أتمنى من كل مؤسسة في القطاعين العام أو الخاص تنشد النجاح والتطور أن تنتهي من وضع ميثاق أخلاق شرفي بينها وبين العاملين فيها، بحيث يكون ملزما لهم، وتكون هناك عقوبة رادعة للمخالفين منهم
انتظمت في جدة السبت والأحد الماضيين جلسات ملتقى أخلاقيات العمل والأعمال، برعاية كريمة من معالي وزير العمل؛ استشعاراً من الوزارة لأهمية مجال أخلاقيات العمل في الممارسة الإدارية، سواءً في القطاع العام أو الخاص، وتأكيداً ودعماً لأهمية تأصيل دور القيم وقواعد السلوك في ممارسة العمل. الملتقى الذي سعدت بالمشاركة في إحدى جلساته المتعلقة بالمنظور الإسلامي لأخلاقيات العمل؛ جاء لإكمال منظومة تكامل الفرد والأعمال والمجتمع، ولتحسين عجلة التنمية في الوطن، ولتفعيل كفاءة الفرد وربحية الأعمال وتحقيق الأهداف، وللتأكيد على أخلاقيات العمل كمرجع أساسي لإنجاح كافة الأعمال بقطاعيها الحكومي والخاص. كما سعى الملتقى لتذكير العاملين في قطاع الأعمال بضرورة المحافظة على الأخلاقيات المتعارف عليها والعودة إلى أصالة الأخلاقيات والقيم الإسلامية، لخلق بيئة عمل منتجة وفعالة، ولتعظيم المكاسب في ظل المتغيرات الأخلاقية لغرض استمرارية نجاح الأعمال.
عقب الفعالية الوحيدة التي حضرتها من فعاليات الملتقى الذي أشكر من نظِّمه ورعاه، وتحدث فيه، وحضره؛ بحثت ورجعت فوجدت أن الأخلاق أمر يختلف عن الأخلاقيات؛ فالأخلاقيات التي يسميها البعض بالميثاق الأخلاقي هي مجموعة من الأخلاق التي تعتبر صواباً بين أصحاب مهنة معينة، وكل مهنة لها أخلاقيات وآداب وقواعد وأصول عامة حددتها اللوائح الخاصة بها، وألزمت بها صاحب المهنة. فليس بالضرورة أن تكون أخلاقيات المهن متشابهة، إذ إن كل مهنة تميل لمصلحتها ومصلحة العاملين بها. فهناك القضاء والمحاماة والدعوة والتعليم والإدارة والمحاسبة والطب والإعلام والهندسة والطيران، وغير ذلك، وكل مهنة مختلفة عن الأخرى في أخلاقياتها. وغني عن القول أن الميثاق الأخلاقي يجب أن يتميز بمزايا متعددة؛ أهمها الاختصار، والسهولة، بالإضافة إلى الوضوح. مما وجدته أيضاً أن أخلاقيات الأعمال كفرع أكاديمي ظهر في السبعينات، ومن الشائع جداً تدريس الكليات والجامعات مادة في أخلاقيات المهنة، بل إن البعض يطالب بتدريسها من قبل بداية المرحلة المتوسطة، ليترعرع الطالب وهو مدرك لواجبات ومسؤوليات المهن المختلفة، حتى لو لم يكن عاملاً في المهنة ذاتها.
بقراءة سريعة في أخلاقيات المهن والحِرف والوظائف المختلفة وجدت أن بعض الشركات لا تسمح أن يعمل الإنسان فيها موظفاً وشريكاً في نفس الوقت، ووجدت أن بعض الشركات تنبه على ما يسمى بتجارة (العليم ببواطن الأمور)، فلا يمكن للعامل في الإدارة المالية للشركة أن يقوم بالتخلص من أسهمه في الشركة بالبيع، كما وجدت أن بعض المؤسسات تسمح للموظفين بقبول هدايا رمزية في حدود قيمة مالية محددة. ومع هذا فهناك قواسم مشتركة بين أخلاقيات المهن جميعها، ومنها عدم تعالي الموظف أو المسؤول على مراجعيه، وعدم خدعتهم أو خيانتهم وغير ذلك.
شخصياً وبعد هذا الإيجاز المختصر أتمنى من كل مؤسسة في القطاع العام أو القطاع الخاص تنشد النجاح والتطور أن تنتهي من وضع ميثاق أخلاق شرفي بينها وبين العاملين فيها، بحيث يكون ملزما لهم، وبحيث تكون هناك عقوبة رادعة للمخالفين منهم.. وللعلم فقد أوضحت دراسة سابقة لمعهد الإدارة العامة أن 50% من موظفي الأجهزة الحكومية يتأخرون عن أعمالهم، وأن 54% منهم يخرجون أثناء وقت الدوام لإحضار أولادهم من المدارس أو إنهاء بعض الأعمال الخاصة، وأن 69% منهم يتغيبون بدون عذر، وأن 95% منهم يغادرون قبل نهاية الدوام بساعة، و22% يغادرون قبل نهاية الدوام بساعتين، و12% يغادرون مشكورين ممنونين قبل نهاية الدوام بثلاث ساعات.