ينطلق هذا البحث من النصوص القديمة الأدبية منها خاصة، إلا أنه لا يدرس هذه النصوص لذاتها وفي حد ذاتها، بل باعتبارها مظهرا من مظاهر الموروث العربي الإسلامي، ولا يدرس هذا الموروث أيضا في حد ذاته، بل يستنطقه انطلاقا من هزاتنا الحديثة وبالعودة إليها.
هكذا صدرت الباحثة التونسية الدكتورة رجاء بن سلامة كتابها (العشق والكتابة)، الذي يفكك خطاب العشق وكلماته القديمة، والتي رأت أنها (ما زالت أصداؤها فاعلة فينا مترددة في أغلب أغانينا، وصوره الأدبية المختلفة ما زال الكثير منا يتماهي معها من حيث يعي بذلك أو لا يعي).
درست بن سلامة العشق ونصوصه، وقالت موضحة: (نحن، ككل ورثة، منفصلون عن هذا الموروث، قذف بنا جميعا خارجه، بمن في ذلك الداعون إلى ضرورة التطابق معه والعودة إليه، والذين يتكلمون لغة الحداثة أو عن وعي. وككل ورثة، علينا أن نتحمل مسؤولية هذا القذف، كما يتحمل الوليد شيئا فشيئا مسؤولية خروجه من الرحم، أو كما يتحمل اليتيم أعباء يتمه. وعلينا أن نفكر في شروط تحمل آلام هذا القذف والترك المؤسسين للذات البشرية في علاقتها بكل أصل وبكل ماض.
هذا هو السؤال العريض الذي سعت الباحثة لإعادة طرحه، ومحاولة تقديم بعض عناصر الإجابة عنه، متسائلة بشكل أعمق: هل يمكن للباحث اليوم، وللباحث في الأدب خاصة أن يتناسى ما يهدد الأدب ذاته باعتباره لهوا ضروريا منتجا للمتعة، مربكا لخطابات السيطرة، وما يتربص بنا من عنف مدمر للثقافة، ومن مصادرة الإبداع.
- كتب العشق «الطبيعي» التي ظهرت بعد «مصارع العشاق» للسراج (ت 500هـ)، وكانت معولة تعويلا كليا على الكتب السابقة، إضافة إلى أن بعضها مختصر لها، فقد عمل البقاعي (ت 885هـ) مثلا مختصرا لمصارع العشاق)، وعمل الأنطاكي مختصرا آخر له (ت 1008هـ).
- التآليف التي اتجهت بعد القرن الخامس اتجاها أخلاقيا دينيا بارزا، يجعل كتب العشق ذما للحب الطبيعي أكثر منها مدحا له، فهذا شأن كتاب ابن الجوزي (ت 597هـ) في «ذم الهوى»، وكتاب ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) «روضة المحبين».
وظهور هذه الكوكبة من التأليف التي كان أصحابها من الحنابلة أمر لافت للانتباه، وحاولت الوقوف على بعض المؤلفات الصوفية المتأخرة التي تقدم نظرة فريدة للعشق، وللعلاقة بين العشقين الطبيعي والإلهي كمؤلفات روزبهان الشيرازي البقلي (ت 606هـ) أو مؤلفات ابن عربي (ت 638هـ).
أما موضوع العشق، أي المعشوق ذاته، فكان محور الباب الثالث.
هذه الأبواب مقسمة بحسب أطراف العشق، ولكنها مقسمة أيضا بحسب أنظمة ثلاثة تتحدد بحسبها الذات البشرية، في نظر التفكير التحليلي المعاصر.
المعشوق في الباب الأول ظل للأنا ومرآة له؛ وهو في الباب الثاني، ظل للقانون، عندما تكون السلطة المانعة للمتعة مانعة للجدل الضروري بين المتعة والمنع، وعندما يلتبس المعشوق بالأم المحرمة، التي ينظم العاشق منعها، بالعفة، والشعر العذري. والمعشوق في الباب الثالث ليس إلا ظل نفسه: إنه غائب وإن حضر، ممنوع وإن لم يكن ثمة منع، مشتبه وإن بان.
ولدت في القيروان 1968.
بكالوريوس في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة 1988 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس
درست التحليل النفسي بتونس وبفرنسا
أحد الأعضاء المؤسسين لرابطة العقلانيين العرب
تعمل حاليًا محللة نفسية
رئيسة تحرير لمجلة الأوان.
انتاجها الكتابي:
الشعرية، لتزيفتان تودوروف، ترجمة: شكري المبخوت ورجاء بن سلامة 1987.
الموت وطقوسه من خلال صحيحي البخاري ومسلم 1997.
العشق والكتابة، دار الجمل، كولونيا 2003.
بنيان الفحولة: أبحاث في المذكر والمؤنث 2005
في نقد إنسان الجموع 2008.
الإسلام والتحليل النفسي، تأليف: فتحي بن سلامة، ترجمة: رجاء بن سلامة
هكذا صدرت الباحثة التونسية الدكتورة رجاء بن سلامة كتابها (العشق والكتابة)، الذي يفكك خطاب العشق وكلماته القديمة، والتي رأت أنها (ما زالت أصداؤها فاعلة فينا مترددة في أغلب أغانينا، وصوره الأدبية المختلفة ما زال الكثير منا يتماهي معها من حيث يعي بذلك أو لا يعي).
كما يتحمل الوليد
ولأن (شهداء العشق) - حسب وصف بن سلامة - ما زالت تراجمهم القصيرة قصر حيواتهم تنشر ويعاد نشرها، وتعرض للاستهلاك على نطاق واسع، ولأن ماضي الغزل في القرن الأول الهجري، في جانبه «العذري» على الأقل، ما زال يعد أصلا فردوسيا يلوذ إليه من يعتبر أن زمان الحب «الأصيل» قد ولى وانقضى.درست بن سلامة العشق ونصوصه، وقالت موضحة: (نحن، ككل ورثة، منفصلون عن هذا الموروث، قذف بنا جميعا خارجه، بمن في ذلك الداعون إلى ضرورة التطابق معه والعودة إليه، والذين يتكلمون لغة الحداثة أو عن وعي. وككل ورثة، علينا أن نتحمل مسؤولية هذا القذف، كما يتحمل الوليد شيئا فشيئا مسؤولية خروجه من الرحم، أو كما يتحمل اليتيم أعباء يتمه. وعلينا أن نفكر في شروط تحمل آلام هذا القذف والترك المؤسسين للذات البشرية في علاقتها بكل أصل وبكل ماض.
خطابات السيطرة
كيف يمكن الانتقال من خطاب الهوية الذي يشييء الأصل ويفترض ضرورة التطابق معه إلى خطاب يعتبر الهوية ممكنات مستنبطة نحققها ولا تحققنا، نصنعها ولا تصنعنا، ويعتبر أن هذا الموروث العريق ينتمي إلينا ولا ننتمي إليها، نحمله ولا يحملنا، نقرؤه ولا يقرؤنا؟هذا هو السؤال العريض الذي سعت الباحثة لإعادة طرحه، ومحاولة تقديم بعض عناصر الإجابة عنه، متسائلة بشكل أعمق: هل يمكن للباحث اليوم، وللباحث في الأدب خاصة أن يتناسى ما يهدد الأدب ذاته باعتباره لهوا ضروريا منتجا للمتعة، مربكا لخطابات السيطرة، وما يتربص بنا من عنف مدمر للثقافة، ومن مصادرة الإبداع.
كتب العشق الموالية
ارتكزت الباحثة في عملها على نصوص تمتد من البدايات التي لا أصل تاريخيًا لها إلى کتاب «الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين» للحافظ مغلطاي (ت 762هـ)، وهو المؤلف الوحيد الذي اتخذ شكل معجم للعشق، إلا أنه كان معجما لقتلى العشق، لا غير. وعن البدايات التي لا أصل تاريخيًا لها، قالت (ليست بدايات في الحقيقة بقدر ونماذج خطاب العشق، قديمة قدم الأسماء التي تسمي بها اللغة العربية. فـ«أسماء العشق» تشكيل أول لتجربة العشق ليست له بداية، وإن أمكن لنا من خلال النظر في النصوص إيجاد مفاصل توضح ميولا خاصة في الاستعمال يمكن التأريخ لبعضها. واستحالة استيعاب كامل ما أنتج من نصوص عشقية قديمة، هو الذي جعلنا لا نحلل ولا نحيل إلى مجموعات كتب العشق الموالية:- كتب العشق «الطبيعي» التي ظهرت بعد «مصارع العشاق» للسراج (ت 500هـ)، وكانت معولة تعويلا كليا على الكتب السابقة، إضافة إلى أن بعضها مختصر لها، فقد عمل البقاعي (ت 885هـ) مثلا مختصرا لمصارع العشاق)، وعمل الأنطاكي مختصرا آخر له (ت 1008هـ).
- التآليف التي اتجهت بعد القرن الخامس اتجاها أخلاقيا دينيا بارزا، يجعل كتب العشق ذما للحب الطبيعي أكثر منها مدحا له، فهذا شأن كتاب ابن الجوزي (ت 597هـ) في «ذم الهوى»، وكتاب ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) «روضة المحبين».
وظهور هذه الكوكبة من التأليف التي كان أصحابها من الحنابلة أمر لافت للانتباه، وحاولت الوقوف على بعض المؤلفات الصوفية المتأخرة التي تقدم نظرة فريدة للعشق، وللعلاقة بين العشقين الطبيعي والإلهي كمؤلفات روزبهان الشيرازي البقلي (ت 606هـ) أو مؤلفات ابن عربي (ت 638هـ).
الوظيفة الأبوية
قسم البحث إلى ثلاثة أبواب كبرى: باب أول خصصته لذات الشوق، وقالت بن سلامة، إنها تعمدت فيه الغموض الذي ينبني عليه تركيب الإضافة لأن الذات المشتاقة لا تكون كذلك إلا بقدر ما تكون أو تحلم بأن تكون موضوع شوق الآخر. وباب ثان خصص لطرف ثالث في العلاقة العشقية، هو «القانون» وصوره المختلفة.أما موضوع العشق، أي المعشوق ذاته، فكان محور الباب الثالث.
هذه الأبواب مقسمة بحسب أطراف العشق، ولكنها مقسمة أيضا بحسب أنظمة ثلاثة تتحدد بحسبها الذات البشرية، في نظر التفكير التحليلي المعاصر.
المعشوق في الباب الأول ظل للأنا ومرآة له؛ وهو في الباب الثاني، ظل للقانون، عندما تكون السلطة المانعة للمتعة مانعة للجدل الضروري بين المتعة والمنع، وعندما يلتبس المعشوق بالأم المحرمة، التي ينظم العاشق منعها، بالعفة، والشعر العذري. والمعشوق في الباب الثالث ليس إلا ظل نفسه: إنه غائب وإن حضر، ممنوع وإن لم يكن ثمة منع، مشتبه وإن بان.
رجاء بن سلامة
باحثة وكاتبة تونسيةولدت في القيروان 1968.
بكالوريوس في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة 1988 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس
درست التحليل النفسي بتونس وبفرنسا
أحد الأعضاء المؤسسين لرابطة العقلانيين العرب
تعمل حاليًا محللة نفسية
رئيسة تحرير لمجلة الأوان.
انتاجها الكتابي:
الشعرية، لتزيفتان تودوروف، ترجمة: شكري المبخوت ورجاء بن سلامة 1987.
الموت وطقوسه من خلال صحيحي البخاري ومسلم 1997.
العشق والكتابة، دار الجمل، كولونيا 2003.
بنيان الفحولة: أبحاث في المذكر والمؤنث 2005
في نقد إنسان الجموع 2008.
الإسلام والتحليل النفسي، تأليف: فتحي بن سلامة، ترجمة: رجاء بن سلامة