جدة: محمود تراوري

حملت عنوان (النصف المتلاشي).. كتبتها الأمريكية بريت بينيت، رواية وصفت بأنها ساحرة تماما، وتفاجئ القارئ دوما بمغامراتها التي تحبس الأنفاس، وتفرح برؤيتها النفسية، حيث تدفع القارئ للتفكير في العواقب الكارثية للعنصرية على المجتمعات والحياة الفردية، حين يدفع الواقع المرء بشراسة للحصول على هوية تجعله مقبولا في المجتمع.

احتلت الرواية المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعا وفق تقييم صحيفة نيويورك تايمز إبان ظهورها في 2021، وظلت 42 أسبوعًا في القائمة، وفيما دخلت القائمة الطويلة لجائزة المرأة 2021، والقائمة الطويلة لجائزة أورويل، حصلت على جائزة الكتاب الوطني.

الابتعاد عن العاصمة

الرواية عبارة عن ملحمة عائلية متعددة الأجيال تدور أحداثها بين أربعينيات وتسعينيات القرن الماضي، وتركز على شقيقتين توأمين متطابقتين ديزيريه وستيلا فيجن.

نشأت الشقيقتان ذواتا البشرة الفاتحة في بلدة مالارد الخيالية بولاية لويزيانا، وشهدتا إعدام والدهما في الأربعينيات، عام 1954، في سن 16، هربت التوأم إلى نيو أورلينز، وبعد ذلك بوقت قصير، ستيلا تختفي في عام 1968، أنهت ديزيريه زواجا مسيئا وابتعدت عن واشنطن العاصمة، لتعود إلى مالارد مع ابنتها جود ذات البشرة الداكنة البالغة من العمر ثماني سنوات.. تكبر جود وتنتقل إلى لوس أنجلوس، ثم إلى كاليفورنيا وتحظى بمنحة دراسية في جامعة كاليفورنيا، وتشتغل أثناء العمل بدوام جزئي كنادلة بمطعم، ترى جود امرأة تبدو وكأنها زوج والدتها، المرأة هي في الواقع ستيلا، التي كانت بيضاء.

الشعور بالانجذاب

من خلال نسج خيوط وأجيال متعددة لعائلة تعيش في أعماق الجنوب الأمريكي، تنتج بريت بينيت قصة هي في الوقت نفسه قصة عائلية عاطفية ومثيرة للانتباه، واستكشافا رائعا لتاريخ حركة الحقوق المدنية الأمريكية، إذا نظرنا جيدا إلى ما وراء قضايا العرق، فإن (النصف المتلاشي) تأخذ في الاعتبار التأثير الدائم للماضي، لأنه يشكل قرارات الشخص ورغباته وتوقعاته، ويستكشف بعض الأسباب والعوالم المتعددة التي يشعر فيها الناس أحيانا بالانجذاب للعيش كشيء آخر غير أصولهم، فبعد عشر سنوات، تعيش ديزيريه مع ابنتها السوداء في البلدة الجنوبية نفسها التي حاولت الفرار منها ذات مرة، فيما أختها ستيلا تصطبغ سرا باللون الأبيض، وزوجها الأبيض لا يعرف شيئا عن ماضيها، وتنشأ ابنتها مفصولة بأميال كثيرة عن تاريخ عائلتها، ولكن وبالقدر نفسه من الأكاذيب، تظل مصائر التوأم متشابكة، ويطرح سؤال كبير: ماذا سيحدث للجيل القادم عندما تتقاطع خطوط قصة بناتهم؟.

التنمر والاشمئزاز

الرواية التي لها هيكل سردي غير خطي، تستكشف فيها بينيت قضية اللون، أنشأ عبد سابق يُدعى ألفونس ديكوير بلدة تُدعى مالارد للأشخاص ذوي البشرة الفاتحة فقط. يؤدي هذا إلى تركيز سكان المدينة على الخفة مصحوبا باشمئزاز من أصحاب البشرة السمراء.

جود، ابنة الشخصية الرئيسة، تتعرض للتنمر بسبب لون بشرتها الداكن في المدرسة، وتسمى أسماء مثل (Ta Baby) و(Blueskin)، ينظر سكان المدينة أيضا إلى علاقة ديزيريه مع إيرلي، وهو رجل ذو بشرة داكنة، على أنه لا يمكن فهمها، لأن أصحاب البشرة السمراء كانوا غير مرغوب فيهم، طوال طفولة ديزيريه وستيلا، كانت تحذرهما والدتهما أديل من الرجال ذوي البشرة السمراء، يستكشف الكتاب آثار لون البشرة والمسافات التي يذهب إليها الناس حتى يتم قبولهم على أنهم جميلون أو غير ذلك.

العنف المنزلي

العنف المنزلي موضوع آخر في الرواية لأنه يتجلى في الشخصية الرئيسة ديزيريه ،تكافح مع الإساءة من زوجها ذي البشرة الداكنة سام، يسيء سام جسديا وعاطفيا إلى ديزيريه حتى تهرب في النهاية مع ابنتها جود إلى مالارد، في بعض المناسبات، تحاول ديزيريه تبرير الإساءة من زوجها وتنسبها إلى إحباطه من اغتيال مارتن لوثر كينغ ، وكذلك أعمال الشغب التي اندلعت في ذلك الوقت ورغبته في إنجاب طفل آخر.

إذن الرواية في جانب منها تسلط الضوء على كيف يحاول ضحايا العنف المنزلي في كثير من الأحيان تبرير تصرفات المعتدين عليهم ويترددون في تركها.

وتستفيض سطور الرواية متوغلة بشفافية فيما هو انساني بحت ، متنازعة الصواب والخطأ داخل النفس البشرية ، كواحدة من أهم أعمال القرن الواحد والعشرين - حتى الآن - التي تتعمق في تحليل الهوية والعرق والإنتماء.

حالة ذهنية معقدة

في الوقت الذي اختار فيه نادي الكتاب في أمريكا (النصف المتلاشي) واحدة من أفضل عشرة كتب لعام 2021، قالت صحيفة نيويورك تايمز عن العمل:

«بينيت» توازن بين المطالب الأدبية للتوصيف الديناميكي مع الحقائق التاريخية والاجتماعية لموضوعها. «في حين قال أحد النقاد عن الكاتبة»: «بينيت تجعل شخصياتها ونضالاتهم محاطين بتعاطف كبير، وتستكشف الحالة الذهنية المعقدة التي تجد ستيلا نفسها فيها عندما كانت بيضاء، وتبني شخصيتها البيضاء هو قوة من المضاعفة والارتباك. بينما وصفت صحيفة واشنطن بوست» النصف المتلاشي «بأنها» فحص شرس للتنمر المعاصر، والثمن الذي يدفعه الكثيرون للحصول على هوية جديدة".

يذكر أن الرواية صدرت في طبعة عربية بترجمة إيمان معلوف عن دار أثر.

بريت بينيت:

*مواليد 1989 أوشنسايد، كاليفورنيا

*كاتبة أمريكية

*بكالوريوس تربية " لغة انجليزية"من جامعة ستانفورد

*ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ميشيغان

*فازت بجائزة هوبوود للقصة القصيرة للخريجين

*جائزة هيرستون لكتاب الكلية