سامي حمد

في الساعات الأولى من صباح السادس عشر من سبتمبر سنة 1983، رصدت أنظمة الإنذار المبكر التابعة للاتحاد السوفيتي إطلاق خمسة صواريخ نووية أمريكية باتجاه روسيا. كانت التوترات عالية في تلك الفترة بسبب إسقاط الاتحاد السوفيتي -عن طريق الخطأ- طائرة ركاب كورية جنوبية قبل أسابيع فقط. كان لدى المقدم ستانيسلاف بيتروف، ضابط المراقبة المناوب في تلك الليلة، دقائق فقط ليقرر ما يجب فعله.

قرر بيتروف عدم إبلاغ رؤسائه معتبرًا أن هذا إنذار خاطئ، معللًا أنه «عندما يبدأ الناس الحرب، فلا يبدأونها بخمسة صواريخ فقط».

كان هذا خرقًا للتعليمات، وتقصيرًا في أداء الواجب، وتسبب في تسريحه من العمل، ولم يتحدث بيتروف بتلك القصة إلا بعد عشر سنوات من حدوثها، أي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لقد كان بيتروف محقًا، وقراره هذا ربما أنقذ العالم من كارثة نووية.

التحقيقات التي أعقبت الحادثة وجدت أن الأقمار الصناعية للإنذار المبكر قد التبس عليها ضوء الشمس المنعكس من قمم السحاب. وعلى الرغم من أن تلك الأقمار الصناعية قد صُممت لتقليل فرص الخطأ، لكن في تلك الليلة، اصطفت الأقمار الصناعية، والشمس، ومنصات الصواريخ الأمريكية بطريقة لم يتوقعها أحد، ورصدتها على أنها صواريخ قادمة.

بديهية بيتروف أكسبته لقب «الرجل الذي أنقذ العالم».

وفي خمسينات القرن الماضي وقبل اختراع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، انخدعت الرادارات الأمريكية بأسراب الأوز التي كانت تحلق على ارتفاعات عالية، وأصدرت تحذيرًا من أن القاذفات السوفيتية تهاجم الولايات المتحدة من فوق القطب الشمالي، ولأن هذا النوع من الإنذارات يتيح عدة ساعات لتحديد حقيقة التهديد وتسيير الطائرات في الجو للرد النووي، فقد تم اكتشاف إنه إنذار خاطئ قبل اتخاذ قرار الرد.

لذلك كان الرئيس السوفيتي جورباتشوف يحتفظ في مكتبه بتمثال منحوت على شكل أوزة، لتذكير نظيره الأمريكي بأن الرادارات الأمريكية قد أخطأت ذات مرة في سرب من الأوز واعتبرته هجوم قاذفة سوفياتية.

الخطأ في البشر طبيعة متأصلة، وتعطل الآلات وارد الحدوث، وفي الأزمات تتعاظم ردات الفعل، ويغلب الاستعجال والخوف والارتباك، وأجواء كهذه قد يتمخض عنها حرب نووية «عن طريق الخطأ»، قد تتسبب في القضاء على الحضارة البشرية.

وبعد دخول الصواريخ الباليستية في الخدمة لحمل الرؤوس النووية منتصف القرن الماضي، أصبح قرار الرد بالمثل يجب اتخاذه في أقل من عشر دقائق، مما يجعل الرئيس، الذي يملك سلطة إطلاق الأسلحة النووية، تحت ضغط هائل لاتخاذ قرار الإطلاق النووي، وإذا أُطلقت الصواريخ، فلا يمكن إرجاعها أو تدميرها ذاتيًا.

وفي ظل الأزمة الأوكرانية، وما صاحبها من تلويح روسي بالخيار النووي، تحت عباءة التصعيد من أجل الردع، وهي استراتيجية في السياسة النووية الروسية، قد يقود ذلك إلى تصعيد دولي بين القوى النووية، قد لا يتوقف عند حدود الردع.

إن من الحكمة عدم إقحام الترسانة النووية في أي نزاع مع دول غير نووية، والاحتفاظ بها لردع الدول النووية فقط، وهذه سياسة كانت روسيا تتبعها سابقًا، وكذلك بعض الدول النووية كالصين، وهي «عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية»، ولكن العقيدة الروسية الحالية تجيز استخدام السلاح النووي للرد على الاعتداءات بأسلحة تقليدية.

وهذا يشكل تحديا للجهود الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية، ويشجع الدول غير النووية للتفكير في حيازة الأسلحة النووية، مما قد ينعكس سلبًا على سلامة واستقرار البشرية.

لا سبيل لتجنب الإنذارات الخاطئة وما قد تجلبه من حرب نووية عرضية إلا بالتخلي عن الأسلحة النووية نهائيًا، أو على أقل تقدير تبني جميع الدول النووية سياسة «عدم البدء بالاستخدام»، فهذا سيضمن أن تكون تلك الأسلحة للردع فقط، ويجنب البشرية من ويلات نووية.