سامي ثامر الرشيدي

قلتُ في إحدى المناسبات:

نجوم الليلِ يُظهرُها الظلامُ

ويظهَرُ بالشدائدِ أصدقاؤُكْ

فلا تدري لعلَّ الأمرَ خيرًا

ليلقى حتفَهُ يومـًـا عنــاؤُكْ

في 1992، بولاية نيو ميكسيكو الأمريكية، اشترت ستيلا ليبيك، البالغة من العمر 79 عامًا، من إحدى مطاعم ماكدونالدز، كوب قهوة بقيمة 65 سنتًا أمريكيًا. كانت جالسة بمقعد الراكب في سيارة فورد، التي كان يقودها حفيدها. ولأن السيارة لم يكن بها مكان تضعُ فيه كوب قهوتها الساخن، توقفوا في أحد مواقف المطعم، ووضعت ستيلا كوب القهوة بين ركبتيها لتفتح الغطاء وتضع السكر وكريمة القهوة. لكن، القهوة انسكبت! فتسببت لها بحروق من الدرجة الثالثة. كلفها ذلك البقاء في المستشفى لمدة ثمانية أيام لمعالجة الحروق وترقيع جلد فخذيها وأماكن أخرى. بعد ذلك، كتبت رسالة إلى ماكدونالدز تطلب دفع نفقات العلاج، والتي قدرتها بـ 20 ألف دولار. لكن، سلسلة مطاعم ماكدونالدز (آنذاك) ردت عليها بأنها توافق على دفع 800 دولار كتعويض لها.

لو سافرنا عبر آلة الزمن، وشاهدنا أحداث قصة ستيلا منذ البداية لجزمنا أن فرصة نجاحها في الحصول على تعويض عن نفقات علاجها الطبي ضيئلة جدًا. فماكدونالدز لم تسكب القهوة على حضن ستيلا. كما أن ستيلا تعلم أن كوب القهوة ساخن. فلماذا تتحمل ماكدونالدز الأضرار التي يتسبب بها زبائنها باستخدام منتجاتها؟ وكان بالفعل هذا المنطق.

لكن، ستيلا لم تستسلم، ورفعت قضية ضد ماكدونالدز في المحكمة. أثناء المحاكمة، رأت هيئة المحلفين المكونة من 12 شخصًا، أن ستيلا تتحمل جزءًا من خطأ الأضرار التي لحقت بها، مما يقلل من مبلغ التعويض عن إصاباتها. إذ قررت أن تتحمل ماكدونالدز 80% من الأضرار فقررت أن يكون التعويض 200 ألف دولار؛ ولكن، لأنها وجدت أن السيدة ستيلا تتحمل 20% من الضرر الذي لحق بها خفضت المبلغ ليكون 160 ألف دولار. ولكن، هيئة المحلفين كانت مستاءة من سياسة ماكدونالدز آنذاك. فمن خلال المرافعات، اتضح أن حادثة الحروق من الدرجة الثالثة لم تحدث فقط لستيلا؛ ولكن كان هناك – ما بين 1982 و1992، 700 تقرير يفيد بإصابة الزبائن من قهوتها الساخنة، بسبب أنها تقدم القهوة بدرجة حرارة تتراوح ما بين 180 إلى 190 فهرنهايت. فإذا انسكبت القهوة على الجلد عند هذه الدرجة تسبب حروقًا من الدرجة الثالثة خلال 3 إلى 7 ثوان. وبشهادة مدير ضمان الجودة في ماكدونالدز آنذاك، فإن القهوة عند هذه الدرجة لا تصلح للاستهلاك لأنها قد تسبب حروقًا في الفم والحلق. علاوة على ذلك، اعترفت ماكدونالدز أنها على علم بخطر الحروق من قهوتها، وأن المستهلكين لم يكونوا على دراية بذلك؛ كما أنها لم تحذرهم من ذلك.

بناء على تلك المعطيات، قررت هيئة المحلفين أن تمنح ماكدونالدز السيدة ستيلا ما يعادل إيرادات يومين من مبيعات القهوة لسلسلة مطاعمها، أي ما يقارب 2 مليون و700 ألف دولار كتعويض عقابي لماكدونالدز لكي تغير سياستها حيال تخفيض درجة حرارة القهوة. ولكن، توصلت ماكدونالدز مع ستيلا إلى تسوية لتخفيض مبلغ التعويضات فيما بعد.

تعتبر قضية ستيلا من أشهر القضايا في قانون التعويضات، وكذلك في تحسين سياسات سلامة المستهلك.

لذلك عندما تطلب كوبًا من القهوة في إحدى سلسلة المطاعم أو صناع القهوة الذين يحافظون على جودة منتجاتهم وسلامة زبائنهم، تجد أنهم يسألون: هل تريد (اكسترا هوت) أو (ستاندر). كما أنك تجد في كل كوب يحتوي على ماء ساخن مكتوب على أحد جوانبه: إحذر إنه يحتوي على مشروب ساخن. فـ«رُبَّ ضارةٍ نافعة»؛ و«النورُ يولدُ من رحمِ الظلام»، كما أن نجوم الليلِ لولا الظلام لما ظهرت وتألقت.