لكل جيل قصص مع المعاناة، جيل عانى من الفقر وآخر عانى من المرض ودول عانى أجيالها من الحروب. لكن هل سيأتي جيل تكون معاناته هي 'التقنية '؟.

لكل جيل قصص مع المعاناة، جيل عانى من الفقر وآخر عانى من المرض ودول عانى أجيالها من الحروب. لكن هل سيأتي جيل تكون معاناته هي التقنية ؟.
قبل تسعة عشر عاما عندما قررت مواصلة الدراسات العليا لم تكن التقنية متوفرة بهذا الوضع الذي نعيشه. حصلت على قوائم الجامعات من الملحقية التعليمية في واشنطن ولندن وصلتني بعد ستة أشهر!، أرسلت خطابات للجامعات وصلني أول رد بعد حوالي أربعة أشهر، أرسلت النماذج مرة أخرى وفي الأخير لم أحصل على القبول من الجامعات التي رغبت فيها. ما يقارب عامين صرفتها في المراسلات! كم تستغرق هذه العملية حالياً يومين أو ثلاثة!.
اختصر علي زميل المهمة بقول اذهب بنفسك إلى الخارج وابحث عن القبول! التخصص الذي ستدرسه صعب الحصول على قبول بالمراسلات. بعد عامين ونصف سافرت إلى لندن ومنها إلى مدينة هادئة علمت أن فيها قسما للمحاسبة يعتبر من الأوائل في بريطانيا. استقبلني من رحل إلى بارئه ولن يتكرر بصفاته وأخلاقه وما يقدمه لجميع الغرباء، إنه الدكتور إبراهيم عسيري رحمه الله.
أمضيت في الجامعة عدة أيام وحصلت على قبول مشروط إلا أنني كنت في قمة الفرح بعد معاناة ثلاث سنوات, وبسبب غياب التقنية صرفت هذا الوقت والتنقل ، ومن حينها كانت المهمة الموازية لي مع الدراسة هو تعلّم التقنية.
عام 1999 بدأت مع الفريق الكبير فهد الحارثي وعبدالله أبو ملحة وقينان الغامدي نؤسس لصحيفة الوطن.
كنت أشرف على الجوانب الإدارية وبعض الجوانب الفنية! كنا بحاجة إلى خبير في المطابع!، السوق السعودية معدومة فيها الخبرات في مجال المطابع لأن بين إنشاء الوطن وآخر مؤسسة صحفية ما يقارب ثلاثين عاما. لم يكن لدينا إلا التقنية لنبحث عن المكاتب والشركات.
الإنترنت لم تكن وقتها ميسرة صرفنا ما يقارب يومين للحصول فقط على الإنترنت وأصبحنا نراسل بالبريد الإلكتروني وكان هذا انتصار كبير عندما أوصلتنا الإنترنت إلى خبير المطابع.
تذكرت المعاناة السابقة وأنا خلال الشهر الماضي أمر بأحداث جعلتني أتوقف عندها، قابلت السفير الأمريكي في مناسبة رسمية في الرياض فعرضت عليه معاناة طالب يرغب الدراسة في أمريكا ويرغب تعديل موعد المقابلة التي حددتها السفارة.
وأنا أتحدث مع السفير حمل جواله ، وطلب اسم الطالب، وكنت أعتقد أنه سيتحدث مع موظفي السفارة ، ولكنه بدأ يرسل رسائل إلكترونية بعدها بدقائق أبلغني أن الموعد تم تعديله. كل هذه في دقائق ، وهو يرسل ويستقبل بالبريد الإلكتروني من جواله.
بعدها بأسابيع قابلت رجل أعمال في مطار الملك عبدالعزيز، وتحدثت معه في موضوع ولاحظت انشغاله عني بجواله. وبعد دقائق أبلغني أن الموضوع أرسل بشأنه رسالة إلكترونية وجاءه الرد فورا ونسخة على بريدي الإلكتروني.
ما كنا نحتاج إلى إنجازه في سنوات أصبح يستغرق دقائق. الأمور تتسارع بشكل خطير لا نعلم ما هو المستقبل هل وقفنا عند هذا الحد من التقنية! ، أم أن هناك مفاجآت! ولكن مقارنة التقنية حاليا بوضعها قبل عشر أو خمسة عشر سنة تشعر أننا جيل مررنا فعلا بمعاناة ، ولكنها معاناة من صنف آخر.