على الإخوان المسلمين التزام وعودهم هذه المرة، وألا يكرروا سقطاتهم السابقة، لمصلحة الأمة المصرية أولا، ولمصلحتهم ثانيا

وأنا أستمع للقاضي أحمد رفعت وهو يتلو الحكم على مبارك، في تلك الخطبة الشهيرة المليئة بالأخطاء النحوية وأخطاء قراءة القرآن الكريم؛ قلت في نفسي: لن يكون الحكم بالإعدام شنقاً، بل سيكون بالصلب لمدة ثلاثة أيام، من قوة ما ذكره القاضي من سودواية حكم مبارك خلال الثلاثين عاماً.. حصل اللغط من جديد، وعادت الجماهير وشباب الثورة لميدان التحرير، وسينقلب المشهد من جديد، ولا ندري كيف سيكون المستقبل، ولكنني سأعود لمحمد مرسي الذي كسب كثيراً -من وجهة نظري- من هذا الحكم على المتهمين، حيث ستصطف خلفه كافة التيارات،هتفت من فوري: آلآن.. وبعد خراب مالطة يا مرسي!، عقب قراءتي لتصريح محمد مرسي مرشح حزب (الحرية والعدالة) بمصر، وتناقلته وكالات الأنباء العالمية، وهو يعد بالاستقالة من حزبه، ويتعهد بإنشاء ما سماه مؤسسة الرئاسة التي ستضم نواباً ومستشارين له إذا ما فاز، مشيراً إلى أن هؤلاء النواب لن يكونوا من أعضاء جماعة (الإخوان المسلمين) ولا من حزب (الحرية والعدالة).
كم تمنيت على الحزب بألّا يخوض سباق الرئاسة، ويكتفي بما حققه في مجلس الشعب، وقد كانت هذه وعوده في بداية تلك الانتخابات، ولكنه انقلب – بانتهازية سياسية - على ذلك الوعد في خطوة مفاجئة تماماً، وقام بترشيح خيرت الشاطر، الذي استبعد من لجنة الانتخابات، واستدرك ذلك بترشيح محمد مرسي لهذا السباق الرئاسي، الذي أعتبره شخصياً خطأً كبيراً من لدن الجماعة المتغلغلة في الشارع المصري.
كان على قيادات الجماعة الاقتداء بما فعله زميلهم راشد الغنوشي بامتياز في تونس، وقتما قام بتحالفات مع التيارات الوطنية، بل وقدم للرئاسة أحد المنتمين لليسار التونسي - أعتى خصوم الإسلاميين على الإطلاق - ما طمأن الشارع التونسي والنخب هناك؛ في عدم استئثار الإسلاميين وهيمنتهم على كل الحياة العامة. ولو فعل الإخوان في مصر ذلك؛ لكسبوا كثيراً، وبقيت صورتهم الناصعة أمام الرأي العام المصري، ولكنهم شوّهوا ذلك بأخطاء فادحة، وها هم يستدركون هذا الأمر على لسان مرشحهم، ولكن للأسف بعدما فقدوا كثيراً من مصداقيتهم وكارزميتهم.
عقب ظهور النتائج، طعن كثير من المتعاطفين مع الإخوان - أو حتى أولئك المتضامنين مع الثورة المصرية - في النتائج، وقالوا بالتزوير الذي طال الانتخابات، بل وطالعت مقاطع في اليوتيوب توضح هذا التزوير بالشواهد والأرقام، وصل في بعضها أن الجيش المصري زوّر أكثر من أربعة ملايين ونصف صوت، وهذا برأيي مبالغة يلجأ إليها الخاسرون.
لا أستبعد التزوير، ولكنها ستظل نسبة بسيطة، ولكني على يقين بأن أحمد شفيق حصل على هذا المركز المتقدم بدعم كبير من الأقباط، والمؤسسة العسكرية، وبقايا النظام وخصوصاً رجال الأعمال الذين تضرروا من الثورة، وقاموا بضخ الأموال في دعم مرشحهم، وهؤلاء ليسوا بالقليل أبداً. إضافة إلى أن الإسلاميين أنفسهم كانوا منقسمين، فالتيار السلفي بكافة أطيافه كان يخوض جدالاً عقيماً، بعدما استبعد مرشحهم الأوفر حظاً حازم أبو إسماعيل، ووقف الصقور ضد تأييد مرشح (الإخوان المسلمين)، ولعل أقوى دليل على ذلك هو تصريح ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، وهو يتحدث عن الإخوان ومخالفتهم للوعد، معتبراً أن وصول جماعة (الإخوان المسلمين) للحكم، سيكون نهاية للدعوة السلفية. هنالك (الصوفيون) الذين انحازوا لشفيق، وأكد ذلك لاحقاً الشيخ محمد عبدالخالق الشبراوي، القيادي بـ(جبهة الإصلاح الصوفي): بأن الجبهة التي تضم 20 طريقة صوفية، استقرت على شفيق؛ لأنه رجل وطني لم يتورط في فساد النظام السابق، وكان مطلباً شعبياً قبل عام من الثورة، وهو الوحيد القادر على إصلاح ما أفسده مبارك.
السبب الأهمّ في رأيي هو إخفاق جماعة (الإخوان المسلمين) في إقناع الناخب المصري ـ وخصوصاً شباب الثورة ـ الذي صوّت لهم، بعد أن خذلوه بعدة قضايا في مجلس الشعب، ووقوفهم بالحياد في المعركة مع المؤسسة العسكرية، وانتهازيتهم للظروف للعمل بأطر حزبية ضيقة.
قراءاتي للمرحلة القادمة تقول بفوز عريض لمحمد مرسي، إذ سيتكتل شباب الثورة والناصريون، وأتباع حمدين صباحي مفاجأة الانتخابات ـ قدّم مرسي له عرضاً هو وأبوالفتوح بأن يكونا مساعديه ـ وستتخندق بقية التيارات المصرية ضد شفيق، لأن وصول أحمد شفيق هو إعلانٌ صريح بإخفاق الثورة، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه إبان مبارك، وهو ما لن يسمح به شباب الثورة وبقية النخب المصرية الفاعلة، فضلاً على اصطفاف التيار السلفي بكافة أطيافه خلف مرسي.
على الإخوان المسلمين التزام وعودهم هذه المرة، وألا يكررّوا سقطاتهم السابقة، لمصلحة الأمة المصرية أولاً، ولمصلحتهم ثانياً، فأسوأ ما يمكن أن تخسره هو مصداقيتك للأسف.
الوطنيون الأحرار بصدق، يقدمون مصلحة الأمة على مصالح حزبهم الضيقة.