حين أتحدث عن تاريخ الطائف وبعض من آثاره ومواقعه فهو حديث ذو شجون، يمتد لسنوات خلت كنت شغوفا بالقراءة فيه، وتتبع أخباره مع من أدركت من كبار السن، ومع مرور الزمن وممارسة ضروب التحقيق في العلم ومناهجه تكللت لديَّ بعض الرؤى حول بعض المسائل التي كانت وستظل موضع نقاش وبحث بين الباحثين والمهتمين، ومنها الجدل القائم حول موقع مسجد ابن عباس، الذي كان يصلي فيه ويلقي دروسه لطلابه ومريديه في الطائف، بعد أن سكنها -رضي الله عنه وأرضاه.
وكنت قد شاهدت عدة مقاطع لمرشدين سياحيين، وقرأت كلاما لبعض الفضلاء المهتمين يجزمون جميعهم أن مسجد ابن عباس هو المسجد المبني بالحجارة في سفح جبل المدهون بالمثناة جنوب قصر حدائق المثناة الآن، وينفون أن يكون مسجد ابن عباس الكبير الآن هو مسجده الذي كان يصلي فيه ودفن بجواره، وهذا في اعتقادي خطأ واضح من عدة وجوه؛ حيث حصل حول تاريخ المسجد عدة أوهام -في نظري- تحتاج إلى مزيد من التمحيص.
وهنا يجدر بي أن أنبه على أن الجزم والقطع المطلق في مثل هذه القضايا التاريخية التي تفصل بيننا وبينها مئات السنين دون مستند علمي صريح صحيح لا جدال فيه أمر خاطئ، ولكن ذلك لا يمنع المحققين والمدققين من استنطاق الوثائق التاريخية وقراءتها وتحليلها والمقارنة بينها والترجيح بغالب الظن وأقواه.
قول بلا أدلة تعضده
القول إن مسجد جبل المدهون هو مسجد ابن عباس لا يعضده دليل، بل هو في اعتقادي قول خاطئ لوجوه عدة، أولها: أنه من قول بعض فضلاء المتأخرين كالقاضي الطيب -رحمه الله- استنادا لكلام بعض كبار السن من العامة، أو بسبب وقف الشريف عبدالمطلب عليه بعض البساتين، دون أن يكون هناك رواية تاريخية يمكن أن يصار إليها، بل جميع الروايات تشير إلى المسجد الحالي الكبير المشهور.
ثانيها: أن ابن عباس حين دخل الطائف وسكنها، لا نظن أنه سيترك المكان الذي صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقام فيه 40 يوما، كما في صحيح مسلم (على خلاف في عدد الأيام)، ويترك كذلك مكان سكنى القوم من ثقيف، ويتخذ له مكانا قصيا عنهم، يسكن ويصلي فيه، إذ لا داعي لكل ذلك.
ثالثها: أن هذا المسجد في جبل المدهون لم يرد ذكره عند من أرَّخوا للطائف أو الرحالة الذين مروا به، ولو كان لابن عباس مسجدا هنا ما ترك ذكره ووصفه ولو عرضا أحد منهم.
رابعها: أن مؤرخ الطائف الشهير العُجيمي (1113) صاحب كتاب: إهداء اللطائف من أخبار الطائف لم يذكره في كتابه ومروياته، مع أنه ذكر عددا من مساجد الطائف ومن بينها مسجد القنطرة القريب من المسجد المذكور، ومساجد أخرى هي أقل شأنا من هذا لو كان صحيحا منسوبا لابن عباس، هذا إذا أضفت إلى ذلك أن العجيمي -رحمه الله- كان محبا ومعظما لابن عباس حد التبرك بقبره، فكيف يعيش العجيمي في الطائف ويجاور قبر ابن عباس ثم هو لا يعرف هذا المسجد في جبل المدهون، ولا يذكره في كتابه عن الطائف!
خامسها: أن المرجاني وهو ممن زار الطائف وكتب شيئا من مشاهداته فيه، في كتابه بهجة النفوس وعنه نقل العجيمي، لم يشر لهذا المسجد، والمرجاني أيضا من أعيان المتصوفة في القرن الثامن.
سادسها: أن المؤرخ ابن فهد (954) كتب كتابا خص به الطائف وابن عباس سماه: تحفة اللطائف في فضائل الحبر ابن عباس ووج والطائف، ولم يأت على ذكر هذا المسجد وعن صلاة ابن عباس فيه!.
سابعها: أن الأستاذ الزركلي (1396) زار المثناة في رحلته، وذكر بساتينها ووصفها، وذكر أنهم صعدوا جبلا لم يعرف اسمه، وغالب الظن أنه جبل المدهون، ومع ذلك لم يذكر مسجد ابن عباس رغم أهمية ذلك لو كان معروفا وصحيحا!.
أين المسجد
لسائل أن يقول إذا كان ذلك صحيحا -وهو صحيح إن شاء الله- فأين هو المسجد الذي اتخذه ابن عباس مصلّى له ومكانا لعلمه وتعليمه؟، ونقول هنا مستعينين بالله أنه أحد مسجدين لا ثالث لهما، الأول: هو مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي بني عليه المسجد العباسي لاحقا، وبجواره قبره الآن وهو الأرجح عندنا.
الثاني: مسجد الطائف أو قل المسجد الذي بني على أنقاض اللات التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهدمها، وبين المسجدين مسافة يسيرة يقطعها السائر على قدميه في 5 دقائق.
تنبيه إلى أمور
هنا ننبه إلى أمور، الأول: أن المسجدين يرد ذكرهما في كتب التاريخ والسير والتراجم والسنن فينبغي التفريق بينهما وعدم الخلط، فإذا ذكر المؤرخون مسجد الطائف فيقصدون به المسجد الذي بناه عثمان بن أبي العاص بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هدم اللات (طاغية ثقيف وصنمها)، إلا إذا دل السياق على خلاف ذلك، وإذا ذكر مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالمقصود به الموضع الذي كان يصلي فيه مع صحابته في حصار الطائف قريبا من حصنها، وهو موضع المسجد العباسي الآن الذي بجواره قبر الحبر ابن عباس، وبناه عمرو بن أمية الثقفي (على خلاف في اسمه) في موضع صلاة النبي.
وإذا عرفنا ذلك أمنّا من اللبس الذي وقع فيه بعضهم، كالذي جاء عند الأستاذ القدير ضياء محمد عطار في مقاله: «رفع اللبس عن تاريخ مسجد ابن عباس بالطائف» في صحيفة المدينة بتاريخ 18 أبريل 2012، فإنه ظن أن مسجد الطائف الذي ذكره المؤرخون هو نفسه الذي بناه عمرو بن أمية أو ملتصقا به! وليس الأمر كذلك، وذكر المسجدين في كتب السير والحديث تأتي متفرقة من حيث المكان ومن حيث اسم من بناها وجمعها في مسجد واحد خطأ ظاهر.
الثاني: سبب ترجيحنا أن ابن عباس اتخذ مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصلى له ومكانا لدروسه دون مسجد الطائف هو فضل البقعة التي صلى فيها -عليه السلام- على غيرها، وما نظن أن ابن عباس يترك هذا الفضل لمسجد آخر، وذلك لا يمنع أن يكون ابن عباس كان يصلي فيهما لقربهما من بعض.
الثالث: أن الفترة التي سكن فيها ابن عباس الطائف لم يذكر المؤرخون من المساجد فيها إلا هذين المسجدين ومسجد آخر في ليّة، وفي الصادرة من نخب، وكلاهما كانا موضع لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم، وهما بعيدان عن موضع اجتماع ثقيف وكثرتها في داخل سورها وحصنها.
الرابع: أن مسجد ابن عباس الحالي لم يكن يعرف بهذا الاسم، بل كان مسماه مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم صار متأخرا يسمى بالمسجد العباسي، وقد يكون ذلك ما كان إلا بعد القرن السادس، أي بعد إعادة بنائه من الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبي العباس بن المستضيء بأمر الله.
الخامس: تصحيح الخطأ الذي وقع فيه الفاسي ثم المرجاني ثم نقل عنهما العجيمي من أنّ أول ما بني المسجد العباسي في أيام الناصر لدين الله السابق ذكره، وأقول إنه خطأ بناء على نص نفيس وجدناه عند ناصر خسرو عن قصبة الطائف، حيث يقول عنها: «وبجوارها قبر عبدالله بن عباس، فقد بنى خلفاء بغداد هناك مسجدا كبيرا يقع القبر في زاويته، على يمين المحراب والمنبر».
وكان دخول خسرو للطائف عام 442 للهجرة، ويدل هذا النص المهم على أن خلفاء العباسيين اهتموا بهذا المسجد، فقد ورد ذكرهم هنا بصيغة الجمع، ما يدل على أنه بني من أكثر من خليفة واستمر الأمر كذلك حتى جاء المستضيء بأمر الله فواصل ما فعله أسلافه، وبناه البناء الكبير الذي اشتمل على موضع صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم.
ويشهد لذلك أن المرجاني ذكر نقشا في خشب القبر مكتوب فيه: أمر بعمله المقتفي لأمر الله في سنة 547 للهجرة، وكذلك ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام أنه وجد بخارج الجدار القبلي من المسجد العباسي حجرا مكتوبا فيه: أمرت السيدة أم جعفر بنت أبي الفضل أم ولاة عهد المسلمين -أطال الله بقاءها- بعمارة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم بالطائف، وذلك في سنة 192 للهجرة، ونلاحظ هنا الاهتمام الحقيقي من خلفاء بني العباس بهذا المسجد، ولا غرو فجواره قبر عبدالله ابن العباس، حيث ينتسبون إليهما، وهذا يجعلنا نرجّح أن سبب تسمية المسجد بالمسجد العباسي أو العباس راجع لخلفاء بني العباس واهتمامهم به، ثم لما انقضت دولتهم وأفل نجمهم صار الناس إلى تسميته باسم ابن عباس، كما هو شائع الآن نسبةً إلى الحبر.
ويمكن تخريج قول الفاسي على وجه آخر صحيح، وهو أنه قصد البناء الموجود في وقته، والذي استمر لوقت طويل بعده وأنه أول ما بني (هذا المسجد) بصورته التي هو عليها حينها في عهد الناصر، كأن تقول الآن إن أول ما بني هذا المسجد بصورته الحالية في عهد الملك سعود -رحمه الله-، وأن الفاسي لم يقصد بداية بناء المسجد في هذه البقعة المعروفة اليوم، وهو وجه محتمل ويدفع اللبس عن قول الفاسي.
السادس: أن ما ذكره المؤرخ محمد حسن شراب في كتابه المعالم الأثيرة حين قال: «ومسجد النبي أيام حصار الطائف هو الموضع الذي اتخذه عبدالله بن عباس مسجدا» قول موفق، ولا يعترض عليه ما ذكره الأستاذ ضياء عطار، أنه قول خطأ؛ لأن هذا المسجد لم يبنه ابن عباس ولا هو من أنشأه، فذلك ما لم يقله محمد شراب، بل قال اتخذه مسجدا، ما يشير بظاهره إلى أنه كان موجودا قبله، واتخذه مسجدا دون غيره.
أما المسجد الذي بناه عثمان بن أبي العاص على موضع اللات بعد هدمها فقد يكون من المحتمل أن ابن عباس كان يصلي فيه حينا لقرب المسجدين من بعضهما، وغالب الظن أن المسجد الذي ذكره ناصر خسرو في قصبة الطائف هو مسجد الطائف الذي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ببنائه على أنقاض اللات، حيث يقول خسرو: «وقصبة الطائف هذه مدينة صغيرة بها حصن محكم وسوق وجامع صغيران، وبها ماء جار وأشجار رمان وتين كثيرة، وبجوارها قبر عبد الله بن عباس، وقد بنى خلفاء بغداد هناك مسجدا كبيرا يقع القبر في زاويته»، فتلاحظ هنا أنه ذكر ابن العباس وذكر مسجدا صغيرا، ولذا فإن السؤال يظل قائما أين ذهب هذا المسجد ولم يعد له ذكر؟ وهل يعقل أن يزال مسجد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- به؟ بعد أن صار وقفا من الأوقاف؟.
مسجد السنوسي
يساورني الشك أن المسجد الذي يسمى الآن مسجد السنوسي الموجود بجوار برج غلفة، والذي كان يسمى بمسجد الريع، كما عند العجيمي هو مسجد الطائف القديم، الذي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الدكتور سليمان آل كمال أن هذا المسجد لا يُعرف أول من أنشأه، بينما ذكر العجيمي أن هذا المسجد هو الموضع الذي صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وحوّطه عداس فيما يقال، وأن الناس كانوا يدعون فيه يوم عرفة إلى غروب الشمس.
وتبنى هذا الرأي عبدالحفيظ القاري في رسالته عن الطائف، وينقل الزركلي عن الحظراوي أن هذا المسجد كان يسمى مسجد عداس، وأنه من «قديم الآثار والمزارات»، ولعل الأصوب -والعلم لله- أنه هو مسجد الطائف القديم، إذ ليس قرب مسجد ابن عباس الحالي مسجد أقدم منه، فيكون هو الذي ذكره ناصر خسرو في رحلته، ونسبته للسنوسي، إنما كان بسبب ملاصقته لداره وأملاكه، وبسبب طول العهد والبعد اتخذ الناس له في كل مدة من الزمن اسما، حتى نقل هيكل أنه كان يسمى بمسجد الطرابلسي، وسبب ذلك أن إمامه حينها كان عبدالملك الطرابلسي.
موضع اللات
كذلك مما يؤيد ذلك أن موضع اللات كان في داخل سور الطائف، ومن المعلوم عند أصحاب السير والتواريخ أن اللات لما أسلمت ثقيف بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فهدماهما، وهي اليوم تحت منارة مسجد الطائف هكذا ذكر الواقدي والكلبي في الأصنام، وإذا كانت اللات تحت منارة مسجد الطائف فالمقصود ليس مسجد النبي الذي يعرف الآن بمسجد ابن عباس، كما توهم العطار وغيره، من أن المسجدين مسجد واحد لأسباب منها:
- أن موضع اللات لم يكن خارج السور حيث عسكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وملاصقا لموضع صلاته بين القبتين كما هو معروف، ولو كانت اللات خارج السور لهدمها على ثقيف إذ لا يعقل أن يحرق مزارعهم وثمارهم ويهدم حصونهم ثم يصلي ملاصقا للطاغية ولا يهدمه، ويكشف لثقيف أن طاغيتهم لا يغني عن نفسه شيئا!.
- أن اللات كان في داخل السور وبين ظهراني ثقيف وتحت حمايتها وسدانتها، وهذا ما نص عليه الذهبي في السير حيث قال: «واللات بيت بين ظهري الطائف يستر ويهدى له الهدي، كما يهدى للكعبة»، ونقل البغوي عن الكلبي في تفسيره قوله: «فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ حَوَّلَتْهَا ثَقِيفُ إِلَى مَنَازِلِهَا -أي الصخرة- فَعَبَدَتْهَا، فَسِدْرَةُ الطَّائِفِ عَلَى مَوْضِعِ اللَّاتِ»، والشاهد أن ثقيف وضعت اللات في منازلها وليس خارجا عنها!.
- أن الذين ذكروا أن اللات تحت منارة مسجد الطائف كياقوت والكلبي وابن كثير والقرطبي وغيرهم ذكروا أنها تحت المنارة اليسرى، ومنارة مسجد ابن العباس لم تكن يسرى بل كانت منارته في الجهة الخلفية منه، وهي التي ذكر المرجاني وغيره أن تحتها بئرا وليس صنم اللات!، وقولهم المنارة اليسرى يوحي بأن لمسجد الطائف المذكور منارتان (يمنى ويسرى)، وقد فطن لذلك العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير، وليس لمسجد ابن عباس منارتان يسرى ويمنى، ثم إن المنارة القديمة لمسجد ابن عباس كانت خلفه من الجهة اليمنى للمسجد وليست من الجهة اليسرى!.
- وعليه فلا يعقل أن يكون المسجد الذي صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- واللات في موضع واحد جمعا مع بعضهما لبعد المسافة بينمها، إذ موضع اللات داخل الطوف وموضع صلاته خارج الطوف.
وسور الطائف القديم (الطوف) هو في الجهة المقابلة لقبلة ابن عباس، حيث يقع الآن مسجد الريع أو مسجد السنوسي الذي نرجح أنه هو مسجد الطائف وتحت منارته صخرة اللات، وتحديد موضع الطائف القديم وطوفها هو في هذا الموضع على ما رجحه الأستاذ الكبير محمد سعيد كمال -رحمه الله، وهو -في نظري- أفضل من حدد مكان الطوف القديم للطائف بقراءة وأدلة متميزة، رغم أنه توسع في تحديد الطوف بأكثر مما كان عليه فيما نرى، والعلم لله.
ولكن ما يعكر هذا الظن من أن مسجد السنوسي أو الريع هو موضع اللات هو سبب غفلة مؤرخي الطائف منذ الميورقي ومن بعده، وصولا للعجيمي عن ذكر مسجد الطائف باسمه وموضعه، وقد يكون السبب هو الرغبة في إخفاء ذكر اللات ومعالمها ومكانها والتعمية عليها حفظا لجناب التوحيد، كما حصل في شأن شجرة البيعة، حيث ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح الحكمة في إخفائها، وهي ألا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم الجهال لها، حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع وضر، كما نراه الآن مشاهدا فيما دونها، قال: وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: كانت رحمة من الله؛ أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى، وتظل هذه المواضع وتحديد أماكنها على وجه الدقة من ضروب الاجتهاد التي تدور بين الراجح والمرجوح.. والعلم لله على كل حال.
أدلة تنفي أن يكون مسجد جبل المدهون هو مسجد ابن عباس
ـ ليس هناك رواية تاريخية يمكن الركون إليها بهذا الشأن.
ـ ابن عباس لن يترك مكانا صلى فيه النبي ليسكن ويصلي بعيدا عنه.
ـ لا يرد ذكر مسجد جبل المدهون عند مؤرخي الطائف والرحالة الذين مروا بها.
ـ لم يذكره العجيمي كمسجد ابن عباس مع أنه أورد مساجدا أقل شأنا.
ـ لم يشر له المرجاني الذي كتب عن الطائف.
ـ لم يأت المؤرخ ابن فهد على ذكر له.
ـ لم يذكره الزركلي ما يدل على أنه ليس معروفا وصحيحا.
وكنت قد شاهدت عدة مقاطع لمرشدين سياحيين، وقرأت كلاما لبعض الفضلاء المهتمين يجزمون جميعهم أن مسجد ابن عباس هو المسجد المبني بالحجارة في سفح جبل المدهون بالمثناة جنوب قصر حدائق المثناة الآن، وينفون أن يكون مسجد ابن عباس الكبير الآن هو مسجده الذي كان يصلي فيه ودفن بجواره، وهذا في اعتقادي خطأ واضح من عدة وجوه؛ حيث حصل حول تاريخ المسجد عدة أوهام -في نظري- تحتاج إلى مزيد من التمحيص.
وهنا يجدر بي أن أنبه على أن الجزم والقطع المطلق في مثل هذه القضايا التاريخية التي تفصل بيننا وبينها مئات السنين دون مستند علمي صريح صحيح لا جدال فيه أمر خاطئ، ولكن ذلك لا يمنع المحققين والمدققين من استنطاق الوثائق التاريخية وقراءتها وتحليلها والمقارنة بينها والترجيح بغالب الظن وأقواه.
قول بلا أدلة تعضده
القول إن مسجد جبل المدهون هو مسجد ابن عباس لا يعضده دليل، بل هو في اعتقادي قول خاطئ لوجوه عدة، أولها: أنه من قول بعض فضلاء المتأخرين كالقاضي الطيب -رحمه الله- استنادا لكلام بعض كبار السن من العامة، أو بسبب وقف الشريف عبدالمطلب عليه بعض البساتين، دون أن يكون هناك رواية تاريخية يمكن أن يصار إليها، بل جميع الروايات تشير إلى المسجد الحالي الكبير المشهور.
ثانيها: أن ابن عباس حين دخل الطائف وسكنها، لا نظن أنه سيترك المكان الذي صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقام فيه 40 يوما، كما في صحيح مسلم (على خلاف في عدد الأيام)، ويترك كذلك مكان سكنى القوم من ثقيف، ويتخذ له مكانا قصيا عنهم، يسكن ويصلي فيه، إذ لا داعي لكل ذلك.
ثالثها: أن هذا المسجد في جبل المدهون لم يرد ذكره عند من أرَّخوا للطائف أو الرحالة الذين مروا به، ولو كان لابن عباس مسجدا هنا ما ترك ذكره ووصفه ولو عرضا أحد منهم.
رابعها: أن مؤرخ الطائف الشهير العُجيمي (1113) صاحب كتاب: إهداء اللطائف من أخبار الطائف لم يذكره في كتابه ومروياته، مع أنه ذكر عددا من مساجد الطائف ومن بينها مسجد القنطرة القريب من المسجد المذكور، ومساجد أخرى هي أقل شأنا من هذا لو كان صحيحا منسوبا لابن عباس، هذا إذا أضفت إلى ذلك أن العجيمي -رحمه الله- كان محبا ومعظما لابن عباس حد التبرك بقبره، فكيف يعيش العجيمي في الطائف ويجاور قبر ابن عباس ثم هو لا يعرف هذا المسجد في جبل المدهون، ولا يذكره في كتابه عن الطائف!
خامسها: أن المرجاني وهو ممن زار الطائف وكتب شيئا من مشاهداته فيه، في كتابه بهجة النفوس وعنه نقل العجيمي، لم يشر لهذا المسجد، والمرجاني أيضا من أعيان المتصوفة في القرن الثامن.
سادسها: أن المؤرخ ابن فهد (954) كتب كتابا خص به الطائف وابن عباس سماه: تحفة اللطائف في فضائل الحبر ابن عباس ووج والطائف، ولم يأت على ذكر هذا المسجد وعن صلاة ابن عباس فيه!.
سابعها: أن الأستاذ الزركلي (1396) زار المثناة في رحلته، وذكر بساتينها ووصفها، وذكر أنهم صعدوا جبلا لم يعرف اسمه، وغالب الظن أنه جبل المدهون، ومع ذلك لم يذكر مسجد ابن عباس رغم أهمية ذلك لو كان معروفا وصحيحا!.
أين المسجد
لسائل أن يقول إذا كان ذلك صحيحا -وهو صحيح إن شاء الله- فأين هو المسجد الذي اتخذه ابن عباس مصلّى له ومكانا لعلمه وتعليمه؟، ونقول هنا مستعينين بالله أنه أحد مسجدين لا ثالث لهما، الأول: هو مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي بني عليه المسجد العباسي لاحقا، وبجواره قبره الآن وهو الأرجح عندنا.
الثاني: مسجد الطائف أو قل المسجد الذي بني على أنقاض اللات التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهدمها، وبين المسجدين مسافة يسيرة يقطعها السائر على قدميه في 5 دقائق.
تنبيه إلى أمور
هنا ننبه إلى أمور، الأول: أن المسجدين يرد ذكرهما في كتب التاريخ والسير والتراجم والسنن فينبغي التفريق بينهما وعدم الخلط، فإذا ذكر المؤرخون مسجد الطائف فيقصدون به المسجد الذي بناه عثمان بن أبي العاص بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هدم اللات (طاغية ثقيف وصنمها)، إلا إذا دل السياق على خلاف ذلك، وإذا ذكر مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالمقصود به الموضع الذي كان يصلي فيه مع صحابته في حصار الطائف قريبا من حصنها، وهو موضع المسجد العباسي الآن الذي بجواره قبر الحبر ابن عباس، وبناه عمرو بن أمية الثقفي (على خلاف في اسمه) في موضع صلاة النبي.
وإذا عرفنا ذلك أمنّا من اللبس الذي وقع فيه بعضهم، كالذي جاء عند الأستاذ القدير ضياء محمد عطار في مقاله: «رفع اللبس عن تاريخ مسجد ابن عباس بالطائف» في صحيفة المدينة بتاريخ 18 أبريل 2012، فإنه ظن أن مسجد الطائف الذي ذكره المؤرخون هو نفسه الذي بناه عمرو بن أمية أو ملتصقا به! وليس الأمر كذلك، وذكر المسجدين في كتب السير والحديث تأتي متفرقة من حيث المكان ومن حيث اسم من بناها وجمعها في مسجد واحد خطأ ظاهر.
الثاني: سبب ترجيحنا أن ابن عباس اتخذ مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصلى له ومكانا لدروسه دون مسجد الطائف هو فضل البقعة التي صلى فيها -عليه السلام- على غيرها، وما نظن أن ابن عباس يترك هذا الفضل لمسجد آخر، وذلك لا يمنع أن يكون ابن عباس كان يصلي فيهما لقربهما من بعض.
الثالث: أن الفترة التي سكن فيها ابن عباس الطائف لم يذكر المؤرخون من المساجد فيها إلا هذين المسجدين ومسجد آخر في ليّة، وفي الصادرة من نخب، وكلاهما كانا موضع لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم، وهما بعيدان عن موضع اجتماع ثقيف وكثرتها في داخل سورها وحصنها.
الرابع: أن مسجد ابن عباس الحالي لم يكن يعرف بهذا الاسم، بل كان مسماه مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم صار متأخرا يسمى بالمسجد العباسي، وقد يكون ذلك ما كان إلا بعد القرن السادس، أي بعد إعادة بنائه من الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبي العباس بن المستضيء بأمر الله.
الخامس: تصحيح الخطأ الذي وقع فيه الفاسي ثم المرجاني ثم نقل عنهما العجيمي من أنّ أول ما بني المسجد العباسي في أيام الناصر لدين الله السابق ذكره، وأقول إنه خطأ بناء على نص نفيس وجدناه عند ناصر خسرو عن قصبة الطائف، حيث يقول عنها: «وبجوارها قبر عبدالله بن عباس، فقد بنى خلفاء بغداد هناك مسجدا كبيرا يقع القبر في زاويته، على يمين المحراب والمنبر».
وكان دخول خسرو للطائف عام 442 للهجرة، ويدل هذا النص المهم على أن خلفاء العباسيين اهتموا بهذا المسجد، فقد ورد ذكرهم هنا بصيغة الجمع، ما يدل على أنه بني من أكثر من خليفة واستمر الأمر كذلك حتى جاء المستضيء بأمر الله فواصل ما فعله أسلافه، وبناه البناء الكبير الذي اشتمل على موضع صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم.
ويشهد لذلك أن المرجاني ذكر نقشا في خشب القبر مكتوب فيه: أمر بعمله المقتفي لأمر الله في سنة 547 للهجرة، وكذلك ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام أنه وجد بخارج الجدار القبلي من المسجد العباسي حجرا مكتوبا فيه: أمرت السيدة أم جعفر بنت أبي الفضل أم ولاة عهد المسلمين -أطال الله بقاءها- بعمارة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم بالطائف، وذلك في سنة 192 للهجرة، ونلاحظ هنا الاهتمام الحقيقي من خلفاء بني العباس بهذا المسجد، ولا غرو فجواره قبر عبدالله ابن العباس، حيث ينتسبون إليهما، وهذا يجعلنا نرجّح أن سبب تسمية المسجد بالمسجد العباسي أو العباس راجع لخلفاء بني العباس واهتمامهم به، ثم لما انقضت دولتهم وأفل نجمهم صار الناس إلى تسميته باسم ابن عباس، كما هو شائع الآن نسبةً إلى الحبر.
ويمكن تخريج قول الفاسي على وجه آخر صحيح، وهو أنه قصد البناء الموجود في وقته، والذي استمر لوقت طويل بعده وأنه أول ما بني (هذا المسجد) بصورته التي هو عليها حينها في عهد الناصر، كأن تقول الآن إن أول ما بني هذا المسجد بصورته الحالية في عهد الملك سعود -رحمه الله-، وأن الفاسي لم يقصد بداية بناء المسجد في هذه البقعة المعروفة اليوم، وهو وجه محتمل ويدفع اللبس عن قول الفاسي.
السادس: أن ما ذكره المؤرخ محمد حسن شراب في كتابه المعالم الأثيرة حين قال: «ومسجد النبي أيام حصار الطائف هو الموضع الذي اتخذه عبدالله بن عباس مسجدا» قول موفق، ولا يعترض عليه ما ذكره الأستاذ ضياء عطار، أنه قول خطأ؛ لأن هذا المسجد لم يبنه ابن عباس ولا هو من أنشأه، فذلك ما لم يقله محمد شراب، بل قال اتخذه مسجدا، ما يشير بظاهره إلى أنه كان موجودا قبله، واتخذه مسجدا دون غيره.
أما المسجد الذي بناه عثمان بن أبي العاص على موضع اللات بعد هدمها فقد يكون من المحتمل أن ابن عباس كان يصلي فيه حينا لقرب المسجدين من بعضهما، وغالب الظن أن المسجد الذي ذكره ناصر خسرو في قصبة الطائف هو مسجد الطائف الذي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ببنائه على أنقاض اللات، حيث يقول خسرو: «وقصبة الطائف هذه مدينة صغيرة بها حصن محكم وسوق وجامع صغيران، وبها ماء جار وأشجار رمان وتين كثيرة، وبجوارها قبر عبد الله بن عباس، وقد بنى خلفاء بغداد هناك مسجدا كبيرا يقع القبر في زاويته»، فتلاحظ هنا أنه ذكر ابن العباس وذكر مسجدا صغيرا، ولذا فإن السؤال يظل قائما أين ذهب هذا المسجد ولم يعد له ذكر؟ وهل يعقل أن يزال مسجد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- به؟ بعد أن صار وقفا من الأوقاف؟.
مسجد السنوسي
يساورني الشك أن المسجد الذي يسمى الآن مسجد السنوسي الموجود بجوار برج غلفة، والذي كان يسمى بمسجد الريع، كما عند العجيمي هو مسجد الطائف القديم، الذي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الدكتور سليمان آل كمال أن هذا المسجد لا يُعرف أول من أنشأه، بينما ذكر العجيمي أن هذا المسجد هو الموضع الذي صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وحوّطه عداس فيما يقال، وأن الناس كانوا يدعون فيه يوم عرفة إلى غروب الشمس.
وتبنى هذا الرأي عبدالحفيظ القاري في رسالته عن الطائف، وينقل الزركلي عن الحظراوي أن هذا المسجد كان يسمى مسجد عداس، وأنه من «قديم الآثار والمزارات»، ولعل الأصوب -والعلم لله- أنه هو مسجد الطائف القديم، إذ ليس قرب مسجد ابن عباس الحالي مسجد أقدم منه، فيكون هو الذي ذكره ناصر خسرو في رحلته، ونسبته للسنوسي، إنما كان بسبب ملاصقته لداره وأملاكه، وبسبب طول العهد والبعد اتخذ الناس له في كل مدة من الزمن اسما، حتى نقل هيكل أنه كان يسمى بمسجد الطرابلسي، وسبب ذلك أن إمامه حينها كان عبدالملك الطرابلسي.
موضع اللات
كذلك مما يؤيد ذلك أن موضع اللات كان في داخل سور الطائف، ومن المعلوم عند أصحاب السير والتواريخ أن اللات لما أسلمت ثقيف بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فهدماهما، وهي اليوم تحت منارة مسجد الطائف هكذا ذكر الواقدي والكلبي في الأصنام، وإذا كانت اللات تحت منارة مسجد الطائف فالمقصود ليس مسجد النبي الذي يعرف الآن بمسجد ابن عباس، كما توهم العطار وغيره، من أن المسجدين مسجد واحد لأسباب منها:
- أن موضع اللات لم يكن خارج السور حيث عسكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وملاصقا لموضع صلاته بين القبتين كما هو معروف، ولو كانت اللات خارج السور لهدمها على ثقيف إذ لا يعقل أن يحرق مزارعهم وثمارهم ويهدم حصونهم ثم يصلي ملاصقا للطاغية ولا يهدمه، ويكشف لثقيف أن طاغيتهم لا يغني عن نفسه شيئا!.
- أن اللات كان في داخل السور وبين ظهراني ثقيف وتحت حمايتها وسدانتها، وهذا ما نص عليه الذهبي في السير حيث قال: «واللات بيت بين ظهري الطائف يستر ويهدى له الهدي، كما يهدى للكعبة»، ونقل البغوي عن الكلبي في تفسيره قوله: «فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ حَوَّلَتْهَا ثَقِيفُ إِلَى مَنَازِلِهَا -أي الصخرة- فَعَبَدَتْهَا، فَسِدْرَةُ الطَّائِفِ عَلَى مَوْضِعِ اللَّاتِ»، والشاهد أن ثقيف وضعت اللات في منازلها وليس خارجا عنها!.
- أن الذين ذكروا أن اللات تحت منارة مسجد الطائف كياقوت والكلبي وابن كثير والقرطبي وغيرهم ذكروا أنها تحت المنارة اليسرى، ومنارة مسجد ابن العباس لم تكن يسرى بل كانت منارته في الجهة الخلفية منه، وهي التي ذكر المرجاني وغيره أن تحتها بئرا وليس صنم اللات!، وقولهم المنارة اليسرى يوحي بأن لمسجد الطائف المذكور منارتان (يمنى ويسرى)، وقد فطن لذلك العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير، وليس لمسجد ابن عباس منارتان يسرى ويمنى، ثم إن المنارة القديمة لمسجد ابن عباس كانت خلفه من الجهة اليمنى للمسجد وليست من الجهة اليسرى!.
- وعليه فلا يعقل أن يكون المسجد الذي صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- واللات في موضع واحد جمعا مع بعضهما لبعد المسافة بينمها، إذ موضع اللات داخل الطوف وموضع صلاته خارج الطوف.
وسور الطائف القديم (الطوف) هو في الجهة المقابلة لقبلة ابن عباس، حيث يقع الآن مسجد الريع أو مسجد السنوسي الذي نرجح أنه هو مسجد الطائف وتحت منارته صخرة اللات، وتحديد موضع الطائف القديم وطوفها هو في هذا الموضع على ما رجحه الأستاذ الكبير محمد سعيد كمال -رحمه الله، وهو -في نظري- أفضل من حدد مكان الطوف القديم للطائف بقراءة وأدلة متميزة، رغم أنه توسع في تحديد الطوف بأكثر مما كان عليه فيما نرى، والعلم لله.
ولكن ما يعكر هذا الظن من أن مسجد السنوسي أو الريع هو موضع اللات هو سبب غفلة مؤرخي الطائف منذ الميورقي ومن بعده، وصولا للعجيمي عن ذكر مسجد الطائف باسمه وموضعه، وقد يكون السبب هو الرغبة في إخفاء ذكر اللات ومعالمها ومكانها والتعمية عليها حفظا لجناب التوحيد، كما حصل في شأن شجرة البيعة، حيث ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح الحكمة في إخفائها، وهي ألا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم الجهال لها، حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع وضر، كما نراه الآن مشاهدا فيما دونها، قال: وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: كانت رحمة من الله؛ أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى، وتظل هذه المواضع وتحديد أماكنها على وجه الدقة من ضروب الاجتهاد التي تدور بين الراجح والمرجوح.. والعلم لله على كل حال.
أدلة تنفي أن يكون مسجد جبل المدهون هو مسجد ابن عباس
ـ ليس هناك رواية تاريخية يمكن الركون إليها بهذا الشأن.
ـ ابن عباس لن يترك مكانا صلى فيه النبي ليسكن ويصلي بعيدا عنه.
ـ لا يرد ذكر مسجد جبل المدهون عند مؤرخي الطائف والرحالة الذين مروا بها.
ـ لم يذكره العجيمي كمسجد ابن عباس مع أنه أورد مساجدا أقل شأنا.
ـ لم يشر له المرجاني الذي كتب عن الطائف.
ـ لم يأت المؤرخ ابن فهد على ذكر له.
ـ لم يذكره الزركلي ما يدل على أنه ليس معروفا وصحيحا.