورماد النيران.
وسيحصلون على النصيب الأكبر من لعنة الأجيال القادمة.