كنتُ أُشاهد الأخبار، وأتابع حديثها عن الأزمة الأوكرانية وغزو الجيش الروسي، فتأملتُ الأحداث، تذكرتُ أن في كل ما يحدث في حياتنا المعاصرة نرى صورتين متناقضتين للحدث، سواءً أكان حدثاً فكرياً أم ثقافياً أم سياسياً أم دينياً، وتانِيك الصورتان تُعبران عن الذات الإنسانية التي تتفاعل مع تلك التناقضات، وإن كلتا الصورتين في تشكلهما، لهما مؤثرات ومسببات تجعل كل واحدة منهما هي الرؤية المرادة في المعنى الذي تشكلت من أجله.
وتلك المؤثرات والمسببات التي تُشكل الصورتين المتناقضتين تختلف وتتشكل باختلاف العصور والبيئات وما يُحيط بهما من ظروف ومؤثرات.
وفي وقتنا المعاصر أصبح الإعلام الجديد هو المؤثر الحقيقي من خلال امتلاكه للصورة وكيفية التلاعب فيها، والدفع باتجاه معنى مراد ومقصود، سواءً أكان سياساً أم ثقافياً أم دينياً أم أخلاقياً.
ذلك الدفع يحدث من خلال عناصر مؤثرة في تشكيل تلك الصورة المرادة في الاتجاه المقصود. هذه العناصر هي التي تمتلك التلاعب في التوازن الفكري والإخلال فيه، وفقدان المجتمعات للصور والمعاني لمقصودها الحقيقي، فلقد لعبت الصورة والإخلال في التوازن الفكري للأحداث في حرب فيتنام بالستينيات دوراً خطيراً في التضليل والدفع باتجاه الحرب، وطمس كل حقيقة مخالفة لمُراد أصحاب اتجاه الحرب، وكذلك في حرب 67، لعبت الصورة والإخلال بالتوازن الفكري دوراً مأساوياً لا تزال آثاره النفسية والاجتماعية موجودة حتى وقتنا المعاصر.
وكانت الحرب على العراق في وقت قريب جداً متأسسة على كذب صريح خجل منه العالم بأكمله، إلا صانع تلك الصورة والكذبة العالمية.
ولا يفوتني أن أذكر أنني كنتُ شاهداً على أحداث لا تزال تقبع في الذاكرة وهي ظاهرة الجهاد الأفغاني التي غيرت في المجتمعات وأحدثت اهتزازات فكرية وثقافية وسياسية كبرى، فقد تم تجنيد كل العناصر التي تدفع لفكرة الجهاد، وهي فكرة خطيرة جداً خصوصاً في العصر الحديث الذي تغير فيه كل شيء، وبالأخص في تشكيل الدول وتغير وسائل الحكم، وتعدد القوانين وتبدل القوى.
لقد غير الجهاد الأفغاني الفكر المجتمعي في كثير من المجتمعات العربية، وتم استجلاب واستنطاق العصر المدني الذي عاشه النبي صلى عليه وسلم وصحابته الكرام، وتنزيله على مجتمعاتنا ثم استصحابه ومحاولة فرضه على واقع معاصر مخالف ومتناقض مع العصر المدني تناقضاً واضحاً، لكل من لم يفقد التوازن الفكري وأعمل الفكر والتأمل، ولم ينخدع بالصور والمعاني التي حوصرت المجتمعات بها لتأييد فكرة الجهاد الأفغاني.
فقد تم تصوير الحرب الروسية على أفغانستان على أنها حرب دينية وتضمينها مصطلح الجهاد، وهو مصطلح خاص وله معنى مقصود في الشريعة الإسلامية، وهذا المصطلح (الجهاد) عبثت فيه كل الأيادي، حتى أصبح مسوغاً للجرائم والقتل البشع والتشريد والدمار لكثير من المدن والدول، وذلك بسبب العبث في فهم وتصور مصطلح الجهاد، فقد تصورته جماعات التكفير والقتال المسلح وأصحاب الفكر المتطرف، على أنه قتال ومحاربة الكفار والمشركين وكل من لم يؤمن بالدين الإسلامي، بكل سلاح فتاك وقاتل ومميت. وترتب على ذلك المفهوم كل الجرائم والمصائب التي حدثت في مجتمعنا، وفي المجتمعات الأخرى، ومن أبشعها قتل الإنسان لأمه وأبيه.
مصطلح الجهاد في الشريعة الإسلامية له محددات وضوابط وقواعد مقررة في كتب الفقهاء، بمختلف مشاربهم ومدارسهم قديماً وحديثاً. فالجهاد ليس محصوراً في العملية القتالية، فهذا جزء بسيط من مفهوم الجهاد، وليس هو المقصد الكلي للمصطلح، بل إن مصطلح الجهاد بمعناه الحقيقي يتسم بالشمول والعموم، ويعني تطوير وتنمية الفرد والارتقاء به كي يصل إلى المعنى الحقيقي المراد من كونه إنساناً سوياً يمكنه التعايش والمعاصرة مع كل ما يحيط به في هذا الكون، دون المساس والإضرار بالمعاني والمقاصد الكلية التي قررها خالق هذا الكون ومبدعها، وإزالة كل ما يمكن أن يؤثر في تلك التنمية والتطور في مسيرته الإنسانية، فلا يمكن فصل وعزل مصطلح الجهاد أو أي مصطلح آخر من المصطلحات الشرعية، عن المقاصد والمعاني الكلية التي جاءت بها مكونات الشريعة الإسلامية. ومن أعظم الخلل الذي أصاب عقول العابثين في المصطلحات الشرعية، هو عدم استيعابهم تعدد الدول واستقلالها بشكلها المعاصر في النظم الحديثة، فالدولة الحديثة تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة وهي «السلطة والشعب والإقليم»، ويترتب على تلك العناصر المكونة للدولة الحديثة أنها تتميز بميزتين رئيستين هما التمتع بالشخصية القانونية الاعتبارية، والميزة الثانية أن السطلة السياسية لها سيادة مستقلة ومنفردة عن باقي الدول المعاصرة، لذا فإن التوازن الفكري كان مفقوداً خلال نشأة فكرة الجهاد الأفغاني. كانت ساحة ذلك الجهاد الأفغاني مسرحاً كبيراً وواسعاً لترميم كثير من الأفكار المتطرفة المتعلقة بفكرة الجهاد، وما تحتويه من عناصر الولاء والبراء، وفكرة دار الكفر ودار الإسلام، ووجد كثير ممن تشتت شملهم من أصحاب فكر التكفير وجماعات الجهاد والكفاح المسلح، أرضاً خصبة لنشر وتعزيز كل عبث فكري في مصطلحات الجهاد والتكفير ومسألة دار الإسلام والإيمان.
كانت الدعاية والإعلام الداعم لفكرة الجهاد الأفغاني سبباً رئيساً في انعدام التوازن الفكري لدى كثير من شبيبة مجتمعنا آنذاك، فوقع في شراك تلك الدعاية والإعلام المعزز لفكرة الجهاد، فكان ضحية ولقمة سائغة لتبنيه فكرا مضللا ارتد علينا بكثير من الويلات والدمار والتفجير، والإخلال بالتوازن المجتمعي بتقسيم مجتمعنا إلى فئة ملتزمة بالدين، وفئة تنحو إلى الفكر العلماني المنفصم عن الشريعة الإسلامية.
بهذه السذاجة الفكرية التي راح ضحيتها كثير من شباب مجتمعنا، بسبب الخلل والانعدام في التوازن الفكري خلال ظهور الأزمات التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فإننا نخشى من بعث فكرة الجهاد خلال أزمة روسيا وأوكرانيا، من خلال الدعوة لقتال الروس، وهذه فكرة تُراود كل من لم يُصحح فكره وعقله عن مصطلح الجهاد.
هذا التصحيح يقع عبئه على عاتق من تولى الإعلام في المؤسسات والهيئات المسؤولة عن الارتقاء بالفكر المجتمعي، وحمايته من الوقوع في خطأ تاريخي آخر، كما كان خطأ الدعوة للجهاد الأفغاني خطأً تاريخياً فادحاً، دفعنا قيمة فاتورته ولا نزال لما نتخلص منها!!.
وتلك المؤثرات والمسببات التي تُشكل الصورتين المتناقضتين تختلف وتتشكل باختلاف العصور والبيئات وما يُحيط بهما من ظروف ومؤثرات.
وفي وقتنا المعاصر أصبح الإعلام الجديد هو المؤثر الحقيقي من خلال امتلاكه للصورة وكيفية التلاعب فيها، والدفع باتجاه معنى مراد ومقصود، سواءً أكان سياساً أم ثقافياً أم دينياً أم أخلاقياً.
ذلك الدفع يحدث من خلال عناصر مؤثرة في تشكيل تلك الصورة المرادة في الاتجاه المقصود. هذه العناصر هي التي تمتلك التلاعب في التوازن الفكري والإخلال فيه، وفقدان المجتمعات للصور والمعاني لمقصودها الحقيقي، فلقد لعبت الصورة والإخلال في التوازن الفكري للأحداث في حرب فيتنام بالستينيات دوراً خطيراً في التضليل والدفع باتجاه الحرب، وطمس كل حقيقة مخالفة لمُراد أصحاب اتجاه الحرب، وكذلك في حرب 67، لعبت الصورة والإخلال بالتوازن الفكري دوراً مأساوياً لا تزال آثاره النفسية والاجتماعية موجودة حتى وقتنا المعاصر.
وكانت الحرب على العراق في وقت قريب جداً متأسسة على كذب صريح خجل منه العالم بأكمله، إلا صانع تلك الصورة والكذبة العالمية.
ولا يفوتني أن أذكر أنني كنتُ شاهداً على أحداث لا تزال تقبع في الذاكرة وهي ظاهرة الجهاد الأفغاني التي غيرت في المجتمعات وأحدثت اهتزازات فكرية وثقافية وسياسية كبرى، فقد تم تجنيد كل العناصر التي تدفع لفكرة الجهاد، وهي فكرة خطيرة جداً خصوصاً في العصر الحديث الذي تغير فيه كل شيء، وبالأخص في تشكيل الدول وتغير وسائل الحكم، وتعدد القوانين وتبدل القوى.
لقد غير الجهاد الأفغاني الفكر المجتمعي في كثير من المجتمعات العربية، وتم استجلاب واستنطاق العصر المدني الذي عاشه النبي صلى عليه وسلم وصحابته الكرام، وتنزيله على مجتمعاتنا ثم استصحابه ومحاولة فرضه على واقع معاصر مخالف ومتناقض مع العصر المدني تناقضاً واضحاً، لكل من لم يفقد التوازن الفكري وأعمل الفكر والتأمل، ولم ينخدع بالصور والمعاني التي حوصرت المجتمعات بها لتأييد فكرة الجهاد الأفغاني.
فقد تم تصوير الحرب الروسية على أفغانستان على أنها حرب دينية وتضمينها مصطلح الجهاد، وهو مصطلح خاص وله معنى مقصود في الشريعة الإسلامية، وهذا المصطلح (الجهاد) عبثت فيه كل الأيادي، حتى أصبح مسوغاً للجرائم والقتل البشع والتشريد والدمار لكثير من المدن والدول، وذلك بسبب العبث في فهم وتصور مصطلح الجهاد، فقد تصورته جماعات التكفير والقتال المسلح وأصحاب الفكر المتطرف، على أنه قتال ومحاربة الكفار والمشركين وكل من لم يؤمن بالدين الإسلامي، بكل سلاح فتاك وقاتل ومميت. وترتب على ذلك المفهوم كل الجرائم والمصائب التي حدثت في مجتمعنا، وفي المجتمعات الأخرى، ومن أبشعها قتل الإنسان لأمه وأبيه.
مصطلح الجهاد في الشريعة الإسلامية له محددات وضوابط وقواعد مقررة في كتب الفقهاء، بمختلف مشاربهم ومدارسهم قديماً وحديثاً. فالجهاد ليس محصوراً في العملية القتالية، فهذا جزء بسيط من مفهوم الجهاد، وليس هو المقصد الكلي للمصطلح، بل إن مصطلح الجهاد بمعناه الحقيقي يتسم بالشمول والعموم، ويعني تطوير وتنمية الفرد والارتقاء به كي يصل إلى المعنى الحقيقي المراد من كونه إنساناً سوياً يمكنه التعايش والمعاصرة مع كل ما يحيط به في هذا الكون، دون المساس والإضرار بالمعاني والمقاصد الكلية التي قررها خالق هذا الكون ومبدعها، وإزالة كل ما يمكن أن يؤثر في تلك التنمية والتطور في مسيرته الإنسانية، فلا يمكن فصل وعزل مصطلح الجهاد أو أي مصطلح آخر من المصطلحات الشرعية، عن المقاصد والمعاني الكلية التي جاءت بها مكونات الشريعة الإسلامية. ومن أعظم الخلل الذي أصاب عقول العابثين في المصطلحات الشرعية، هو عدم استيعابهم تعدد الدول واستقلالها بشكلها المعاصر في النظم الحديثة، فالدولة الحديثة تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة وهي «السلطة والشعب والإقليم»، ويترتب على تلك العناصر المكونة للدولة الحديثة أنها تتميز بميزتين رئيستين هما التمتع بالشخصية القانونية الاعتبارية، والميزة الثانية أن السطلة السياسية لها سيادة مستقلة ومنفردة عن باقي الدول المعاصرة، لذا فإن التوازن الفكري كان مفقوداً خلال نشأة فكرة الجهاد الأفغاني. كانت ساحة ذلك الجهاد الأفغاني مسرحاً كبيراً وواسعاً لترميم كثير من الأفكار المتطرفة المتعلقة بفكرة الجهاد، وما تحتويه من عناصر الولاء والبراء، وفكرة دار الكفر ودار الإسلام، ووجد كثير ممن تشتت شملهم من أصحاب فكر التكفير وجماعات الجهاد والكفاح المسلح، أرضاً خصبة لنشر وتعزيز كل عبث فكري في مصطلحات الجهاد والتكفير ومسألة دار الإسلام والإيمان.
كانت الدعاية والإعلام الداعم لفكرة الجهاد الأفغاني سبباً رئيساً في انعدام التوازن الفكري لدى كثير من شبيبة مجتمعنا آنذاك، فوقع في شراك تلك الدعاية والإعلام المعزز لفكرة الجهاد، فكان ضحية ولقمة سائغة لتبنيه فكرا مضللا ارتد علينا بكثير من الويلات والدمار والتفجير، والإخلال بالتوازن المجتمعي بتقسيم مجتمعنا إلى فئة ملتزمة بالدين، وفئة تنحو إلى الفكر العلماني المنفصم عن الشريعة الإسلامية.
بهذه السذاجة الفكرية التي راح ضحيتها كثير من شباب مجتمعنا، بسبب الخلل والانعدام في التوازن الفكري خلال ظهور الأزمات التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فإننا نخشى من بعث فكرة الجهاد خلال أزمة روسيا وأوكرانيا، من خلال الدعوة لقتال الروس، وهذه فكرة تُراود كل من لم يُصحح فكره وعقله عن مصطلح الجهاد.
هذا التصحيح يقع عبئه على عاتق من تولى الإعلام في المؤسسات والهيئات المسؤولة عن الارتقاء بالفكر المجتمعي، وحمايته من الوقوع في خطأ تاريخي آخر، كما كان خطأ الدعوة للجهاد الأفغاني خطأً تاريخياً فادحاً، دفعنا قيمة فاتورته ولا نزال لما نتخلص منها!!.