لطالما ترددت هذه القاعدة (لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار) كثيرًا على مسامعنا في كل المنابر، حتى حفظها الصغير والكبير، نأخذها على أنها قاعدة يقينية ومسلمة من المسلمات، كما يقول إخواننا الأمريكان (you take it for granted)، وأن الاقتراب من تفسير معناها أو محاولة تأويلها أو التردد في الأخذ بها أو مجرد البحث في حقيقة يقينيتها، قد يؤدي إلى خرم قواعد التشريع وأصوله المستقرة، ويجعل الدين مثلومًا ومشوهًا بسبب ذلك التأويل أو تلكم القراءات التي تُعطي شيئًا من التأمل والتفكر في تلك المسلمات، لأن الدخول في مسلمات ويقينيات التشريع، محاولة لجعلها تتصدع. هكذا قيل لنا في بادئ الأمر!!، هي محاولة حقيقية لهدم أصول وأركان الدين من داخله، وذلك بإيعاز من شياطين الإنس والجن الذين ما فتئوا يُخططون لطمس معالم هذا الدين على أيدي أبنائه. تلك الحجة الوهمية الهلامية الباهتة التي ظلت قرونًا كثيرة حائلا دون ابتداع الأفكار من خلال قراءات وتأويلات لكل تلك القواعد التي يجدها الدارس وطالب المعرفة أمامه عندما يجد أن فيها حرجًا وضنكًا في تطبيقها وتنزليها على واقعه، وخصوصًا إذا ما كانت قواعد ومقاصد التشريع لم تأتِ على مسارات بعض تلك القواعد.
المقولة التي تتحدث عن الذنوب الصغيرة والكبيرة، هي قاعدة بشرية وليست نصًا تشريعيًا منزهًا من الخطأ ولا يحتمل التأويل، العبارة هي قول صحابي فقط، ولم تصح مرفوعة كحديث نبوي سواءً بطريق صحيح أو حسن، والمتقرر عند الأصوليين أن قول الصحابي ليس حجة ودليلًا شرعيًا ومصدرًا من مصادر التشريع، وهذا نقد لهذه العبارة من حيث الإسناد إلى كونها تشريعًا ومصدرًا يُحتكم إليه، وفاصلا للنزاعات ومرجحًا بين الأقوال. أما النقد الموضوعي للعبارة فإن الفقهاء والمفسرين وعلماء العقائد والكلام استنبطوا من خلال نصوص التشريعات وسبر المرويات واستقراء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، أن كل ما يرتكبه أو يفعله الإنسان عمومًا والمسلم على الوجه الأخص، هي إما تصرفات حسنة لها أثرها الحسي والمعنوي على مصدرها ومنشئها، ثم على من حوله من بيئة محيطة به، وإما تصرفات سيئة لها الأثر ذاته. وهذه التصرفات عمومًا هي درجات في الحسن والسوء والقبح، فالتصرفات الحسنة لها موازين تُقاس بها في حياتنا الدنيا، وهذه الموازين تختلف من مدرسة إلى مدرسة بل من عالم إلى عالم، وهذا الاختلاف قد يدخل في اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد والتضارب كما هو مقرر في مبادئ علم الأصول والمنطق وأوليات الفلسفة. أما التصرفات السيئة والموسومة بصفة القبح فإن المتقرر عند أهل التحقيق من علماء الكلام والعقائد والمفسرين الذين تناولوا هذه المسألة أن تلك الأفعال والتصرفات السيئة تنقسم إلى قسمين رئيسين من حيث وصفهما لتمييزهما، وبيان ما يترتب عليهما من خلال الصفة المعطاة لتينك القسمين. ولا شك أن هذين القسمين هما الصغائر والكبائر، وعند القسمين تكون مزالق علم الكلام والعقائد، وتضطرب الأقوال عند تفسير الآيات الواردة بذكر صغائر الذنوب وكبائرها كما في قوله تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)، فيجد طالب العلم تباين آراء جهابذة العلماء في حد تلك الأوصاف وضبطها، فيذهل من كثرة جمع الوجوه وتشتتها عند تقرير هذه القاعدة، فضلًا عن الاختلالات التي تتطرق إليها، بل إنه قد يجد التنافي عند أول بحثه لهذه القاعدة، وذلك لتكاثر الحدود على كل قسم. فإذا ما أراد طالب المعرفة أن يبحث عن إجماع من العلماء على تعريف لأي من القسمين فإنه لن يجد إلى ذلك سبيلًا، لا يجد أمامه إلا طريق الجمع بين تلك الأقوال والتعاريف والحدود، ومحاولة التوفيق بينها ونفي الاضطراب والاعتراضات عنها، حتى تلتئم شتات النصوص لتتوافق مع الأصول الكلية والمقاصد الشرعية لهذا الدين المستقيم. ولبيان ذلك فإن هذه العبارة ليس عليها إجماع بين العلماء سواء على معناها أو على قبولها كقاعدة شرعية معمول بها، فقد جرى الخلاف بين العلماء في القول بظاهرها أنه لا صغيرة مع الإصرار فقد خالف في ذلك الإمام المحدث أبو طالب عقيل بن عطية القضاعي الطرطوشي، حيث قرر أن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم ما أصر عليه. وكذلك قال بهذا القول الإمام الشوكاني وقرره في كتابه الماتع إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (بل الحق أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه). وهذه العبارة في نظري فيها تناقض وتعارض حيث إنها تنص على أن الإصرار على الصغائر يُصيرها كبيرة، مع أنها في شطرها الثاني تنص على أن الاستغفار يتنافى مع وجود الكبائر، فإذا ما صارت الصغيرة كبيرة ثم حدث الاستغفار فإن الصغيرة التي صارت كبيرة قد انتفى وجودها وذلك بسبب الاستغفار، فإذا عاد وأصر صارت كبيرة ثم يعاود ويستغفر فينتفي وجودها وهكذا إلى ما لا نهاية. وهذا يلزم منه الدور المفضي للتناقض والاضطراب، وهذا الاضطراب في الدور بين الإصرار والاستغفار سببه أن هذا الإنسان الضعيف قد أقحم نفسه فيما لا يخصه وذلك بمحاولة إسقاط الأحكام على البشر ومحاولة فرزهم وتصنيفهم استنادًا إلى تأسيس أسسه هو من خلال نظرته الضيقة. بيد أن رحمة الواسع الرحمن الرحيم التي فهمها علماء وفقهاء الأمة قد جعلوا الرحمة بالعباد أساسًا متينًا يُلجأ إليه عند مضائق الطرق ومسارات الاختلافات. فترى الفقهاء يحكمون على فعل هو في الأصل الغالب أنه حرام إلا أنهم يرفعون هذا التحريم بالتصرفات النادرة، رحمة ورأفة بالعباد وهذا متقرر عند الفقهاء والأصوليين كما نص عليه القرافي رحمة الله عليه في الفروق، في الفرق التاسع والثلاثين بعد المأتين. وكذلك هذه العبارة تتنافى مع الواقع الإنساني للمسلمين وذلك أنه لا يوجد على وجه هذه الأرض من لا يقع في الصغائر وباستمرار، وهذا يعني أن الكل يفعل الكبائر، وهذا يُسقط عليهم حكم الفسق لفعلهم الكبائر. لذا فإن هذه العبارة توقع في التناقض والقنوط من رحمة هذا الخالق الذي قال (إن رحمتى وسعت كل شيء).
المقولة التي تتحدث عن الذنوب الصغيرة والكبيرة، هي قاعدة بشرية وليست نصًا تشريعيًا منزهًا من الخطأ ولا يحتمل التأويل، العبارة هي قول صحابي فقط، ولم تصح مرفوعة كحديث نبوي سواءً بطريق صحيح أو حسن، والمتقرر عند الأصوليين أن قول الصحابي ليس حجة ودليلًا شرعيًا ومصدرًا من مصادر التشريع، وهذا نقد لهذه العبارة من حيث الإسناد إلى كونها تشريعًا ومصدرًا يُحتكم إليه، وفاصلا للنزاعات ومرجحًا بين الأقوال. أما النقد الموضوعي للعبارة فإن الفقهاء والمفسرين وعلماء العقائد والكلام استنبطوا من خلال نصوص التشريعات وسبر المرويات واستقراء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، أن كل ما يرتكبه أو يفعله الإنسان عمومًا والمسلم على الوجه الأخص، هي إما تصرفات حسنة لها أثرها الحسي والمعنوي على مصدرها ومنشئها، ثم على من حوله من بيئة محيطة به، وإما تصرفات سيئة لها الأثر ذاته. وهذه التصرفات عمومًا هي درجات في الحسن والسوء والقبح، فالتصرفات الحسنة لها موازين تُقاس بها في حياتنا الدنيا، وهذه الموازين تختلف من مدرسة إلى مدرسة بل من عالم إلى عالم، وهذا الاختلاف قد يدخل في اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد والتضارب كما هو مقرر في مبادئ علم الأصول والمنطق وأوليات الفلسفة. أما التصرفات السيئة والموسومة بصفة القبح فإن المتقرر عند أهل التحقيق من علماء الكلام والعقائد والمفسرين الذين تناولوا هذه المسألة أن تلك الأفعال والتصرفات السيئة تنقسم إلى قسمين رئيسين من حيث وصفهما لتمييزهما، وبيان ما يترتب عليهما من خلال الصفة المعطاة لتينك القسمين. ولا شك أن هذين القسمين هما الصغائر والكبائر، وعند القسمين تكون مزالق علم الكلام والعقائد، وتضطرب الأقوال عند تفسير الآيات الواردة بذكر صغائر الذنوب وكبائرها كما في قوله تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)، فيجد طالب العلم تباين آراء جهابذة العلماء في حد تلك الأوصاف وضبطها، فيذهل من كثرة جمع الوجوه وتشتتها عند تقرير هذه القاعدة، فضلًا عن الاختلالات التي تتطرق إليها، بل إنه قد يجد التنافي عند أول بحثه لهذه القاعدة، وذلك لتكاثر الحدود على كل قسم. فإذا ما أراد طالب المعرفة أن يبحث عن إجماع من العلماء على تعريف لأي من القسمين فإنه لن يجد إلى ذلك سبيلًا، لا يجد أمامه إلا طريق الجمع بين تلك الأقوال والتعاريف والحدود، ومحاولة التوفيق بينها ونفي الاضطراب والاعتراضات عنها، حتى تلتئم شتات النصوص لتتوافق مع الأصول الكلية والمقاصد الشرعية لهذا الدين المستقيم. ولبيان ذلك فإن هذه العبارة ليس عليها إجماع بين العلماء سواء على معناها أو على قبولها كقاعدة شرعية معمول بها، فقد جرى الخلاف بين العلماء في القول بظاهرها أنه لا صغيرة مع الإصرار فقد خالف في ذلك الإمام المحدث أبو طالب عقيل بن عطية القضاعي الطرطوشي، حيث قرر أن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم ما أصر عليه. وكذلك قال بهذا القول الإمام الشوكاني وقرره في كتابه الماتع إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (بل الحق أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه). وهذه العبارة في نظري فيها تناقض وتعارض حيث إنها تنص على أن الإصرار على الصغائر يُصيرها كبيرة، مع أنها في شطرها الثاني تنص على أن الاستغفار يتنافى مع وجود الكبائر، فإذا ما صارت الصغيرة كبيرة ثم حدث الاستغفار فإن الصغيرة التي صارت كبيرة قد انتفى وجودها وذلك بسبب الاستغفار، فإذا عاد وأصر صارت كبيرة ثم يعاود ويستغفر فينتفي وجودها وهكذا إلى ما لا نهاية. وهذا يلزم منه الدور المفضي للتناقض والاضطراب، وهذا الاضطراب في الدور بين الإصرار والاستغفار سببه أن هذا الإنسان الضعيف قد أقحم نفسه فيما لا يخصه وذلك بمحاولة إسقاط الأحكام على البشر ومحاولة فرزهم وتصنيفهم استنادًا إلى تأسيس أسسه هو من خلال نظرته الضيقة. بيد أن رحمة الواسع الرحمن الرحيم التي فهمها علماء وفقهاء الأمة قد جعلوا الرحمة بالعباد أساسًا متينًا يُلجأ إليه عند مضائق الطرق ومسارات الاختلافات. فترى الفقهاء يحكمون على فعل هو في الأصل الغالب أنه حرام إلا أنهم يرفعون هذا التحريم بالتصرفات النادرة، رحمة ورأفة بالعباد وهذا متقرر عند الفقهاء والأصوليين كما نص عليه القرافي رحمة الله عليه في الفروق، في الفرق التاسع والثلاثين بعد المأتين. وكذلك هذه العبارة تتنافى مع الواقع الإنساني للمسلمين وذلك أنه لا يوجد على وجه هذه الأرض من لا يقع في الصغائر وباستمرار، وهذا يعني أن الكل يفعل الكبائر، وهذا يُسقط عليهم حكم الفسق لفعلهم الكبائر. لذا فإن هذه العبارة توقع في التناقض والقنوط من رحمة هذا الخالق الذي قال (إن رحمتى وسعت كل شيء).