حماد القشانين

قبل 10 أعوام تقريبا شاهدت فيلما قصيرا على «يوتيوب» لمجموعة من الشباب السعوديين «المغمورين» آنذاك باسم «مونوبولي»، وكان فيلما يحمل من الكوميديا السوداء أرقاما، ودمجها مع مشاهد ولقاءات وثائقية، جعلت من الـ22 دقيقة مدة الفيلم من أمتع المشاهدات، وناقش بطريقة ساخرة أزمة ارتفاع أسعار العقار وتأثير ذلك على الحياة الاجتماعية للشباب المقبلين على الزواج، وكيف أن بطل ذلك الفيلم استبدل عمارة الأحلام بسيارة «فان»، وكان ذلك سببا في لفت انتباه وزارة الإسكان لهذه المشكلة وحلها بحلول أصبحت نافذة هذا اليوم، والفيلم ذلك بأكمله بتكلفة لا تساوي قيمة شنطة بعض الـ«تهريجيات» اللائي صنعنا منهن «شيئا مذكورا» بعرضهن على شاشات العالم العربي في وقت ذورة المشاهدة. اليوم كان من المفترض أن مجموعة هؤلاء الشباب قد أصبحوا أساتذة في معاهد يخرجون أجيالا من صانعي الكوميديا السوداء الساخرة التي نهايتها هدف وليس تهريجا لا يسمن ولا يغني من جوع.

فالمتتبع لأعمال النجم ناصر القصبي مثل «طاش ما طاش» ثم «سيلفي» وغيره يعي مدى أهمية الكوميديا السوداء في كشف أوجه القصور أمام المسؤول، فكل حلقة وكأنها تقول «الزود عندي»، فبعودتنا لبعض المشاهد التي صورت قبل 10 أعوام وتمت مواجهتها بتحريم المشاهدة والتنكيل بالممثلين قد أصبحت هذا اليوم واقعا نعيشه، فلم يخطر ببالنا مثلا قصة القاضي الذي زور صكوكا لأراض وبعد كشفه أقنع المحققين بأنه قام بذلك الأمر وهو تحت تأثير «تلبس الجان» وكيف أنه «خرج منها» آنذاك بينما في أيامنا هذه من الطبيعي أن نسمع أنه تم إيقاف رئيس محكمة على ذمة قضية فساد، لنعي كلمة سمو الأمير الشاب ولي العهد حينما قال، «صدقني لن ينجو أي شخص كائنا من كان أميرا أو وزيرا دخل في قضية فساد».

ما أريد قوله، إن الكوميديا السوداء وهي إظهار مشاكل المجتمع الحقيقية بطريقة ساخرة، تجعلنا نقف أمام أنفسنا سواء كمسؤولين أو حتى عامة المجتمع، لأننا تبصرنا على أشياء لم تكن أمامنا بصورة واضحة، وللأسف فقد غابت هذه الكوميديا في هذا الشهر من على أغلب شاشاتنا العربية، وتم استبدالها بتهريج لا تتعدى فائدته الدقائق التي عرض خلالها، والكارثي أنها بمبالغ فلكية، وأصبح الصانع الحقيقي للمحتوى الكوميدي يلوي صناعته الحقيقية ويجعلها مسخا مشوها فقط للبحث عن عدد المشاهدات ولكن هل سأل نفسه كم من المشاهدين أولئك جميعهم قد أعاد مشاهدة تلك الحلقة ولو لمرة واحدة، وحينما يجد إجابة فعليه تقويم أعماله بسؤال يطرحه على نفسه ومنتجيه وممثليه بـ«أين ذهبت الكوميديا السوداء»؟!