سامي ثامر الرشيدي

في المسلسل الإسباني، «الحي الخطير»، بعد أن وجد نيلسون وأمه (غلاديس) أنه ليس بوسعهما استئجار منزل لعدم قدرتهما على دفع الإيجار، انتقلا للسكن في شقة معروضة للبيع لامرأة في الثمانين تدعي (اليثيا)، التي نقلت إلى دار المسنين بعد أن سقطت من درج العمارة. كان سقوطها بسبب نيلسون. حيث كان في أحد الأيام مطاردا من عصابة فدخل بيت اليثيا من النافذة ليختبئ، ومعه حقيبة الممنوعات التي كان يحملها.

وبعد فترة، رجع بحثا عن الحقيبة بينما كانت اليثيا في المنزل، وشعرت أن أمرا ما يحدث، فخرجت لتستكشف الأمر، عند وصولها إلى الدرج، ظهر نيلسون فجأة، ففزعت وسقطت. حاول نيلسون مساعدتها، لكن ذلك تزامن مع وصول تيرسو – صاحب الشقة المقابلة لـ(اليثيا)- هرب نيلسون خوفا من القبض عليه.

وبعد أيام، وجد نيسلون أن شقة اليثيا عرضت للبيع. عندها تأكد أن صاحبة الشقة لن تعود. اتصل بصديقه صاحب المفاتيح، وطلب منه تغيير أقفال باب الشقة.

ذهب بعدها إلى أمه غلاديس وفاجأها بالشقة. فقالت: لن نعيش خلسة في بيت دون إذن صاحبه ودون أن ندفع إيجاره. فنحن لم نهاجر من كولومبيا لكي نصبح مجرمين. فقال: فقط نريد أن نسكن. فالبيت خالٍ من أهله، كما أننا لن نؤذي أحدًا. وبالفعل سكنوا شقة اليثيا.

الغريب بالأمر، إنه بعد إبلاغ الشرطة عقب فترة من الزمن، اكتفى الشرطي بإبلاغهم أن عليهم مغادرة الشقة فورا، أي أنه لم يتعامل معهم على أنهم ارتكبوا جريمة تستحق الإيقاف أو المحاكمة.

الأغرب من ذلك، أنه عندما جاء خافيير (ابن اليثيا)، الذي كان يعيش في مدينة أخرى، لم يأتِ ومعه أمر قضائي من المحكمة للإخلاء أو بصحبة أحد رجال الأمن. لكنه، أتى ومعه وكيلة العقار، وطلب من غلاديس فقط أن تسلم المفاتيح وتغادر.

قد يثير المشهد تساؤلات المشاهد حول حقيقة ما إذا كان ذلك يمكن أن يحدث على أرض الواقع.

قانونًا، نجد أن ما فعله نيلسون وأمه في سكنهم الشقة «دون إذن» منها، ودون «دفع مقابل لذلك» و«أمام مرأى الجميع» يندرج ضمن حالات «وضع اليد» أو ما يعرف بإسبانيا بــOkupa. فنيلسون وغلاديس في هذه الحالة «واضعو يد»- أي أنهم يحاولون تملك الشقة من خلال ما يسمى بـ«الحيازة العكسية».

محكمة الاستئناف البريطانية، في قضية ماكفيل ضد مجهولين [1973]، عرّفتْ «واضع اليد» بأنه: الشخص الذي يدخل منزلا أو أرضًا غير مأهولة بنية البقاء لأطول فترة ممكنة، دون وجه حق. السؤال هنا، لماذا يعرض هذا المشهد في مسلسل عالمي؟ هل بالفعل ظاهرة واضعي اليد على الوحدات السكنية منتشرة في إسبانيا؟

في مقاله «الأزمة تجتذب واضعي اليد إلى المباني الخالية في إسبانيا» المنشور على الموقع الرسمي لـ«رويترز» (2012)، ذكر بول داي أن ظاهرة واضعي اليد على الوحدات السكنية والمباني غير المأهولة أمر نادر في إسبانيا. لكنه بدأ يزداد بعد انهيار العقارات عام 2008، آلاف المباني خالية. ووفقا لمقال للبلومبرغ نيوز منشور في الفايننشال بوست (2013) بعنوان «انتشار واضعي اليد في إسبانيا في أعقاب حبس الرهن العقاري»، إن ما يجعل إسبانيا فريدة من نوعها عن البلدان الأخرى هو عدد المنازل الخالية. حيث شهدت بناء 675000 منزلًا سنويًا من 1997 إلى 2006، أي ما يعادل ما تبنيه فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مجتمعة. في مقال في Spanish Property Insight يذكر مارك ستوكلين (2020)، أن هناك تقريرا أعده أربعة مؤلفون منهم إحدى الشركات العقارية الرائدة في إسبانيا بعنوان: «دعونا نستأصل المساكن العشوائية في إسبانيا».

يذكر التقرير أن هناك 100 ألف وحدة سكنية مأهولة بواضعي اليد؛ وأن هناك – وفقا لوزارة الداخلية الإسبانية كما يذكر التقرير – أكثر من 14 ألف بلاغ مسجل ضد واضعي اليد في عام 2020. ويُحذر التقرير من أن السماح بواضعي اليد ما هي إلا الخطوة الأولى «للشيوعية» التي تلغي حقوق الفرد الخاصة.

إذا ما أعدنا مشاهدة ما فعله نيلسون وأمه في سكنهم لشقة اليثيا نجد أن ذلك قريب من الواقع. فأول ما فعله نيلسون هو «تغيير أقفال الشقة». فوفقًا لدليل «المساكن العشوائية»، الذي نشرته منظمة Okupatutambien أو «كن واضع يد أيضًا» عبر الإنترنت – وفقا للبلومبرغ نيوز – فإنه يجب على واضعي اليد أن يدخلوا العقارات غير المأهولة فقط؛ وأن يتفادوا القبض عليهم من قبل المالكين أو السلطات لأنهم قد يتهمون بنية السرقة. فبمجرد الدخول، عليهم أن يملأوا ثقوب المفاتيح بالغراء أو يغيروا الأقفال. فإذا تمكن واضعو اليد من إثبات أنهم بالداخل لعدة أيام – أي ما يتجاوز 48 ساعة – دون مغادرة، فسيصنف المنزل على أنه منزلهم؛ ويكون الملاذ الوحيد للمالك الفعلي للمنزل هو البدء في إجراءات قانونية طويلة ومكلفة لإثبات الملكية في المحكمة.

رغم أن نيلسون وغلاديس كواضعي يد قد يثيران التعاطف، عند مشاهدة أحداث المسلسل، إلا أن ذلك لا يبرر لهم ما فعلاه. فكما تذكر محكمة الاستئناف (أعلاه) في أسباب حكمها: أن واضع اليد قد يبرر سلوكه بأنه مشرد أو أن المكان غير مأهول لفترة زمنية طويلة.

لكن ذلك ليس له سند قانوني. فلو تم قبول «التشرد» كدفاع عن التعدي على ممتلكات الغير، فلن تكون منازل الآخرين بأمان. لذلك يجب على المحاكم اتخاذ موقف حازم، فالجياع والمشردون تخفف عليهم محنتهم الجمعيات الخيرية والمحسنون.