يعتبر فيلم المواطن كين من أهم الأفلام في تاريخ السينما، وإن كانت مثل هكذا عبارة تعتبر محل جدل إلا أن الكثير من التقييمات النقدية والأكاديمية تضع الفيلم كأهم فيلم باحتلاله للمركز الأول في الكثير من قوائم المؤسسات والمعاهد السينمائية.
في الشهر الماضي، احتفي بالفيلم لمرور 70 عاما على تاريخ عرضه وكتب عنه الكثير، ولعل أكثر الكتابات بلاغة وصف الناقد الأميركي بوب مانديلو للفيلم بأنه، مدرسة سينمائية في فيلم. وكل هذا التقدير الذي يلاقيه الفيلم يثير فضول وتساؤل من لم يشاهده، أو حتى البعض ممن شاهده ولم يجد تبريرا مقنعا لأن يكون أهم فيلم في تاريخ السينما.
أهمية الفيلم تأتي لعدة أسباب يصعب حصرها أو شرحها في مقالة. فهو فيلم، كما تضمن العنوان، مدرسة من الناحية البصرية والسردية والتحريرية والإخراجية والأدائية. وهو الفيلم الذي كتب عنه أبرز النقاد، مثل الناقد الفرنسي أندريه بازين الذي قال عنه إنه ثورة في لغة الشاشة. كما أنتج عن الفيلم عدة وثائقيات ودراسات من أهمها الفيلم الوثائقي المعركة حول فيلم المواطن كين، لمخرجيه مايكل إببستاين وثوماس لينون.
أورسن ويليس، مخرج الفيلم ومؤلفه وبطله، المشاكس ذو الخمسة والعشرين عاما اختار شخصية (ويليام راندوف هرتس) إمبراطور الإعلام، وأحد المتهمين بصناعة ما يسمى الصحافة الصفراء، موضوعا لفيلمه مع تغيير في الأسماء والأحداث، وبقيامه بذلك اختار أن يهاجم إمبراطور الصحافة في عصره، وهذا ما أعطى الفيلم شيئا من الأهمية وتحديدا من الناحية الإنتاجية، حيث منحت الشركة الهوليودية المنتجة للفيلم (أر كي أو) كل الصلاحيات لمخرج ومؤلف وبطل الفيلم ليخرج فيلما كيفما يشاء بدون أن تتدخل الشركة في زمن كانت شركات هوليوود تتعامل مع كل الفنانين في السينما وكأنهم عمال يؤدون أدوارهم كيفما تريد الشركة المنتجة. وحين عرف (هرتس) بأن (ويليس) يخرج فيلما يتناول حياته وإمبراطوريته الإعلامية كرس كل سلطته ووسائله الإعلامية في تلك الفترة لقتل الفيلم وتدمير مخرجه الشاب، وانتهت المعركة بخسارة الاثنين على مستويات كثيرة لعل أبرزها بالنسبة لـويليس خسارته لثمانية ترشيحات أوسكار، بل عاش لحظات إهانة خلال حفل الأوسكار حين كان يذكر اسمه كمرشح فيقابل بالسخرية والصراخ من بعض حضور الحفل الذين يقال إنهم صحفيو ومناصرو (هرتس). قصة الفيلم وكل الأحداث والتحديات التي قابلت إنتاجه وعرضه وتسويقه هي تلخيص لقذارة الصحافة الصفراء والإعلاميين غير المحايدين التي يمثلها هرتس وصحافته وموظفيه.
قصة الفيلم تبدأ بدخول الكاميرا إلى قصر رجل غني (تشارلز فوستر كين) في لحظة الموت وتكون آخر كلمة ينطقها هي روزبد التي يبدأ الفيلم بعدها في البحث عن سر ومعنى تلك الكلمة لتبدأ الأحداث عن طريق الفلاشباك في محاولة فاشلة لمعرفة سر تلك الكلمة.
وأسلوب الفيلم في محاولة معرفة سر كلمة روزبد يبدأ مع الفلاشباك وعبر عدة رواة تقدم كل رواية القصة والأحداث من منظور مختلف، متخذا سردا مختلفا عن أسلوب هوليوود الكلاسيكي (الحدث المتصاعد) وهذا الابتكار يعد أحد أهم الابتكارات التي قدمها فيلم المواطن كين.
وإضافة إلى الأسلوب السردي المغاير، ابتكر المخرج والمصور السينمائي (قريق تولاند) عدة أساليب بصرية لم تعهدها السينما من قبل (المواطن كين).
فعلى مستوى الأسلوب السينمائي وتحديدا التصوير السينمائي قدم فيلم المواطن كين ما يعرف بعمق ميدان واللقطة الطويلة والتي كانت أسلوبا جديدا في حينها مما يعطي المشاهد حرية أكبر في النظر في كل أجزاء الكادر ويضفي واقعية على الحدث. ومن ناحية بصرية أخرى لا تقل أهمية، هي اعتبار فيلم المواطن كين فيلما تعبيريا واقعيا يقتبس بعضا من تقاليد التعبيرية الألمانية في ديكورات مواقع التصوير وحركة الكاميرا وزواياها والعدسات ذات التأثيرات المشوهة للصورة التي تعزز من التأثير النفسي للصورة، كما تقول الكاتبة الأميركية ماريلين فايب.
من جانب آخر، يعتبر توظيف الصوت في الفيلم ابتكارا غير مسبوق سواء على مستوى النبرة واللهجة في الحوارات أو على مستوى الموسيقى التي نفذها (بيرنارد هيرمان) الذي أُعطي هو الآخر الحرية لتأليف موسيقى الفيلم، خلافا لما عرفته هوليود، حيث كانت بعض المشاهد تتحرر بشكل يناسب الموسيقى، وفي بعض المشاهد تتحول إلى أكثر من مجرد موسيقى مصاحبة للصورة إلى موسيقى تعبيرية تنافس الكلمة والصورة.
وعلى الرغم من أن وصف الفيلم بأنه مدرسة، يعتبر وصفا يليق بهذا الفيلم بصفته مادة مهمة في مقررات الدراسات السينمائية الأكاديمية، إلا أنه - أي الوصف - يوضح أن هذه المادة السينمائية الدراسية غير جماهيرية سواء في زمن الفيلم أو في هذا الزمن، ومع ذلك يبقى لـالمواطن كين عدة عناصر تجعله فيلما ممتعا لمتذوقي السينما في كل زمن.
* كاتب سعودي