عواجي النعمي

كثير منا شاهد تلك الصورة التعبيرية للرقم 6 أو 9 بالإنجليزية، حيث يقف شخصان عند رأس وذيل الرقم، ويختلفان في الرأي، فالشخص الأول يؤكد أن الرقم هو ستة بينما يرى الآخر أن الرقم هو تسعة. والاختلاف هذا نعيشه في كثير من أمور حياتنا، فكل شخص بطبيعته الفطرية قد يتشدد ويتحمس للدفاع عن فكرته وآرائه، دون أن يكلف نفسه النظر أو التفكير في وجهة النظر المخالفة. وبرغم أننا نشأنا ونحن نسمع كلمة أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود القضية فإنه في الواقع هذا الاختلاف قد ولد الكثير من القطيعة والعداوة والانغلاق، بل وتسبب أحيانًا كثيرة في وأد الكثير من فرص الإبداع والابتكار.

وبرغم أن لدينا الآن وسائل للتواصل متعددة ومتنوعة، فإن إشكالية قبول الرأي الآخر والتعاطي مع الاختلاف، لم يتغير بشكل كبير.

فعندما نلاحظ معلومة تتعارض مع قناعاتنا لا لننفتح على تلك الفكرة، بل في الغالب ننغلق على أنفسنا ونحاول الإنكار لفترة طويلة.

ولهذا وللحصول على حوارات بناءة، يجب أن يكون الحرص على إحراز التقدم وليس الكسب والخسارة.

وتتمتع المحادثات البناءة بصفات مهمة لعل من أهمها، أن يتمتع أطراف الحوار بحس الفضول/ وليس الرغبة في الصدام والانتصار، ويتعاطون مع النقاش على أنه سور يريدون الصعود فوقه لمعرفة ما وراءه، وليس قفصا حديديا للصراع.

الحوار الفضولي يتميز بفهم قناعات الطرف الآخر، فبدلا من مهاجمة الرأي المختلف، يكون الرد بتفهم الأمر ومراجعته من خلال منظور مختلف.

النقاشات والاجتماعات البناءة ليست وجهة نظر أحادية، وإذا كان الشخص سيدخل المحادثة منتظرًا من الجميع الايمان والموافقة على فكرته، لن يكون هناك تقدم أو نجاح للحوار.

لهذا يجب التعاطي مع طرح الآخرين كأفكار جديدة، بدلًا من محاولة نقدها وإثبات عدم كفاءتها.

وهذا ما يجيده المفاوضون المؤهلون لتحقيق أهدافهم، فهم يواجهون التحديات والاعتراضات، فيتعلمون منها، ويطورون أفكارهم للأفضل، لتصير أكثر مرونة.

والناجحون في إدارة المحادثات الفعالة، يؤمنون بأنهم إذا ركزوا على خلافاتهم فإن المحادثات ستكون حربًا، وإذا كان اهتمامهم منصبًا على التحديات والمشاكل، فإن كل حليف محتمل قد يكون خصمًا، ومن هنا لا بد من التركيز على المستقبل والإبداع والتطور والتعاون للحصول على محادثات مفيدة وبناءة.

إن الالتزام بالحوار الفضولي الفاعل هو انعكاس للنهضة الثقافية والصناعية والتنموية، التي ألغت الأساليب التقليدية غير المجدية والتي كانت سببًا في إعاقة عمليات الاتصال والتواصل الناجح، مثل المهاترات والتعصب والانفعال. فكل هذه الأساليب الخاطئة ألغيت مع التزام الأشخاص الناجحين بقواعد وأسس الحوار الصحيح.

ونختم أن من أهم مهارات الحوار الفضولي، القدرة على الاستماع الفعال، وترك الطرف الآخر يتحدث دون مقاطعة، تحاشيًا لخلق جو من الجدل، وعدم الارتياح، والرغبة في الحصول على معلومات قد تفيدك لاحقًا.