لا شك أن مجتمعاتنا تجري فيها تغيرات دراماتيكية، سريعة ومتقلبة، وجريان ذلك التغير جاء أثره بوضوح بينٍ على كل شيء، فأسقط كل مميزات تملكها المجتمعات ذات القيمة الحقيقية في عمقها الإنساني، التي تؤثر تأثيرًا عميقًا في الذات والروح الإنسانية فتتحجم عن القيام بما يسوء محيط تلك الروح، وتكف عن الولوج في مسارات الشر المحطمة لجزئيات حياة تلك الروح.
سقوط واهتزاز تلك القيم المجتمعية يجد الإنسان المتأمل والمراقب لحركة المجتمع آثاره في كل ما يدور من حوله، فابتداء من طلب العلم والمعرفة يظهر لمن يرصد الحركة العلمية المعرفية في المجتمعات، أن جهلًا مركبًا تكاد لا تُخطئه العين في شتى المجالات ومن كل أحد.
وتبرز هنا ظاهرة اقتحام الجُهال ذوي الميزة المركبة من الجهل، أنهم أصبحوا يُظهرون أنفسهم أنهم خبراء ومختصون، فيلجون في تخصصات أفنى أصحابها السنين والشهور والأيام والساعات الطوال في تحصيلها، ثم صقلتهم تجارب الحياة، ثم يُصعقون بأولئك الفئام من الجهال أنهم يتحدثون في تلك التخصصات التي هم أهلها، وهذا نذير شؤم على تلك التخصصات، وهي علمية ونظرية وأكاديمية وعملية.
ومقاصد الشريعة جاءت بتعزيز المعرفة في مصادر كثيرة جدًا، بل إنه من بدايات الشريعة أتى الأمر بالقراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وهذا حض على العلم.
وجاءت المصادر التشريعية بمحاربة الجهل والتنفير منه وممن يحمله، الذين يتخذهم رعاع الناس رؤوسًا يتصدرون المشهد، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسُئِلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)، فهذا تحذير شديد جدًا جاءت به الشريعة، من جعل فئام الناس ممن يتصف بالجهل أن يكونوا رؤوسًا في صدارة المجتمعات.
ومن يرى ويُشاهد يجد العجب العُجاب، بل إن المستجدات العصرية أتاحت لكل من هب ودب أن يتحدث، ولولا تلك الوسائل المستجدة لما علم الناس أنهم على هذه البسيطة.
يقول الفيلسوف والروائي الإيطالي إمبرتو إيكو في مقابلة مع إحدى الصحف الإيطالية قبل موته (إن مواقع التواصل الاجتماعي منحت حق التعبير لجحافل من الأغبياء ما كانوا يتحدثون سابقًا إلا في الحانات بعد احتساء الكحول من دون إلحاق أي ضرر بالمجتمع، وكان هؤلاء يُرغَمُون على الصمت فورًا، في حين بات لهم اليوم الحق عينه في التعبير كشخص حاز جائزة نوبل، إنه غزو الأغبياء).
وهذه نظرة ثاقبة جدًا وتحليل دقيق لما يجرى في مجتمعات العالم، ولا يعي هذه الحقيقة إلا أصحاب العلم والمعرفة والثقافة، وأظن أن هذا الأمر لهو من المحنة والابتلاء البين لأهل العلم والمعرفة.
مقولة إمبرتو إيكو تم تكرار فحواها ودلالاتها في كثير من المؤلفات مثل (نظام التفاهة) للكندي ألن دونو، و(حفلة التفاهة) للفرنسي ميلان كونديرا، فهذا التغير القيمي للعلم والمعرفة لهو ارتباط وثيق جدًا بتغير القيم الأخلاقية، وهذا التغير يُعبر عن مأساة إنسانية حقيقية في عالمنا المعاصر.
أصبح الكذب قوة ودهاء وذكاء، والكذب ما أن يلج في عمق القيم الأخلاقية إلا ويُدمر كل شيء، فلا يستطيع المرء أن يثق بأي شيء يتحرك أمامه، ذلك لأن الكذب صفة أخلاقية ذميمة جدًا لدى كل الإنسانية وفي جميع الشرائع والأديان والملل إلا من يكره الإنسانية ذاتها. مقاصد الشريعة أتت بتعزيز الصفة المضادة للكذب، وهي الصدق، وصورت الكذب بأنه مسار يهدي إلى طرق مظلمة، كما جاء في الحديث المروي في الصحيحين (إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا).
والكذب يؤدي إلى اللعن والطرد من رحمة الله؛ قال تعالى: (قتل الخراصون) أي لعن الكذابون، وقال تعالى (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب).
والكذب من خصال أهل النفاق، كما جاء في صحيح مسلم (آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)، فالكذب من أسوأ الصفات التي يتحلى بها بعض الأشخاص وهي تقلل من قيمة فاعلها.
الكذب عملية تغير أو اختراع أعمال جديدة لكن تكون غير صحيحة وغير واقعية، ودائمًا يجلب الجرائم بأنواعها. صفة الكذب هي الفاعل والعنصر الأساسي في تغير القيم المجتمعية، وكل قيمة أخلاقية سيئة وذميمة فإن من عناصرها المركبة الكذب.
التغير الأخلاقي في السلوك الذي يحدث في المجتمعات، وتحدث بسببه كثير من الإشكاليات الأسرية من طلاق وتفكك أُسري، فإن الكذب هو المحور الأساسي فيها.
إظهار خطورة الكذب واضمحلال قيمة الصدق هو مؤشر خطير على القيم الحقيقية لكل مؤشرات الأداء الإنسانية الأخلاقية، وهذا ينعكس على كل ما يجري في المجتمع سواءً كانت أعمالًا أو أقوالًا، ويؤثر تأثيرًا واضحًا حتى في المؤسسات والكيانات التي تعمل داخل المجتمعات، وهذا يتطلب جهدًا مضاعفًا من كل ذوي المسؤوليات، أن يُعززوا القيم الأخلاقية في المجتمع وعلى رأسها الصدق.
ولا شك أن تاريخنا الإسلامي مليئٌ بكثير من التشكلات والتغيرات الفكرية والمجتمعية التي هزت أرواح تلك المجتمعات، بيد أنه كانت هناك قوائم للقيم راسخة وكيانات لأركانه ذات عمق وجذور، فيمن يحمل لواء العلم والمعرفة والثقافة، ممن كان مؤثرًا ويسمع من غيره ويُسمع له.
سقوط واهتزاز تلك القيم المجتمعية يجد الإنسان المتأمل والمراقب لحركة المجتمع آثاره في كل ما يدور من حوله، فابتداء من طلب العلم والمعرفة يظهر لمن يرصد الحركة العلمية المعرفية في المجتمعات، أن جهلًا مركبًا تكاد لا تُخطئه العين في شتى المجالات ومن كل أحد.
وتبرز هنا ظاهرة اقتحام الجُهال ذوي الميزة المركبة من الجهل، أنهم أصبحوا يُظهرون أنفسهم أنهم خبراء ومختصون، فيلجون في تخصصات أفنى أصحابها السنين والشهور والأيام والساعات الطوال في تحصيلها، ثم صقلتهم تجارب الحياة، ثم يُصعقون بأولئك الفئام من الجهال أنهم يتحدثون في تلك التخصصات التي هم أهلها، وهذا نذير شؤم على تلك التخصصات، وهي علمية ونظرية وأكاديمية وعملية.
ومقاصد الشريعة جاءت بتعزيز المعرفة في مصادر كثيرة جدًا، بل إنه من بدايات الشريعة أتى الأمر بالقراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وهذا حض على العلم.
وجاءت المصادر التشريعية بمحاربة الجهل والتنفير منه وممن يحمله، الذين يتخذهم رعاع الناس رؤوسًا يتصدرون المشهد، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسُئِلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)، فهذا تحذير شديد جدًا جاءت به الشريعة، من جعل فئام الناس ممن يتصف بالجهل أن يكونوا رؤوسًا في صدارة المجتمعات.
ومن يرى ويُشاهد يجد العجب العُجاب، بل إن المستجدات العصرية أتاحت لكل من هب ودب أن يتحدث، ولولا تلك الوسائل المستجدة لما علم الناس أنهم على هذه البسيطة.
يقول الفيلسوف والروائي الإيطالي إمبرتو إيكو في مقابلة مع إحدى الصحف الإيطالية قبل موته (إن مواقع التواصل الاجتماعي منحت حق التعبير لجحافل من الأغبياء ما كانوا يتحدثون سابقًا إلا في الحانات بعد احتساء الكحول من دون إلحاق أي ضرر بالمجتمع، وكان هؤلاء يُرغَمُون على الصمت فورًا، في حين بات لهم اليوم الحق عينه في التعبير كشخص حاز جائزة نوبل، إنه غزو الأغبياء).
وهذه نظرة ثاقبة جدًا وتحليل دقيق لما يجرى في مجتمعات العالم، ولا يعي هذه الحقيقة إلا أصحاب العلم والمعرفة والثقافة، وأظن أن هذا الأمر لهو من المحنة والابتلاء البين لأهل العلم والمعرفة.
مقولة إمبرتو إيكو تم تكرار فحواها ودلالاتها في كثير من المؤلفات مثل (نظام التفاهة) للكندي ألن دونو، و(حفلة التفاهة) للفرنسي ميلان كونديرا، فهذا التغير القيمي للعلم والمعرفة لهو ارتباط وثيق جدًا بتغير القيم الأخلاقية، وهذا التغير يُعبر عن مأساة إنسانية حقيقية في عالمنا المعاصر.
أصبح الكذب قوة ودهاء وذكاء، والكذب ما أن يلج في عمق القيم الأخلاقية إلا ويُدمر كل شيء، فلا يستطيع المرء أن يثق بأي شيء يتحرك أمامه، ذلك لأن الكذب صفة أخلاقية ذميمة جدًا لدى كل الإنسانية وفي جميع الشرائع والأديان والملل إلا من يكره الإنسانية ذاتها. مقاصد الشريعة أتت بتعزيز الصفة المضادة للكذب، وهي الصدق، وصورت الكذب بأنه مسار يهدي إلى طرق مظلمة، كما جاء في الحديث المروي في الصحيحين (إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا).
والكذب يؤدي إلى اللعن والطرد من رحمة الله؛ قال تعالى: (قتل الخراصون) أي لعن الكذابون، وقال تعالى (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب).
والكذب من خصال أهل النفاق، كما جاء في صحيح مسلم (آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)، فالكذب من أسوأ الصفات التي يتحلى بها بعض الأشخاص وهي تقلل من قيمة فاعلها.
الكذب عملية تغير أو اختراع أعمال جديدة لكن تكون غير صحيحة وغير واقعية، ودائمًا يجلب الجرائم بأنواعها. صفة الكذب هي الفاعل والعنصر الأساسي في تغير القيم المجتمعية، وكل قيمة أخلاقية سيئة وذميمة فإن من عناصرها المركبة الكذب.
التغير الأخلاقي في السلوك الذي يحدث في المجتمعات، وتحدث بسببه كثير من الإشكاليات الأسرية من طلاق وتفكك أُسري، فإن الكذب هو المحور الأساسي فيها.
إظهار خطورة الكذب واضمحلال قيمة الصدق هو مؤشر خطير على القيم الحقيقية لكل مؤشرات الأداء الإنسانية الأخلاقية، وهذا ينعكس على كل ما يجري في المجتمع سواءً كانت أعمالًا أو أقوالًا، ويؤثر تأثيرًا واضحًا حتى في المؤسسات والكيانات التي تعمل داخل المجتمعات، وهذا يتطلب جهدًا مضاعفًا من كل ذوي المسؤوليات، أن يُعززوا القيم الأخلاقية في المجتمع وعلى رأسها الصدق.
ولا شك أن تاريخنا الإسلامي مليئٌ بكثير من التشكلات والتغيرات الفكرية والمجتمعية التي هزت أرواح تلك المجتمعات، بيد أنه كانت هناك قوائم للقيم راسخة وكيانات لأركانه ذات عمق وجذور، فيمن يحمل لواء العلم والمعرفة والثقافة، ممن كان مؤثرًا ويسمع من غيره ويُسمع له.