بدلا من ملاحقة الجن للبشر، كما أخبرتنا الأساطير الشعبية، بات مئات من شبابنا يرغبون بملاحقة الجن ومواجهتهم وجها لوجه!

بدلا من ملاحقة الجن للبشر، كما أخبرتنا الأساطير الشعبية، بات مئات من شبابنا يرغبون بملاحقة الجن ومواجهتهم وجها لوجه! هذا ما فعلوه بعد أن تواصلوا عبر البلاك بيري والمواقع الاجتماعية، ليحدثوا دهشة للجميع بما فعلوه في نقطة تجمع مكانها مستشفى مهجور ليلا، بزعم أنه وكر للجن مسكون، تسبب في إيقاف بناء المستشفى بالرياض لسنوات طويلة، بحسب ما نقلته بعض المواقع الإلكترونية مع الصور. وطبعا هذا المستشفى لا تعرف عنه ـ فيما يبدو ـ وزارة الصحة الموقرة!! والله أعلم إن كانت هذه الأرض مؤجرة وصاحبها يستلم إيجارها حتى اليوم من الدولة أو أوراق مناقصتها في أيدي الجن الفاسد في القطاع الخاص!
ما فعله هؤلاء الشباب وتفكيرهم بإخراج الجن من المستشفى، حتى اضطر رجال الأمن للتدخل والدفاع المدني من الحضور لإخماد النار التي شبّها الشباب، رسالة يمكن قراءتها من وجوه عديدة! هل حقا عبروا بما فعلوه عن رسالة منهم للجميع بأنهم باتوا لا يخافون من الجن!؟ وأنهم يُعلنون تمردهم على الخوف من الأساطير التي عززتها ثقافة التخريف والتدليس بعد أن أخرجت الجن من قالب الحقيقة القرآنية لعالم المتاجرة والتفتفة! أم إن الأمر وصل من المرارة ليبطل فرحتنا هذه أمام زعم أنهم توجهوا للمستشفى لإخراج الجن، محملين بإرث انتشار ثقافة الرقية المفتوحة على مصراعيها وثقافة الجن الذي أظنّه هج من ديارنا بعد أن بات يتحمل وزر الفاسدين والمجرمين، فهذا اختلس لأن به جنيا، وهذا فشل في وظيفته لأن فيه جنية، وهذه عانس عاشقها جني، وهذا طلق زوجته لأن فيه جنيا، وهذه انتحرت لأن جنيا قتلها، إلى آخر الأخبار السَلطة في مجالسنا وصحفنا والشبكة العنكبوتية!
وبصراحة، لو لا الفراغ ـ قاتله الله ـ لما توجه هؤلاء الشباب بهذا العدد المتأجج بالطاقة إلى مستشفى مهجور لمواجهة الجن وجها لوجه، والسخرية من واقع ثقافي مرير!! فالشباب بفعلهم هذا أثاروا سخرية كثيرين عليهم، لكنهم في واقع الحال وبصدق هُم من سخروا منّا /نحن المتفرجين على ما فعلوا، لقد سخروا من لفظ الجامعات لهم أو إجبارهم على تخصصات لا يرغبونها، لقد سخروا من فراغ قاتل يخلو من فنون إبداعية تشغل وقتهم بالمفيد وتفجر طاقاتهم وتدفعهم للممتع المباح كالسينما والمسرح والفنون الاستعراضية والحفلات الغنائية والتراثية! لقد سخروا من واقع فارغ يجرهم إلى الاستراحات في خلوات ما بين اليمين واليسار! أو إلى اللف والدوران في الشوارع دون عنوان! أو إلى علاقات هاتفية عاطفية ومحرمة!! ببساطة ما فعله الشباب بعفوية بريئة لمواجهة الجن في مستشفى مهجور، هو سخرية من واقعهم المرير وتمرد ليس على الجن وثقافة التدليس به، بل على واقعهم، الذي يجب أن يتغير إلى آخر يستوعبهم ويوظف طاقتهم ويحترم عصرهم ورغباتهم وفكرهم.