على الرغم من تطور القضاء وأجهزته، وقدرته على التعامل مع مختلف القضايا والخلافات والخصومات، إلا أن «الجاه»، أو «الجاهية» لا يزال عرفا وتقليدا محافظا على قوته وحضوره في حسم تلك الخصومات، حيث بقي عنوانا للصلح والصفح.
و«الجاه» أو «الجاهية» من العادات والتقاليد المتعارف عليها بين عدد من القبائل، وتحديدا في المناطق الجنوبية للمملكة عامة، ومنطقة نجران وما جاورها على وجه الخصوص، حيث لعب على الدوام دورا إيجابيا مهما في حل عدد من القضايا والخصومات، مخلفا عقبه الصلح وعودة المياه إلى مجاريها.
ويتجلى ذلك التقليد، بقدوم أفراد القبيلة ومعهم من يساندهم من قبائل أخرى يطلبون العون منهم بالتوجه إلى أصحاب الحق طلبا في رضاهم وطمعا بالعفو والصلح والتنازل، مقرين بالخطأ.
ويقدم الجاه لقبيلة أو لفرد يكون صاحب حق، ويطلب عفوها أو عفوه، ويأتي القادمون بالجاه وقد جلبوا معهم الإبل والغنم وغيرها، محكمين ومستحكمين، وعند لقائهم بصاحب الحق، يتقدم أحدهم، ويكون عادة صاحب جاه ومكانة في المجتمع، فيتكلم نيابة عن القادمين طلبا للصلح والعفو، وفي ختام كلامه يرمي هو ومن معه بـ«جاههم» أو «جيهانهم» أمام صاحب أو أصحاب الحق، وعادة ما تكون إما الجنبية أو الجنابي، وكذلك الغِتر والعُقل، وبعضهم يخلع ثوبه ويرميه بقولهم «هذه جيهاننا في رضاك، طالبين العفو والصلح والتنازل»، أو حتى في التنازل عن بعض المطالب وعادة ما يكون رد أصحاب الحق القول «ارحبوا شل الله جيهانكم» فيقوم أصحاب الحق بأخذ ما تم رميه وإعادته إلى أصحابه إعلانا منهم عن القبول والرضا والعفو.
عرف متوارث
يسرد حسين بن هادي آل نمرة، وهو أحد وجهاء منطقة نجران جانبا من تقاليد الجاه، ويقول «الوجه والجاه أغلى ما يملكه الإنسان، وفي المقابل يتلقى الترحيب والتقدير كعرف متوارث بين الناس».
ويفصّل «بادئ الحدث، يجتمع الوجهاء ومن معهم، ويقصدون بالوجه والجاه، وعادة يسوقون معهم عقائر من الأنعام (مثل الإبل والأغنام)، محكمين ومستحكمين في قول ورضى صاحب الحق أو ولي الدم بعد أخذ وجهاء وكفلاء وضامنين على ذلك في تنفيذ الحكم لصاحب الحق، حكم محمول مشمول، ومن هناك تقوم القبائل بالسعي عند ولي الدم للتخفيف من الحكم، أو العفو الشامل، وهذا ما يحدث غالبا».
وأضاف، يجب أن يتحمل الوجهاء الصعاب، وحل المشاكل حتى ينهوا الخلافات، كما أن أنظمة الدولة تدعم الصلح، وقد أوجدت لجنة إصلاح ذات البين التي من مهامها إنهاء الخلافات، ولا شك أن ديننا الحنيف قد حث على الإصلاح بقوله تعالى {إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
عادة أزلية
يوضح علي حنيش آل منجم أن الصلح القبلي عادة دأب عليها العرب، قبل أن تعتمدها الحكومات والأنظمة، وذلك لوضع حد للخلافات، وما زالت قائمة إلى وقتنا الحاضر كأعراف لها فوائدها التي كرستها الأنظمة وقبلت باستمرارها، وحافظت على مساحتها التي يؤثر فيها مشايخ وأعيان القبائل بتدخلهم بين قبائلهم لفض النزاعات والتحكيم.
أجر كبير
يعدّ مرجع آل سالم، الجاه نعمة أجرها عظيم طالما أن هدفها الإصلاح، وقد قال الله عز وجل «فمن عفى وأصلح فأجره على الله»، فمن كان هدفه الإصلاح أصلح الله سريرته وعلانيته.
ولا يبرئ آل سالم بعض المصلحين حاليا من السعي نحو تحقيق أهداف مالية، أكثر منها إنسانية، كأنه يعد الأمر عملا تجاريا، وقال «نرى أحيانا بعض التجاوزات في جمع بعض الديات التي باتت قيم بعضها تتجاوز عشرات الملايين من أجل أن يأخذ حصته منها، وهذا للأسف واقع مؤلم».
ويضيف «الجاه هو القوة التي يملكها الشخص الذي يريد الإصلاح إن كان شيخ قبيلة وله تأثير قوي، أو شخصا يملك المال وله جاه وكلمة، ويدفع من جيبه للإصلاح، أو رجل دين وله مكانته في المجتمع».
أيقونة الصلح
يرى مانع مصلح آل غفينه أن الجاه عادة ارتبطت وأطلقت على الشخص ذي المنزلة والقدرة والمكانة الرفيعة والشرف والمنزلة.
والجاه في القبيلة هو أيقونة الصلح بين المتنازعين أو إعتاق الرقاب أو حتى تلبية بعض الطلبات، وأصحاب الجاه لهم درجات حسب قيمة وأهمية كل منهم في المجتمع، فكلما علا شأن الشخص في المجتمع علا جاهه، وقد يكون صاحب الجاه شيخ قبيلة أو شيخ دين أو قريبا للشخص الذي يقصد بالجاهية فيستعان به على قريبه لتلبية الطلب، فيعطى لجاهه طلبه، ويسقط مطالبته تقديرا لهذا الشخص أيا كانت.
ثقافة راسخة
يصف حسن آل منصور، الجاه، بأنه من الأعراف القبلية القديمة التي تعلقت بالصلح، وهي ثقافة راسخة لدى المجتمع القبلي بدواعي فك ومنع الشر بين الأفراد والقبائل، ويتم تداول مواقف الصلح القبلي على الدوام بكثير من التقدير، خصوصا أنها غالبا ما تمنع فتنة، وتعد من الشيم والقيم المهمة بين القبائل، حتى أن هناك قولا يذكر:
ولا به بخيل إلاّ بخيل الجاه... ولا به كريم إلاّ الله الوالي.
الجاه
ـ عادة قبلية تم توارثها وتكريسها على الدوام
ـ يستخدم عادة لإحلال الصلح وإنهاء الخلافات
ـ يقوم عليه أشخاص ذوو مكانة ولهم تقديرهم
ـ ترافقه كلمات تطلب صفح وعفو صاحب الحق
ـ من طقوسه في بعض المناطق رمي الغترة أو العقال أو الثوب أو الجنبية
و«الجاه» أو «الجاهية» من العادات والتقاليد المتعارف عليها بين عدد من القبائل، وتحديدا في المناطق الجنوبية للمملكة عامة، ومنطقة نجران وما جاورها على وجه الخصوص، حيث لعب على الدوام دورا إيجابيا مهما في حل عدد من القضايا والخصومات، مخلفا عقبه الصلح وعودة المياه إلى مجاريها.
ويتجلى ذلك التقليد، بقدوم أفراد القبيلة ومعهم من يساندهم من قبائل أخرى يطلبون العون منهم بالتوجه إلى أصحاب الحق طلبا في رضاهم وطمعا بالعفو والصلح والتنازل، مقرين بالخطأ.
ويقدم الجاه لقبيلة أو لفرد يكون صاحب حق، ويطلب عفوها أو عفوه، ويأتي القادمون بالجاه وقد جلبوا معهم الإبل والغنم وغيرها، محكمين ومستحكمين، وعند لقائهم بصاحب الحق، يتقدم أحدهم، ويكون عادة صاحب جاه ومكانة في المجتمع، فيتكلم نيابة عن القادمين طلبا للصلح والعفو، وفي ختام كلامه يرمي هو ومن معه بـ«جاههم» أو «جيهانهم» أمام صاحب أو أصحاب الحق، وعادة ما تكون إما الجنبية أو الجنابي، وكذلك الغِتر والعُقل، وبعضهم يخلع ثوبه ويرميه بقولهم «هذه جيهاننا في رضاك، طالبين العفو والصلح والتنازل»، أو حتى في التنازل عن بعض المطالب وعادة ما يكون رد أصحاب الحق القول «ارحبوا شل الله جيهانكم» فيقوم أصحاب الحق بأخذ ما تم رميه وإعادته إلى أصحابه إعلانا منهم عن القبول والرضا والعفو.
عرف متوارث
يسرد حسين بن هادي آل نمرة، وهو أحد وجهاء منطقة نجران جانبا من تقاليد الجاه، ويقول «الوجه والجاه أغلى ما يملكه الإنسان، وفي المقابل يتلقى الترحيب والتقدير كعرف متوارث بين الناس».
ويفصّل «بادئ الحدث، يجتمع الوجهاء ومن معهم، ويقصدون بالوجه والجاه، وعادة يسوقون معهم عقائر من الأنعام (مثل الإبل والأغنام)، محكمين ومستحكمين في قول ورضى صاحب الحق أو ولي الدم بعد أخذ وجهاء وكفلاء وضامنين على ذلك في تنفيذ الحكم لصاحب الحق، حكم محمول مشمول، ومن هناك تقوم القبائل بالسعي عند ولي الدم للتخفيف من الحكم، أو العفو الشامل، وهذا ما يحدث غالبا».
وأضاف، يجب أن يتحمل الوجهاء الصعاب، وحل المشاكل حتى ينهوا الخلافات، كما أن أنظمة الدولة تدعم الصلح، وقد أوجدت لجنة إصلاح ذات البين التي من مهامها إنهاء الخلافات، ولا شك أن ديننا الحنيف قد حث على الإصلاح بقوله تعالى {إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
عادة أزلية
يوضح علي حنيش آل منجم أن الصلح القبلي عادة دأب عليها العرب، قبل أن تعتمدها الحكومات والأنظمة، وذلك لوضع حد للخلافات، وما زالت قائمة إلى وقتنا الحاضر كأعراف لها فوائدها التي كرستها الأنظمة وقبلت باستمرارها، وحافظت على مساحتها التي يؤثر فيها مشايخ وأعيان القبائل بتدخلهم بين قبائلهم لفض النزاعات والتحكيم.
أجر كبير
يعدّ مرجع آل سالم، الجاه نعمة أجرها عظيم طالما أن هدفها الإصلاح، وقد قال الله عز وجل «فمن عفى وأصلح فأجره على الله»، فمن كان هدفه الإصلاح أصلح الله سريرته وعلانيته.
ولا يبرئ آل سالم بعض المصلحين حاليا من السعي نحو تحقيق أهداف مالية، أكثر منها إنسانية، كأنه يعد الأمر عملا تجاريا، وقال «نرى أحيانا بعض التجاوزات في جمع بعض الديات التي باتت قيم بعضها تتجاوز عشرات الملايين من أجل أن يأخذ حصته منها، وهذا للأسف واقع مؤلم».
ويضيف «الجاه هو القوة التي يملكها الشخص الذي يريد الإصلاح إن كان شيخ قبيلة وله تأثير قوي، أو شخصا يملك المال وله جاه وكلمة، ويدفع من جيبه للإصلاح، أو رجل دين وله مكانته في المجتمع».
أيقونة الصلح
يرى مانع مصلح آل غفينه أن الجاه عادة ارتبطت وأطلقت على الشخص ذي المنزلة والقدرة والمكانة الرفيعة والشرف والمنزلة.
والجاه في القبيلة هو أيقونة الصلح بين المتنازعين أو إعتاق الرقاب أو حتى تلبية بعض الطلبات، وأصحاب الجاه لهم درجات حسب قيمة وأهمية كل منهم في المجتمع، فكلما علا شأن الشخص في المجتمع علا جاهه، وقد يكون صاحب الجاه شيخ قبيلة أو شيخ دين أو قريبا للشخص الذي يقصد بالجاهية فيستعان به على قريبه لتلبية الطلب، فيعطى لجاهه طلبه، ويسقط مطالبته تقديرا لهذا الشخص أيا كانت.
ثقافة راسخة
يصف حسن آل منصور، الجاه، بأنه من الأعراف القبلية القديمة التي تعلقت بالصلح، وهي ثقافة راسخة لدى المجتمع القبلي بدواعي فك ومنع الشر بين الأفراد والقبائل، ويتم تداول مواقف الصلح القبلي على الدوام بكثير من التقدير، خصوصا أنها غالبا ما تمنع فتنة، وتعد من الشيم والقيم المهمة بين القبائل، حتى أن هناك قولا يذكر:
ولا به بخيل إلاّ بخيل الجاه... ولا به كريم إلاّ الله الوالي.
الجاه
ـ عادة قبلية تم توارثها وتكريسها على الدوام
ـ يستخدم عادة لإحلال الصلح وإنهاء الخلافات
ـ يقوم عليه أشخاص ذوو مكانة ولهم تقديرهم
ـ ترافقه كلمات تطلب صفح وعفو صاحب الحق
ـ من طقوسه في بعض المناطق رمي الغترة أو العقال أو الثوب أو الجنبية