الكاتب العراقي علي حسين يجمعَ الفلاسفة من الأب الأوّل سقراط إلى بونتي على مائدةٍ واحدةٍ بعنوان (أحفاد سقراط) بكتاب صدر عن دار الرافدين ببغداد، وهو ثمرةُ شَّغفه بالفلسفة، لكنَّها لم تكن يتيمةً بل سبقها بمؤلفات أخرى.
عندما نندهشُ أحيانا فهل تعني الدهشة أننا نتفلسف؟
يبدأ الكاتب من (طاليس) الذي أسس مبدأ الدهشة وهذه خاصة بالإنسان، وطالما أنك تمتلك القدرة على الاندهاش تستطيع أن تبقى إنسانًا، فكانت هذه أولى خطوات الفلسفة، ثم دخلت إلى بيت الإنسان وحياته على يد آدم الفلسفة (سقراط) ومنه تفرعت شجرتها، للوصول إلى حقيقتنا لكن كيف؟
يقول سقراط: «أعرف شيئًا واحدًا هو أنني لا أعرف شئيًا» الشَّكُ المطلق قائد الحقيقة، فكلَّما زاد نكون قد وصلنا إليها، فهو سيّدُ المعرفة، وهذه تدلنا إلى بعض السعادة التي شغلت أرسطو وسؤاله «كيف يجب أن نعيش؟» فأجاب «أبحث عن السعادة».
وكلّ هذه البدايات هي الحجر الأساس لفلسفات أعمق؛ حتى يصل الإنسان أعلى مرحلة هي العيشُ بكرامةٍ، لكن كيف يتمّ ذلك؟ لعل أفلاطون أوّل من فكر وتنبّه إلى الديمقراطية ورأى أنها لا تنفع مع الشعوب التي لا تحترم العقل والفكر، وكان يصّر على أن الديمقراطيات تقود أحيانًا إلى الوهم بالحريات الزائفة، وهذه إجابة لمن يتساءل لماذا لم تنجح الديمقراطية بمجتمعات الشرق الأوسط والعراق بعد 2003 ؛ فالنضال من أجل حرية العقل والفكر في هذه البلاد قد ذهب سدى، وأغلب محاولات ولادة الديمقراطية أُجهضت من قبل السلطات والتاريخُ يشهد، ومنها محاولة ابن الكندي الذي يعدّ أوّل فيلسوف عربي، إذ يرى في كتابه (رسالة في الفلسفة الأولى) أن الفلسفةَ «هي التشبيه بأفعال الله بقدر طاقة الإنسان» وحاول أن يُنشأَ مدرسةً للعلوم الفلسفية، لكنّه واجه معارضة من رجال الدين في بغداد، الذين رأوا أنها كفرٌ وإلحاد في حين أنه كان مؤمنًا بعدم تعارض الفلسفة مع الدين، وبيّن أنه تعارض مزيف أوجده رجال الدين الذين كانوا يكرهون التفكير العقلي فقال: «يتاجرون بالدين في حين أنهم بلا دين» فعاش بمحنة كبيرة.
ولا ننسى أن نذكّر بابن الرشد، وابن حزم، وابن سينا وغيرهم تعرضوا للاضطهاد والإقصاء وحُرقت كتبهم؛ لأنّهم اشتغلوا بالفكر والعقل حتى الغزالي ينتصرُ بكتابه رسائل في الحكمة للعقل: «ولو جُعل العقل تحت يد الغضب والشهوة، لهلكت النفس».
ومن حقّ القارئ أن يسأل عن الفلسفة عند العرب المعاصرة؟
والديمقراطية اكتفت أن تكون اسمًا؟ والدولة التي نعيش عليها مجرد هيكل أو مسمّى أم أننا فعلًا نمتلك دولة حقيقية؟
يأتي الحفيد كانط بفلسفته ويسأل: كيف يضع العقل قوانين العالم، وماذا يستطيع أن يعرف؟
غير أن الكاتب علي حسين ينبّه القارئ أن تعثروا بفلسفة كانط. في أن هيغل في كتابه (ظاهريات الروح) كان يهدف إلى الارتفاع بالعنصر الفلسفي إلى مصاف العلمية، وكانت فلسفته مفتوحة تهتم بقضايا الإنسان، وأهمها الدولة التي رأى أنها «أرفع أشكال الروح الموضوعية» ،فجاء سبينوزا وأصّر أن «الغرض الأسمى من الدولة لا أن تحكم الناس ولا أن تحدّ من مجهودهم بل يجب أن تؤمّن الإنسان من كلّ المخاوف ويعيش بطمأنينة تامة. الغرض من الدولة أن تدع الناس يعيشون بعضهم بجانب بعض، كلّ يستغل قوته العقلية في صالح المجموعة» فهؤلاء الفلاسفة بيّنوا الدولة والديمقراطية فهما أساس العيش بكرامة وسعادة.
وعندما أشرقت شمس الفلسفة الوجودية جاء كيغارد وحلّ الوجود الإنساني بكلّ ما يحيطه من صراعات وقلق محلّ الوجود العقلي، وركز على تطور نظرية الدولة، وهي أن يرى الإنسان نفسه بوضوح.
لكن ماركس الذي وقفت شمس الفلسفة عنده بالمنتصف، عارض معلمه هيغل ورأى أن الدولة ليست هي التي تُسيِّر التاريخ، بل التاريخ هو الذي يشكل الدولة، فالإنسان لا يتمكن من التحرر إلا بأفعاله.
نلحظ اهتمام الفلاسفة بالدولة هل تربط بالإنسان وسعادته؟ ويكمل حول هذا المفهوم الفيلسوف هوبز بكتابه (اللفياثان) الذي يؤسس لنظرية فلسفة الدولة فيرى أن البشر أنشأوا تقاليد سياسية للحكم والدولة، استنادا إلى قدراتهم ومخاوفهم وطبائعهم الخاصة، وليس بناءً على الغيب أو تعاليم الدين.
ويضع الإنسانَ بالقسم الأوّل من كتابه، ويكمل هذه الخطى جون لوك الذي يدحض فكرة وراثة السلطة، ويقدم صورة واضحة لنشأة الحكم المدني فيقول: «إن جميع حكومات الأرض إن هي إلّا وليدة السطوة والعنف وأن البشر يعيشون معًا كما تعيش البهائم حيث الغلبة للأقوى، فعليه أن يبحث عن منشأ آخر للحكم ومصدر آخر للسلطة السياسية» ويكمل بهذا المفهوم هنيري ديفيد ثروو «إن الحياة الطليقة في ظل حكومة ظالمة هي سجن بعينه لمن ينشد في الحياة عدلًا».
لأن الفلسفة تهتم بالإنسان وكرامته وطريقة تفكيره، وطبائعه، ووجوده، وعقله، وحريته، ركّز أحفاد سقراط على مفهوم الدولة. كتاب أحفاد سقراط بوصلة القارئ إلى الفلسفة وعالمها الذي هو الإنسان نفسه، ويضع بين أيدي القارئ جوهر كلّ فلسفة بلغة رشيقة قريبة من الجمهور.
* ناقدة عراقية
عندما نندهشُ أحيانا فهل تعني الدهشة أننا نتفلسف؟
يبدأ الكاتب من (طاليس) الذي أسس مبدأ الدهشة وهذه خاصة بالإنسان، وطالما أنك تمتلك القدرة على الاندهاش تستطيع أن تبقى إنسانًا، فكانت هذه أولى خطوات الفلسفة، ثم دخلت إلى بيت الإنسان وحياته على يد آدم الفلسفة (سقراط) ومنه تفرعت شجرتها، للوصول إلى حقيقتنا لكن كيف؟
يقول سقراط: «أعرف شيئًا واحدًا هو أنني لا أعرف شئيًا» الشَّكُ المطلق قائد الحقيقة، فكلَّما زاد نكون قد وصلنا إليها، فهو سيّدُ المعرفة، وهذه تدلنا إلى بعض السعادة التي شغلت أرسطو وسؤاله «كيف يجب أن نعيش؟» فأجاب «أبحث عن السعادة».
وكلّ هذه البدايات هي الحجر الأساس لفلسفات أعمق؛ حتى يصل الإنسان أعلى مرحلة هي العيشُ بكرامةٍ، لكن كيف يتمّ ذلك؟ لعل أفلاطون أوّل من فكر وتنبّه إلى الديمقراطية ورأى أنها لا تنفع مع الشعوب التي لا تحترم العقل والفكر، وكان يصّر على أن الديمقراطيات تقود أحيانًا إلى الوهم بالحريات الزائفة، وهذه إجابة لمن يتساءل لماذا لم تنجح الديمقراطية بمجتمعات الشرق الأوسط والعراق بعد 2003 ؛ فالنضال من أجل حرية العقل والفكر في هذه البلاد قد ذهب سدى، وأغلب محاولات ولادة الديمقراطية أُجهضت من قبل السلطات والتاريخُ يشهد، ومنها محاولة ابن الكندي الذي يعدّ أوّل فيلسوف عربي، إذ يرى في كتابه (رسالة في الفلسفة الأولى) أن الفلسفةَ «هي التشبيه بأفعال الله بقدر طاقة الإنسان» وحاول أن يُنشأَ مدرسةً للعلوم الفلسفية، لكنّه واجه معارضة من رجال الدين في بغداد، الذين رأوا أنها كفرٌ وإلحاد في حين أنه كان مؤمنًا بعدم تعارض الفلسفة مع الدين، وبيّن أنه تعارض مزيف أوجده رجال الدين الذين كانوا يكرهون التفكير العقلي فقال: «يتاجرون بالدين في حين أنهم بلا دين» فعاش بمحنة كبيرة.
ولا ننسى أن نذكّر بابن الرشد، وابن حزم، وابن سينا وغيرهم تعرضوا للاضطهاد والإقصاء وحُرقت كتبهم؛ لأنّهم اشتغلوا بالفكر والعقل حتى الغزالي ينتصرُ بكتابه رسائل في الحكمة للعقل: «ولو جُعل العقل تحت يد الغضب والشهوة، لهلكت النفس».
ومن حقّ القارئ أن يسأل عن الفلسفة عند العرب المعاصرة؟
والديمقراطية اكتفت أن تكون اسمًا؟ والدولة التي نعيش عليها مجرد هيكل أو مسمّى أم أننا فعلًا نمتلك دولة حقيقية؟
يأتي الحفيد كانط بفلسفته ويسأل: كيف يضع العقل قوانين العالم، وماذا يستطيع أن يعرف؟
غير أن الكاتب علي حسين ينبّه القارئ أن تعثروا بفلسفة كانط. في أن هيغل في كتابه (ظاهريات الروح) كان يهدف إلى الارتفاع بالعنصر الفلسفي إلى مصاف العلمية، وكانت فلسفته مفتوحة تهتم بقضايا الإنسان، وأهمها الدولة التي رأى أنها «أرفع أشكال الروح الموضوعية» ،فجاء سبينوزا وأصّر أن «الغرض الأسمى من الدولة لا أن تحكم الناس ولا أن تحدّ من مجهودهم بل يجب أن تؤمّن الإنسان من كلّ المخاوف ويعيش بطمأنينة تامة. الغرض من الدولة أن تدع الناس يعيشون بعضهم بجانب بعض، كلّ يستغل قوته العقلية في صالح المجموعة» فهؤلاء الفلاسفة بيّنوا الدولة والديمقراطية فهما أساس العيش بكرامة وسعادة.
وعندما أشرقت شمس الفلسفة الوجودية جاء كيغارد وحلّ الوجود الإنساني بكلّ ما يحيطه من صراعات وقلق محلّ الوجود العقلي، وركز على تطور نظرية الدولة، وهي أن يرى الإنسان نفسه بوضوح.
لكن ماركس الذي وقفت شمس الفلسفة عنده بالمنتصف، عارض معلمه هيغل ورأى أن الدولة ليست هي التي تُسيِّر التاريخ، بل التاريخ هو الذي يشكل الدولة، فالإنسان لا يتمكن من التحرر إلا بأفعاله.
نلحظ اهتمام الفلاسفة بالدولة هل تربط بالإنسان وسعادته؟ ويكمل حول هذا المفهوم الفيلسوف هوبز بكتابه (اللفياثان) الذي يؤسس لنظرية فلسفة الدولة فيرى أن البشر أنشأوا تقاليد سياسية للحكم والدولة، استنادا إلى قدراتهم ومخاوفهم وطبائعهم الخاصة، وليس بناءً على الغيب أو تعاليم الدين.
ويضع الإنسانَ بالقسم الأوّل من كتابه، ويكمل هذه الخطى جون لوك الذي يدحض فكرة وراثة السلطة، ويقدم صورة واضحة لنشأة الحكم المدني فيقول: «إن جميع حكومات الأرض إن هي إلّا وليدة السطوة والعنف وأن البشر يعيشون معًا كما تعيش البهائم حيث الغلبة للأقوى، فعليه أن يبحث عن منشأ آخر للحكم ومصدر آخر للسلطة السياسية» ويكمل بهذا المفهوم هنيري ديفيد ثروو «إن الحياة الطليقة في ظل حكومة ظالمة هي سجن بعينه لمن ينشد في الحياة عدلًا».
لأن الفلسفة تهتم بالإنسان وكرامته وطريقة تفكيره، وطبائعه، ووجوده، وعقله، وحريته، ركّز أحفاد سقراط على مفهوم الدولة. كتاب أحفاد سقراط بوصلة القارئ إلى الفلسفة وعالمها الذي هو الإنسان نفسه، ويضع بين أيدي القارئ جوهر كلّ فلسفة بلغة رشيقة قريبة من الجمهور.
* ناقدة عراقية