أي بُنيتي لقد علقتِ في أعماقي حملاً ثقيلاً لا أكاد أُطيقه، إن طهارتك وبراءتك جعلت من حبك لي شيئا لم يخطر ببالي ولم أكن أتخيله ولم أسمع عنه ولم أقرأ عنه، ولا جاءت به الأخبار في الكتب المسندة وغير المسندة، بل إنه هز كياني وروحي وأنا أتقدم إلى إكمال العقد السادس من عمري، وكم كنت أتمنى أن أكون أصغر من ذلك لأبقى أُعانق براءتك وطهارتك. بُنيتي إن الذي جعلني لكِ أبًا هو خالقي ومعبودي الذي صورني وجعلني في عينيك شيئا عظيما، أحببته من كل أعماقك وكيانك الصغير الحجم الكبير المعنى والقيمة، وقولك إنني أفضل من الله لهو قولٌ بريءٌ يدل على طهارة قلبك وعمق ما خطر بعقلك عندما أدركت ما أدركه ذاك الأعرابي الذي من شدة فرحه عندما وجد دابته يُناجي خالقه (أنتَ عبدي وأنا ربُك). فهذه الفرحة تكاد تُصور كيف أن الخالق يفرح بعباده عند رجوعهم إليه تائبين متطهرين من كل علائق الآثام والأدران الدنيوية الباطنة والظاهرة، فلما قلت لك بُنيتي ليس هناك شيء أفضل من الله، ألجأك ذكاؤك وبراءتك إلى أن أكون مثل الله ندًا له، فبينت لك أنني عبد من عباده، فالله هو الذي جعل لك أبا عظيما في عينيك.
بنيتي إنك جعلت لهذه الدنيا معنى آخر لم أذقه من قبل، إن براءتك وطهارة قلبك وروحك لو وزعت على هذه الدنيا لامتلأت سعادة وحبا، ولصيرت كل حروب هذا العالم المعاصر إلى تعاملات كريمة بين البشر تحترم إنسانيته وكرامته التي أسسها خالقنا وجبل فطرة الإنسان عليها (ولقد كرمنا بني آدم). هذا الموقف مع بُنيتي الصغيرة جعلني أتأمل في فكرة التطهير والطهر والتطهر والطهارة المعنوية والحسية وماهيتها وما المقصود والغرض منهما، وتلك الفكرة التي لطالما أسرتني منذ عقلتُ العلم والمعرفة وأصبحت لدي رؤية وتصورات عن الأشياء، وهذا التعقل قد حصل بعد مرور سنوات طويلة في ركب التعليم العام ولما تحصل مرحلة التعقل بعدُ، وهو دليل على أن فكرة التعقل للتصورات والأشياء ليست مرتبطة وملازمة للمسيرة العلمية التقليدية، بل هي مرحلة تختلف، وتتميز بظهور الوعي والإدراك الحقيقي للأشياء، وبروز مرحلة التأمل والتروي في الحكم على ما هو خارج نطاق الذات والروح الإنسانية. وهذه المرحلة كانت فاصلة ومفصلية في تغير النهج الحياتي الذي يسير عليه المرء في هذه الدنيا، فتحولات الوعي والشعور لدى الروح والذات الإنسانية مرتبطة ارتباطا وثيقا بفكرة التطهر من التلبس بالخطأ والوقوع في الشعور الملازم لفكرة الذنب والإثم الذي ارتكبته الروح الإنسانية، فتبقى مأسورةً بوشائج تلك الآثام والأخطاء المرتكبة التي تصورتها آنذاك أنها كانت عائقا عن فكرة تطهير الروح والذات الإنسانية من كل الأدران والأمراض التي تتلبسها ، فتغير مساراتها واتجاهاتها إلى طرق الشر التي لا تضمر أي خير للإنسانية جمعاء.
وفكرة تطهير الروح والذات كانت ولا تزال هي الهم الذي يُصاحب كل إنسان سوي، أدرك بوعيه أنه قد ارتكب خطأ وإثمًا يتعارض وعقيدته، وخصوصًا إذا ما كان متجهًا بعبادته هذه إلى إلهه الذي يؤمن به.
بدأ هذا الاعتقاد مع (آرسطو) في كتابه (فن الشعر)، حيث تحدث عن التراجيديا على أنها محاكاة (كفعل جاد) واللغة واسطة له وتقديمه من قبل ممثلين، وعبر عاطفتي الشفقة والخوف وصولاً إلى عامل التطهير – تطهير العواطف. وعلى مر العصور كان هناك من يؤمن بأن التراجيديا هي عملية لتطهير الروح والنفس من الأدران والأمراض التي تعتلق بها، وكأنها طريقة للاحتجاج على أعمال تلك النفس الشريرة وأنها بحاجة للتطهير من خلال تعريتها في العملية التراجيدية.
بيد أن الأديان السماوية على اختلافها، كانت لها طرق في تطهير النفوس والذوات الإنسانية مما علق فيها من أمراض ومما ارتكبته من ذنوب مخالفة لتعاليم وقيم ذلك الدين، فكانت عقيدة تطهير النفس لدى بعض الأمم تُعبر عن طريق لتطهير النفس عن وقوعها في الربا فحتى تتطهر من التعامل بالربا تم خلق وإنشاء عملية تطهيرية لهذه الأعمال، ولكي تزول الخطايا في الآخرة في مكان وسيط بين الجنة والنار يجري التخلص فيه من الآثام قبل نيل التطهير والخلاص، وكان هذا التصرف فيه بعض الشكلية دون الغوص في أعماق تلك الروح الإنسانية وجعل طهارته حقيقية ومعنوية، وهذا نجده فيما جاءت به تعاليم الإسلام ومقاصده، حيث إن المقاصد الشرعية لعموم الطهارة منقسمة على جانبين رئيسين؛ هما الطهارة الحسية والطهارة المعنوية.
وكما حدث مع الأمم السابقة من حيث التركيز على الشكلانية الظاهرية للتصرفات والأفعال، حدث ذلك لدى المسلمين أجمعين، فلنحظ أن التركيز الكبير على الطهارة الحسية الظاهرة دون الغوص في حقائق الأمور والضغط على إظهار الطهارة المعنوية والعمل بكل حرصٍ وجدٍ على تطهير الروح والذات الإنسانية (لا تَقُمْ فيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْـوى مِنْ أَوَّلِ يَوْم أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرينَ).
فالطهارة الشكلانية الظاهرية في التصرفات لا شك أنها مطلوبة بيد أنها إذا لم تكن متزامنة ومتصاحبة مع الطهارة الداخلية المعنوية لأرواح البشرية جمعاء فإنها لا تعدو أن تكون إلا غشًا وتدليسًا يُغذي أمراض القلوب من الكراهية والحسد والبغضاء، وعدم إضمار الخير واستبداله بسواد الشر والتربص للآخرين، وهنا تكمن إشكاليتنا المعاصرة التي نُعاني منها من خلال فساد الأخلاق وتردي القيم والمبادئ، حتى أضحى وجود الإنسان الصادق نادرًا جدًا وهذا مؤشر مؤذن بخطر محدق على المجتمعات.
بنيتي إنك جعلت لهذه الدنيا معنى آخر لم أذقه من قبل، إن براءتك وطهارة قلبك وروحك لو وزعت على هذه الدنيا لامتلأت سعادة وحبا، ولصيرت كل حروب هذا العالم المعاصر إلى تعاملات كريمة بين البشر تحترم إنسانيته وكرامته التي أسسها خالقنا وجبل فطرة الإنسان عليها (ولقد كرمنا بني آدم). هذا الموقف مع بُنيتي الصغيرة جعلني أتأمل في فكرة التطهير والطهر والتطهر والطهارة المعنوية والحسية وماهيتها وما المقصود والغرض منهما، وتلك الفكرة التي لطالما أسرتني منذ عقلتُ العلم والمعرفة وأصبحت لدي رؤية وتصورات عن الأشياء، وهذا التعقل قد حصل بعد مرور سنوات طويلة في ركب التعليم العام ولما تحصل مرحلة التعقل بعدُ، وهو دليل على أن فكرة التعقل للتصورات والأشياء ليست مرتبطة وملازمة للمسيرة العلمية التقليدية، بل هي مرحلة تختلف، وتتميز بظهور الوعي والإدراك الحقيقي للأشياء، وبروز مرحلة التأمل والتروي في الحكم على ما هو خارج نطاق الذات والروح الإنسانية. وهذه المرحلة كانت فاصلة ومفصلية في تغير النهج الحياتي الذي يسير عليه المرء في هذه الدنيا، فتحولات الوعي والشعور لدى الروح والذات الإنسانية مرتبطة ارتباطا وثيقا بفكرة التطهر من التلبس بالخطأ والوقوع في الشعور الملازم لفكرة الذنب والإثم الذي ارتكبته الروح الإنسانية، فتبقى مأسورةً بوشائج تلك الآثام والأخطاء المرتكبة التي تصورتها آنذاك أنها كانت عائقا عن فكرة تطهير الروح والذات الإنسانية من كل الأدران والأمراض التي تتلبسها ، فتغير مساراتها واتجاهاتها إلى طرق الشر التي لا تضمر أي خير للإنسانية جمعاء.
وفكرة تطهير الروح والذات كانت ولا تزال هي الهم الذي يُصاحب كل إنسان سوي، أدرك بوعيه أنه قد ارتكب خطأ وإثمًا يتعارض وعقيدته، وخصوصًا إذا ما كان متجهًا بعبادته هذه إلى إلهه الذي يؤمن به.
بدأ هذا الاعتقاد مع (آرسطو) في كتابه (فن الشعر)، حيث تحدث عن التراجيديا على أنها محاكاة (كفعل جاد) واللغة واسطة له وتقديمه من قبل ممثلين، وعبر عاطفتي الشفقة والخوف وصولاً إلى عامل التطهير – تطهير العواطف. وعلى مر العصور كان هناك من يؤمن بأن التراجيديا هي عملية لتطهير الروح والنفس من الأدران والأمراض التي تعتلق بها، وكأنها طريقة للاحتجاج على أعمال تلك النفس الشريرة وأنها بحاجة للتطهير من خلال تعريتها في العملية التراجيدية.
بيد أن الأديان السماوية على اختلافها، كانت لها طرق في تطهير النفوس والذوات الإنسانية مما علق فيها من أمراض ومما ارتكبته من ذنوب مخالفة لتعاليم وقيم ذلك الدين، فكانت عقيدة تطهير النفس لدى بعض الأمم تُعبر عن طريق لتطهير النفس عن وقوعها في الربا فحتى تتطهر من التعامل بالربا تم خلق وإنشاء عملية تطهيرية لهذه الأعمال، ولكي تزول الخطايا في الآخرة في مكان وسيط بين الجنة والنار يجري التخلص فيه من الآثام قبل نيل التطهير والخلاص، وكان هذا التصرف فيه بعض الشكلية دون الغوص في أعماق تلك الروح الإنسانية وجعل طهارته حقيقية ومعنوية، وهذا نجده فيما جاءت به تعاليم الإسلام ومقاصده، حيث إن المقاصد الشرعية لعموم الطهارة منقسمة على جانبين رئيسين؛ هما الطهارة الحسية والطهارة المعنوية.
وكما حدث مع الأمم السابقة من حيث التركيز على الشكلانية الظاهرية للتصرفات والأفعال، حدث ذلك لدى المسلمين أجمعين، فلنحظ أن التركيز الكبير على الطهارة الحسية الظاهرة دون الغوص في حقائق الأمور والضغط على إظهار الطهارة المعنوية والعمل بكل حرصٍ وجدٍ على تطهير الروح والذات الإنسانية (لا تَقُمْ فيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْـوى مِنْ أَوَّلِ يَوْم أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرينَ).
فالطهارة الشكلانية الظاهرية في التصرفات لا شك أنها مطلوبة بيد أنها إذا لم تكن متزامنة ومتصاحبة مع الطهارة الداخلية المعنوية لأرواح البشرية جمعاء فإنها لا تعدو أن تكون إلا غشًا وتدليسًا يُغذي أمراض القلوب من الكراهية والحسد والبغضاء، وعدم إضمار الخير واستبداله بسواد الشر والتربص للآخرين، وهنا تكمن إشكاليتنا المعاصرة التي نُعاني منها من خلال فساد الأخلاق وتردي القيم والمبادئ، حتى أضحى وجود الإنسان الصادق نادرًا جدًا وهذا مؤشر مؤذن بخطر محدق على المجتمعات.