جدد موسم الحج الذي انتهى قبل أيام إنعاش عدد من العادات التي ما زالت متوارثة منذ عشرات السنين، وتمثلت في طرق استقبال الحجاج عند عودتهم إلى ديارهم سالمين بعد أدائهم الفريضة.
وتتباين عادات المناطق في استقبال حجاجها العائدين، على الرغم من تماثل بعض طقوسها التي تدور في مجملها في فلك الاحتفاء بعودة الحاج من رحلته الإيمانية، والتي كانت في السابق تتضمن كثيرا من مشاق الطريق والغياب، وإن كانت الأمور قد اختلفت كثيرا اليوم مع الخدمات الرائعة التي توفر للحجيج، ومع التطور على مستوى المواصلات والاتصالات، ما جعل الرحلة أكثر يسرا وأبسط في المتطلبات.
قاسم مشترك
تشترك معظم المناطق في الحرص على تزيين بعض الجدران الخارجية ومداخل منازل الحجاج، وحضور المئات من الأقارب والجيران والمعارف والأصدقاء لاستقبال الحاج العائد والاحتفاء بمقدمه وعودته سالما.
وكان هذا الطقس يشكل حدثا مهما، فحين يغادر الحاج منزله لأداء الفريضة كان يذهب ذهاب المودع الذي ربما لن يعود لما كان يتعرض له الحجاج من متاعب الطريق ومخاطر الرحلة.
وتتشارك معظم المناطق كذلك في أن لها أهازيج شعبية متوارثة لاستقبال حجاجها، ففي جازان مثلا يرددون أهازيج «العَجل» وهي نوع من الأهازيج التي أخذت مسماها من استعجال مجيء الحجاج، كما يستقبلون الحجاج بالزغاريد والألعاب النارية وتوزيع الحلوى على الجيران والأقارب، كما يجهزون «القعادة» وهي مكان يجلس فيه الحاج عند عودته خاصة إن كان رب الأسرة أو كبيرها، ومن عليها يروي بعض ما صادفه في الحج.
استقبال على المشارف
يشير الراوي، المؤرخ محمد القحص آل هتيلة إلى أنه «كانت عودة الحاج قديما إلى دياره بعد أدائه النسك حدثا بالغ الأهمية، وكانت رحلته من مكة المكرمة إلى نجران تستغرق أكثر من شهر، وكان الأهالي يخرجون إلى مشارف نجران ومداخلها الجبلية كالسرو وشليا وشعب بران لاستقباله، حيث يمرح الأطفال فرحين بمقدم الحجاج، طامعين في بعض ما قدموا به من الحلوى والهدايا».
ويضيف «كانت القرية بأكملها تجتمع مرحبة بالحجاج تعظيما لشأنهم، وكانوا يضيفون الحجاج فرحا بمقدمهم وعودتهم بعد رحلة محفوفة بكثير من المخاطر والمتاعب».
طابقان للرحلة
يتذكر آل هتيلة بعض متاعب رحلة الحج، ويقول «كانت سيارات شاحنة ـ فورد 5 أطنان ـ تستخدم لنقل الحجاج، وكان صندوقها مصمما بطابقين، طابق للرجال وآخر للنساء، وقد اشتهر بعضها في ذلك الوقت مثل سيارة آل أبو ساق وكذلك صالح آل معلاق، وسيارة ناصر آل هتيلة وفارس آل هتيلة في بداية النهضة، وكانت الرحلة متعبة جدا، حيث يستقل السيارة الواحدة أكثر من 50 إلى 60 حاجا، وكانت تسلك بهم عددا من الطرق الوعرة مثل يدمة وتثليث وبيشة والحرة، وتستغرق من 5 إلى 6 أيام، وكانت الأمراض هي أكثر من يخشاه الحجاج، إضافة إلى إضاعة الطرق».
ويكمل «لذا وبالنظر إلى مشاق الرحلة، كانت العودة بسلام حدثا كبيرا، يخرج لهم الجميع، وكان مكان استقبال الحجاج عند مركز يسمى طعزة، حتى يبشر الحجاج أهاليهم بعودتهم سالمين، وعند وصول السيارة إلى مركز أبا السعود وسط نجران، يستقبل أهالي وأقارب أصدقاء كل حاج حاجهم بالفرح والسرور والمباركة له بأداء نسكه وعدوته سالمًا».
ترقب في المرتفعات
يستذكر علي مهدي الكستبان أن عددًا من أهالي منطقة نجران كانوا يذهبون إلى أماكن مرتفعة في أطراف نجران ليشاهدوا مقدم الحجاج من بعيد عند توقع وصولهم، وكانوا يشتهرون بحدة البصر والدراية والمعرفة، ومن مسافات بعيدة يعرفون سيارات الحجاج القادمة، فيسرعون إلى أهالي الحجاج يبشرونهم بعودة حجاجهم، وينالون البشارة، فيما يستعد الأهالي لاستقبال القادمين، ويعدون الولائم فرحا بعودتهم، ويقيمون الأفراح والألعاب الشعبية ويطلقون النار احتفاء بالقادمين.
زامل ترحيبي
يوضح مهدي خضير أن الحجاج العائدين ما زالوا يحظون بالاهتمام والحفاوة، فتستقبلهم نجران مثلا بالفرح والمسرات والولائم والمباركة، مع ترديد عدد من الألوان الشعبية المعروفة، وفي مقدمتها الزامل الترحيبي.
النثيرة الحجازية
أما في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف، فتنتشر عادة يطلقون عليها «النثيرة» وهي عادة اجتماعية قديمة تعود إلى أكثر من 70 عاما تقام في موسم الحج من كل عام عند استقبال الحجاج العائدين من أداء فريضتهم.
وبحسب هذه العادة، تقوم الأسر بنثر مكونات النثيرة على الوافدين من الحج مصحوبة بالأهازيج الشعبية والفرح.
وتتكون النثيرة، من الحمص والملبس، وحلوى تسمى «القضامة» وحمص السوداني والخروم، والحلوى الملونة ذات النكهات المختلفة، حيث يتم وضع كافة المكونات في إناء فارغ ويتم خلطها مع بعضها البعض ثم نثرها على الحاج فور وصوله مع الزغاريد.
مواكبة العصر
يقول البائع سعيد سالم، وهو يعمل في منطقة البلد في جدة «أصبحت النثيرة حاليًا تقدم بطرق مميزة مواكبة للعصر، فاستخدمت في تعبئتها الأكياس المنظمة المبتكرة بطرق جديدة وألوان زاهية، مع وضع النثيرة بداخلها».
ويضيف بائع الحلويات في باب شريف بجدة مهدي أحمد «تطلب الجداويات النثيرة، ويقبلن عليها في موسم الحج، ويشتريها الحجاج لتقديمها للأهل والأصدقاء كهدايا بعد انتهاء رحلة الحج والعودة إلى بلادهم، كما أنها تعد عادة حجازية قديمة يحرص عليها سكان المنطقة الغربية من المملكة».
استعداد التجار
يزداد طلب الحجاج على «النثيرة» منذ قبيل الوقوف في عرفة، وحتى بعد العيد بـ5 أيام، ويطلبها حجاج كثر من مختلف مناطق المملكة، وهي محبوبة لمذاقها الحلو وألوانها الزاهية.
ويستعد التجار كل عام قبل الحج لتوفير كميات كبيرة جدا من الحمص، والحلوى، والخروم والحمص الجوهري، ويعرضونها في محلاتهم التجارية، وتقول سارة فؤاد إن «النثيرة كانت عادة احتفالية في منطقة الحجاز قديما، يحتفل عبرها بالقادمين من الحج، ويطلق على العائد من الحج للمرة الأولى «السرارة»، حيث يركب الحاج على ناقة أو خيل، ويتم التجول به في أرجاء المدينة في موكب حافل، وترمي عليه السيدات والأطفال من النوافذ والشبابيك حلويات النثيرة».
من موروث استقبال الحجاج
ـ تزيين المنازل
ـ كتابة بعض العبارات على الجدران
ـ الاستقبال بالأهازيج الشعبية الخاصة
ـ إقامة الولائم والاحتفالات وإطلاق الأعيرة النارية
ـ نثر ما يسمى «النثيرة» على الحجاج
وتتباين عادات المناطق في استقبال حجاجها العائدين، على الرغم من تماثل بعض طقوسها التي تدور في مجملها في فلك الاحتفاء بعودة الحاج من رحلته الإيمانية، والتي كانت في السابق تتضمن كثيرا من مشاق الطريق والغياب، وإن كانت الأمور قد اختلفت كثيرا اليوم مع الخدمات الرائعة التي توفر للحجيج، ومع التطور على مستوى المواصلات والاتصالات، ما جعل الرحلة أكثر يسرا وأبسط في المتطلبات.
قاسم مشترك
تشترك معظم المناطق في الحرص على تزيين بعض الجدران الخارجية ومداخل منازل الحجاج، وحضور المئات من الأقارب والجيران والمعارف والأصدقاء لاستقبال الحاج العائد والاحتفاء بمقدمه وعودته سالما.
وكان هذا الطقس يشكل حدثا مهما، فحين يغادر الحاج منزله لأداء الفريضة كان يذهب ذهاب المودع الذي ربما لن يعود لما كان يتعرض له الحجاج من متاعب الطريق ومخاطر الرحلة.
وتتشارك معظم المناطق كذلك في أن لها أهازيج شعبية متوارثة لاستقبال حجاجها، ففي جازان مثلا يرددون أهازيج «العَجل» وهي نوع من الأهازيج التي أخذت مسماها من استعجال مجيء الحجاج، كما يستقبلون الحجاج بالزغاريد والألعاب النارية وتوزيع الحلوى على الجيران والأقارب، كما يجهزون «القعادة» وهي مكان يجلس فيه الحاج عند عودته خاصة إن كان رب الأسرة أو كبيرها، ومن عليها يروي بعض ما صادفه في الحج.
استقبال على المشارف
يشير الراوي، المؤرخ محمد القحص آل هتيلة إلى أنه «كانت عودة الحاج قديما إلى دياره بعد أدائه النسك حدثا بالغ الأهمية، وكانت رحلته من مكة المكرمة إلى نجران تستغرق أكثر من شهر، وكان الأهالي يخرجون إلى مشارف نجران ومداخلها الجبلية كالسرو وشليا وشعب بران لاستقباله، حيث يمرح الأطفال فرحين بمقدم الحجاج، طامعين في بعض ما قدموا به من الحلوى والهدايا».
ويضيف «كانت القرية بأكملها تجتمع مرحبة بالحجاج تعظيما لشأنهم، وكانوا يضيفون الحجاج فرحا بمقدمهم وعودتهم بعد رحلة محفوفة بكثير من المخاطر والمتاعب».
طابقان للرحلة
يتذكر آل هتيلة بعض متاعب رحلة الحج، ويقول «كانت سيارات شاحنة ـ فورد 5 أطنان ـ تستخدم لنقل الحجاج، وكان صندوقها مصمما بطابقين، طابق للرجال وآخر للنساء، وقد اشتهر بعضها في ذلك الوقت مثل سيارة آل أبو ساق وكذلك صالح آل معلاق، وسيارة ناصر آل هتيلة وفارس آل هتيلة في بداية النهضة، وكانت الرحلة متعبة جدا، حيث يستقل السيارة الواحدة أكثر من 50 إلى 60 حاجا، وكانت تسلك بهم عددا من الطرق الوعرة مثل يدمة وتثليث وبيشة والحرة، وتستغرق من 5 إلى 6 أيام، وكانت الأمراض هي أكثر من يخشاه الحجاج، إضافة إلى إضاعة الطرق».
ويكمل «لذا وبالنظر إلى مشاق الرحلة، كانت العودة بسلام حدثا كبيرا، يخرج لهم الجميع، وكان مكان استقبال الحجاج عند مركز يسمى طعزة، حتى يبشر الحجاج أهاليهم بعودتهم سالمين، وعند وصول السيارة إلى مركز أبا السعود وسط نجران، يستقبل أهالي وأقارب أصدقاء كل حاج حاجهم بالفرح والسرور والمباركة له بأداء نسكه وعدوته سالمًا».
ترقب في المرتفعات
يستذكر علي مهدي الكستبان أن عددًا من أهالي منطقة نجران كانوا يذهبون إلى أماكن مرتفعة في أطراف نجران ليشاهدوا مقدم الحجاج من بعيد عند توقع وصولهم، وكانوا يشتهرون بحدة البصر والدراية والمعرفة، ومن مسافات بعيدة يعرفون سيارات الحجاج القادمة، فيسرعون إلى أهالي الحجاج يبشرونهم بعودة حجاجهم، وينالون البشارة، فيما يستعد الأهالي لاستقبال القادمين، ويعدون الولائم فرحا بعودتهم، ويقيمون الأفراح والألعاب الشعبية ويطلقون النار احتفاء بالقادمين.
زامل ترحيبي
يوضح مهدي خضير أن الحجاج العائدين ما زالوا يحظون بالاهتمام والحفاوة، فتستقبلهم نجران مثلا بالفرح والمسرات والولائم والمباركة، مع ترديد عدد من الألوان الشعبية المعروفة، وفي مقدمتها الزامل الترحيبي.
النثيرة الحجازية
أما في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف، فتنتشر عادة يطلقون عليها «النثيرة» وهي عادة اجتماعية قديمة تعود إلى أكثر من 70 عاما تقام في موسم الحج من كل عام عند استقبال الحجاج العائدين من أداء فريضتهم.
وبحسب هذه العادة، تقوم الأسر بنثر مكونات النثيرة على الوافدين من الحج مصحوبة بالأهازيج الشعبية والفرح.
وتتكون النثيرة، من الحمص والملبس، وحلوى تسمى «القضامة» وحمص السوداني والخروم، والحلوى الملونة ذات النكهات المختلفة، حيث يتم وضع كافة المكونات في إناء فارغ ويتم خلطها مع بعضها البعض ثم نثرها على الحاج فور وصوله مع الزغاريد.
مواكبة العصر
يقول البائع سعيد سالم، وهو يعمل في منطقة البلد في جدة «أصبحت النثيرة حاليًا تقدم بطرق مميزة مواكبة للعصر، فاستخدمت في تعبئتها الأكياس المنظمة المبتكرة بطرق جديدة وألوان زاهية، مع وضع النثيرة بداخلها».
ويضيف بائع الحلويات في باب شريف بجدة مهدي أحمد «تطلب الجداويات النثيرة، ويقبلن عليها في موسم الحج، ويشتريها الحجاج لتقديمها للأهل والأصدقاء كهدايا بعد انتهاء رحلة الحج والعودة إلى بلادهم، كما أنها تعد عادة حجازية قديمة يحرص عليها سكان المنطقة الغربية من المملكة».
استعداد التجار
يزداد طلب الحجاج على «النثيرة» منذ قبيل الوقوف في عرفة، وحتى بعد العيد بـ5 أيام، ويطلبها حجاج كثر من مختلف مناطق المملكة، وهي محبوبة لمذاقها الحلو وألوانها الزاهية.
ويستعد التجار كل عام قبل الحج لتوفير كميات كبيرة جدا من الحمص، والحلوى، والخروم والحمص الجوهري، ويعرضونها في محلاتهم التجارية، وتقول سارة فؤاد إن «النثيرة كانت عادة احتفالية في منطقة الحجاز قديما، يحتفل عبرها بالقادمين من الحج، ويطلق على العائد من الحج للمرة الأولى «السرارة»، حيث يركب الحاج على ناقة أو خيل، ويتم التجول به في أرجاء المدينة في موكب حافل، وترمي عليه السيدات والأطفال من النوافذ والشبابيك حلويات النثيرة».
من موروث استقبال الحجاج
ـ تزيين المنازل
ـ كتابة بعض العبارات على الجدران
ـ الاستقبال بالأهازيج الشعبية الخاصة
ـ إقامة الولائم والاحتفالات وإطلاق الأعيرة النارية
ـ نثر ما يسمى «النثيرة» على الحجاج