كان هناك بدوي يجوب الصحارى والبراري يشتم شيخ قبيلته ويتعدى على هذا وذاك بلسانه السليط ليلفت أنظار الشيوخ من القبائل الأخرى التي تعادي قبيلته، ليشد إليهم الرحال عسى أن يجد عندهم ما تشتهي الأنفس لينال من الطيب نصيبا، فأخذ ينشد لهم ما لذ وطاب من الشعر والمديح، فقال أحدهم أعطوه ألف درهم، وقال آخر أعطوه مائة ناقة ليكفنا الله شره، وقال آخر خذوا منه تعهدا وأعطوه الأمن والأمان واتركوه يرحل أول ما يحل النهار.. وإلى أن أدركهم الصباح وهمّ بالرحيل قال لهم هاتوا بالعطايا التي وعدتمونا بها فردوا عليه ارحل وإلا ضربنا عنقك، فأنت لست إلا متسولا سمعتنا طيباً وسمعناك أطيب..
هذا هو حال المرحوم مظفر النواب الذي عاد إلى العراق مسجياً على النعش بخفي حنين بعدما صال وجال في البلدان والأمصار شاتماً هذا الطرف بأقذع الألفاظ ومادحاً ذاك الطرف بما تطرب أسماعهم بطيب الكلام، وعندما فارق دنياه وهو خالي اليدين، زايد شيوخ الطوائف على حبه وتمجيده، وانشغل السياسيون بشأن انتمائه، حيث بالغ الشيوعيون في الدفاع عنه منطلقين من خلفيته الشيوعية.. ومجد الإسلاميون الولائيون مناقبه في شتم الصحابة وأمهات المؤمنين منطلقين من خلفيته الطائفية، دون أن يدرك الجميع أن أغلب الشعراء كما وصفهم القرآن الكريم (في كل وادي يهيمون)، لهذا نجده مرة ذهب ليبحث عن جاه في إيران عند تمجيده للخميني، وعندما لم يشبعوا غرائزه ذهب للتسكع في ديار حافظ الأسد ليفتش عن لقمة العيش، ثم شد الرحال إلى ليبيا عند القذافي لينال من الطيب نصيباً، وأخيراً استقر به المطاف في الإمارات عند حاكم الشارقة ليتلقى الرعاية والعلاج بعدما اشتد به المرض، ولم يجد من يأويه ويطعمه ويسقيه ويسدد نفقات ما ابتلي به، وعندما توفاه الله أصبح محط جدل لدى الجميع، وكل فصيل يزايد على انتمائه ويتاجر بولائه، بينما هو لا شيوعي ولا هو إسلامي ولا هو عروبي، وإنما مثلما تاجر بهم تاجروا به، لذلك تبارت الأقلام اليسارية واليمينية والطائفية لتكتب عنه كأنه أحد فرسانها..
والطرف الآخر من المناوئين بفضل التقنية الحديثة في وسائل التواصل الاجتماعي نبشوا أصله وردوه إلى أسفل سافلين.. بينما الرجل ذهب إلى دار حقه وهو يعاني من الفاقة وعوز الحياة، ولا أحد ذكره في حياته إلا من رحم ربي، وعند وفاته جعلوا منه أسطورة يتدافع بشأنها المحبون ويتنابز في شتمه الكارهون، والدولة التي غفلت عن علمائها وأساتذتها وأطبائها ورجالها الذين خدموا العراق وقدموا له الغالي والنفيس أضعاف ما قدمه مظفر النواب، ماتوا في الغربة وهم يعانون من عاديات الزمن، لا أحد أرسل لهم الطائرات ولا لطم على نعوشهم المنافقون ولا أقيمت لهم مناقب التأبين والرثاء ولا حفلات الوداع، مثلما حصلت له في العراق من ضجة وجدل ومزايدات بين المؤيدين والمناوئين.
هذا التخبط في عراق العجائب يعكس حال البلد الذي تتلاطم فيه أمواج الطائفية والعنصرية والعمالة لأمريكا وإيران، وأصبحت فيه كل الموازين بالمقلوب، العميل شريف، والوطني منبوذ، والعالم مكروه، والجاهل محبوب، والشرطي لواء، والفرار فريق، والمجرم طليق، والبريء سجين، والشهيد قتيل، والخائن مجاهد، والكذب تقيّة، والبغاء متعة، والسرقة حلال، والمعمم سياسي، والسياسي طريد، والسفيه مؤتمن، والحرامي هو الحاكم بأمر الله.
هذا هو حال المرحوم مظفر النواب الذي عاد إلى العراق مسجياً على النعش بخفي حنين بعدما صال وجال في البلدان والأمصار شاتماً هذا الطرف بأقذع الألفاظ ومادحاً ذاك الطرف بما تطرب أسماعهم بطيب الكلام، وعندما فارق دنياه وهو خالي اليدين، زايد شيوخ الطوائف على حبه وتمجيده، وانشغل السياسيون بشأن انتمائه، حيث بالغ الشيوعيون في الدفاع عنه منطلقين من خلفيته الشيوعية.. ومجد الإسلاميون الولائيون مناقبه في شتم الصحابة وأمهات المؤمنين منطلقين من خلفيته الطائفية، دون أن يدرك الجميع أن أغلب الشعراء كما وصفهم القرآن الكريم (في كل وادي يهيمون)، لهذا نجده مرة ذهب ليبحث عن جاه في إيران عند تمجيده للخميني، وعندما لم يشبعوا غرائزه ذهب للتسكع في ديار حافظ الأسد ليفتش عن لقمة العيش، ثم شد الرحال إلى ليبيا عند القذافي لينال من الطيب نصيباً، وأخيراً استقر به المطاف في الإمارات عند حاكم الشارقة ليتلقى الرعاية والعلاج بعدما اشتد به المرض، ولم يجد من يأويه ويطعمه ويسقيه ويسدد نفقات ما ابتلي به، وعندما توفاه الله أصبح محط جدل لدى الجميع، وكل فصيل يزايد على انتمائه ويتاجر بولائه، بينما هو لا شيوعي ولا هو إسلامي ولا هو عروبي، وإنما مثلما تاجر بهم تاجروا به، لذلك تبارت الأقلام اليسارية واليمينية والطائفية لتكتب عنه كأنه أحد فرسانها..
والطرف الآخر من المناوئين بفضل التقنية الحديثة في وسائل التواصل الاجتماعي نبشوا أصله وردوه إلى أسفل سافلين.. بينما الرجل ذهب إلى دار حقه وهو يعاني من الفاقة وعوز الحياة، ولا أحد ذكره في حياته إلا من رحم ربي، وعند وفاته جعلوا منه أسطورة يتدافع بشأنها المحبون ويتنابز في شتمه الكارهون، والدولة التي غفلت عن علمائها وأساتذتها وأطبائها ورجالها الذين خدموا العراق وقدموا له الغالي والنفيس أضعاف ما قدمه مظفر النواب، ماتوا في الغربة وهم يعانون من عاديات الزمن، لا أحد أرسل لهم الطائرات ولا لطم على نعوشهم المنافقون ولا أقيمت لهم مناقب التأبين والرثاء ولا حفلات الوداع، مثلما حصلت له في العراق من ضجة وجدل ومزايدات بين المؤيدين والمناوئين.
هذا التخبط في عراق العجائب يعكس حال البلد الذي تتلاطم فيه أمواج الطائفية والعنصرية والعمالة لأمريكا وإيران، وأصبحت فيه كل الموازين بالمقلوب، العميل شريف، والوطني منبوذ، والعالم مكروه، والجاهل محبوب، والشرطي لواء، والفرار فريق، والمجرم طليق، والبريء سجين، والشهيد قتيل، والخائن مجاهد، والكذب تقيّة، والبغاء متعة، والسرقة حلال، والمعمم سياسي، والسياسي طريد، والسفيه مؤتمن، والحرامي هو الحاكم بأمر الله.